أقلام يورابيا
حذارِ من الألقاب والتوهّم بها فالحج نعمة ومسؤولية وسلوك إيماني وليس للمباهاة
*د.السيد محمد علي الحسيني
بعد انتهاء مناسك الحج، اللهم لك الحمد والشكر أن وفّقت الحجاج لأداء فريضة الحج، ويسّرت لهم مناسكهم، وهوّنت عليهم حجهم، ورزقتهم مشاهدة بيتك الحرام، والطواف حوله، والسعي بين الصفا والمروة، وبلّغتهم عرفات، والمبيت بالمزدلفة، ومننت عليهم بالمغفرة بمنى.
لك الحمد والشكر، فتقبّل حجهم، واجعله حجًا مبرورًا، وسعيًا مشكورًا، وذنبًا مغفورًا، وعملًا مقبولًا، يا ذا الجلال والإكرام.
الحج نعمة من الله يجب الحفاظ عليها، ومسؤولية ينبغي الالتزام بها وسلوك إيماني علينا الاستمرار به
حجاج بيت الله الحرام: إن من أعظم نِعَم الله عليكم أن وفّقكم لحج بيته الحرام، وأدّيتم الركن الخامس في الإسلام (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)، ولبّيتم دعوة أب الأنبياء إبراهيم (عليه السلام)، (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)، وتركتم الأهل والوطن وتوجّهتم قاصدين البيت الحرام وأحرمتم لله عن المحرمات والمحظورات المحرمة، ممتنعين عن المحرم والعادات السيئة والسلوكيات المشينة، وعملتم بقوله عز وجل: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)، فكنتم كذلك إن شاء الله، وحللتم ضيوفا للرحمن.
واليوم بعد عودتكم من الحج نقول: إن الحج نعمة من الله يجب الحفاظ عليها، ومسؤولية ينبغي الالتزام بها، وسلوك إيماني علينا مواصلته والاستمرار به، كما كان حالنا أثناء الإحرام.
الحج فرصة لترويض النفس واليقين بيوم الميعاد
حجاج بيت الله الكرام: تجنبوا حين الإحرام الرفث والفسوق والجدال وباقي المحظورات المحرمة، وهذا يتطلب منكم ترويض أنفسكم بالابتعاد عن الذنوب واجتناب المعاصي في كل وقت، إلا أنه في وقت الإحرام بالحج ألزم؛ حيث تقع عليكم مسؤولية كبيرة وحجة إلهية؛ لأنكم رأيتم وشاهدتم كيف يجتمع الحجيج في عرفات في مشهدٍ من مشاهد يوم الحساب، حيث يلتقي جميع الناس من كل الأصناف والألوان في موقف واحد، في موقف يزيدنا إيمانًا ويقينًا بيوم الدين، ولنرجع بعده للعمل الصالح ونوصي بالحق وبالصبر، ونستقيم على الطريق المستقيم، ونكون قدوة وأسوة للناس أجمعين.
الحج ليس لقبا للتباهي بل سلوك يعكس أخلاق وإيمان المسلم
إخوة الإيمان! حذارِ من الألقاب والتوهّم بها، فالحج ليس للمباهاة وما شابه، فلا يجب أن يقع الحاج في شباك التباهي بلقب الحاج ليستغله في كثير من الأمور الدنيوية، بل الحج تاج يتوج به المسلم أعماله وينقيها ويطهرها؛ فمن حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فالقاعدة القرآنية تقول (ليس للإنسان إلا ما سعى).
وأخيرًا نذكّر أنفسنا ونذكركّم بتقوى الله وطاعته، وأن تكون كل أيامنا أيام حج، وسلوكنا سلوك المحرِم في ضيافة الله.. ونسأل الله الكريم أن يجعلنا من الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه، عباد الله اتقوا الله وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى.
*الأمين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.