سمير عطا الله
كان الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا، يشارك في لجان التحكيم في معظم المهرجانات السينمائية الرئيسية. ويروي أن الأكثر متعة بينها كان مهرجان «كان»؛ خصوصاً بسبب من يحضره من أصدقائه، وأبرزهم آنذاك الشاعر اللبناني الفرنسي جورج شحادة. أما أصعب المهرجانات فكان مهرجان برلين الذي تطغى عليه العلاقات والمقاييس الألمانية الجامدة والشديدة. والناس تذهب عادة إلى هذه اللقاءات بحثاً عن دراما جديدة تخيّلها مخرجون قدامى أو جدد. أما خارج المهرجانات، فالمفاجآت قليلة وغير ذات أهمية.
هكذا كان يعتقد فارغاس يوسا. وذات مرة، ذهب إلى مهرجان برلين، ورأى أن لديه من الوقت ما يكفي للقاء ابنه غونزالو غابرييل، الذي يتابع دروسه الثانوية في إحدى كلّيات لندن. فأبرق إليه أن يلاقيه في العاصمة الألمانية. كان غابرييل آنذاك في السابعة عشرة من العمر. ذهب الأب إلى المطار، وهو يتوقّع شاباً طويل الشعر مثل جميع رفاقه، كما كان يتوقّع أيضاً أن يلقي ابنه التحية عليه مثل شباب العصر في أوروبا، أي أن يرفع يده عالياً، قائلاً، هالو، من دون حتى أن يصافحه. كان مستعداً لكل هذه المستجدات. عندما قرّر هو وزوجته أن يرسلا ابنهما إلى لندن، أدركا سلفاً أن ثمة ثمناً لا بد من دفعه في سبيل الحصول على أعلى مستويات التعليم.
وصل الأب والابن إلى الفندق. وكان أول سؤال طرحه الروائي على الابن: «هل أنت سعيد كما نتمنى، أمك وأنا؟»، قال الابن: «أنا في غاية السعادة. لقد عثرت أخيراً على نفسي وعلّة وجودي، وأصبح للحياة عندي معناها الحقيقي. ولست أدري كيف أبدأ بشرح ما حدث. إنني الآن عضو في كنيسة راستا فاريان وإلهنا هو الإمبراطور هيلاسيلاسي، سيّد هذا العالم». أصغى الأب إلى اكتشاف ابنه وهو يرتجف خوفاً. في اليوم التالي، عاد الابن إلى لندن، ولم يكن باستطاعة يوسا أن يرافقه بسبب التزاماته في المهرجان. لكنه اتّصل بمدير الكلّية في لندن، وقال له: «ما الذي يحدث؟ لقد أرسلنا إليكم ابننا كي يتعلّم، فإذا به يكتشف أن هيلاسيلاسي هو الله؟»، فأجاب المدير بكل برودة أن طائفة «الرستا» الجديدة تضمّ عشرة طلّاب على الأقل، وأن مسألة الإيمان متروكة لهم، لأن الكلّية لا تتدخّل في هذه الأمور.
لم يعرف يوسا كيف يبلغ زوجته بما حصل، لكن لم يكن هناك بد من ذلك. وذهب إلى البيرو ليخبرها بالأمر ويطلب منها أن تتولّى هي السفر إلى لندن ومعالجة المسألة. كرّر الابن أمام الأم ما قاله للأب، ولكن بقناعة أكبر. وحذّرها من أن تحاول ثنيه عن إيمانه الجديد. وجد الأبوان نفسيهما أمام حلّ واحد. الشكوى لله سبحانه. وبعد عام، كتب الابن إلى والديه من لندن رسالة ضاحكة: «لقد ودّعت هيلاسيلاسي إلى الأبد، وأنا أحبّكما».
هكذا كان يعتقد فارغاس يوسا. وذات مرة، ذهب إلى مهرجان برلين، ورأى أن لديه من الوقت ما يكفي للقاء ابنه غونزالو غابرييل، الذي يتابع دروسه الثانوية في إحدى كلّيات لندن. فأبرق إليه أن يلاقيه في العاصمة الألمانية. كان غابرييل آنذاك في السابعة عشرة من العمر. ذهب الأب إلى المطار، وهو يتوقّع شاباً طويل الشعر مثل جميع رفاقه، كما كان يتوقّع أيضاً أن يلقي ابنه التحية عليه مثل شباب العصر في أوروبا، أي أن يرفع يده عالياً، قائلاً، هالو، من دون حتى أن يصافحه. كان مستعداً لكل هذه المستجدات. عندما قرّر هو وزوجته أن يرسلا ابنهما إلى لندن، أدركا سلفاً أن ثمة ثمناً لا بد من دفعه في سبيل الحصول على أعلى مستويات التعليم.
وصل الأب والابن إلى الفندق. وكان أول سؤال طرحه الروائي على الابن: «هل أنت سعيد كما نتمنى، أمك وأنا؟»، قال الابن: «أنا في غاية السعادة. لقد عثرت أخيراً على نفسي وعلّة وجودي، وأصبح للحياة عندي معناها الحقيقي. ولست أدري كيف أبدأ بشرح ما حدث. إنني الآن عضو في كنيسة راستا فاريان وإلهنا هو الإمبراطور هيلاسيلاسي، سيّد هذا العالم». أصغى الأب إلى اكتشاف ابنه وهو يرتجف خوفاً. في اليوم التالي، عاد الابن إلى لندن، ولم يكن باستطاعة يوسا أن يرافقه بسبب التزاماته في المهرجان. لكنه اتّصل بمدير الكلّية في لندن، وقال له: «ما الذي يحدث؟ لقد أرسلنا إليكم ابننا كي يتعلّم، فإذا به يكتشف أن هيلاسيلاسي هو الله؟»، فأجاب المدير بكل برودة أن طائفة «الرستا» الجديدة تضمّ عشرة طلّاب على الأقل، وأن مسألة الإيمان متروكة لهم، لأن الكلّية لا تتدخّل في هذه الأمور.
لم يعرف يوسا كيف يبلغ زوجته بما حصل، لكن لم يكن هناك بد من ذلك. وذهب إلى البيرو ليخبرها بالأمر ويطلب منها أن تتولّى هي السفر إلى لندن ومعالجة المسألة. كرّر الابن أمام الأم ما قاله للأب، ولكن بقناعة أكبر. وحذّرها من أن تحاول ثنيه عن إيمانه الجديد. وجد الأبوان نفسيهما أمام حلّ واحد. الشكوى لله سبحانه. وبعد عام، كتب الابن إلى والديه من لندن رسالة ضاحكة: «لقد ودّعت هيلاسيلاسي إلى الأبد، وأنا أحبّكما».