أمير طاهري
لطالما اعتبر الصحافيون في جميع أنحاء العالم هذا الوقت من العام، حيث منتصف فصل الصيف، موسماً سخيفاً يخلو من الأحداث المهمة التي تستحق الاهتمام، على الأقل من الناحية السياسية. فقد امتلأ الموسم السخيف بأخبار مثل ولادة خروف مزدوج الرأس في نيوزيلندا، واكتشاف بقايا قارة أطلانتس المفقودة في الصحراء الجزائرية، ونصائح بتقليل التوابل، وانتحار الملياردير المتحرش بالأطفال في سجن شديد الحراسة في أميركا.
قد يقول المرء إن قمة «مجموعة السبع» في مدينة بياريتز الفرنسية، المقررة غداً، استثناء من قاعدة الموسم السخيف تلك، أم تراها جزءاً من السخف؟
كانت القمة من بنات أفكار الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان الذي استضافها لأول مرة عندما كان اسمها «مجموعة الست» عام 1975 بعضوية بريطانيا وإيطاليا واليابان وألمانيا (الغربية آنذاك) والولايات المتحدة.
كانت الفكرة الأصلية هي التركيز على القضايا الاقتصادية العالمية في أعقاب الركود الناجم عن صدمات النفط عامي 1971 و1973. ومع ذلك، في غضون عام أو عامين وسعت القمة – بعد أن ضمت كندا والمجموعة الاقتصادية الأوروبية – نطاق اختصاصها لتشمل القضايا السياسية الكبرى. وبحلول عام 1978 وعندما اجتمعت المجموعة في «غوادلوب»، تحولت مجموعة السبع إلى مكتب سياسي دولي يزعم أنه يضبط العالم أجمع.
في واحدة من تلك المفارقات الطريفة التي أضافت نكهة للتاريخ، حيث ضمت المجموعة روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، شهد العالم تراجعاً في القوة الحقيقية للمجموعة وتأرجحاً في قدرتها على التأثير على الاتجاهات العالمية وكذلك طموحاتها في حكم العالم.
لم يكن بوسع المجموعة أن تفعل شيئاً إزاء الغزو السوفياتي لأفغانستان وتفكك الاتحاد السوفياتي وانهيار حلف وارسو واستيلاء الملالي على السلطة في إيران، وتحول الصين إلى النظام الرأسمالي، ناهيك من الحروب التي أشعلها صدام حسين وتفاقم الإرهاب الدولي باسم الدين. والأهم من هذا وذاك، ربما لم يكن لـ«المكتب السياسي العالمي» أي دور في التغييرات التكنولوجية الدرامية التي جرت العالم إلى شيء أكبر من الثورة الصناعية.
بحلول منتصف التسعينات من القرن الماضي، تحولت قمة مجموعة الثماني، كما كان الحال قبل طرد روسيا، إلى متجر للحوارات واستوديو للصور الفوتوغرافية للزعماء السياسيين بحثاً عن مكانة في عالم جديد لم يعد بإمكانهم السيطرة عليه. في إحدى القمم التي استضافتها فرنسا في ليون اتخذ المشاركون «قرارات» بشأن كل شيء يخطر على بالك، رغم إدراكهم أنهم ليس لديهم النية ولا القدرة على التصرف حيال أي من تلك القضايا.
حسنًا، ما العلاقة بين هذا وقمة مجموعة السبع؟
الجواب المختصر كالتالي: بات واضحاً في قمة العام الماضي التي استضافتها كندا عندما حاولت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «تثقيف» الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن حقائق الحياة السياسية، أنهم ارتأوا استفزاز الرئيس الأميركي لرؤية رد فعل قوي. انتهى الأمر برمته بمهزلة عندما كلف رئيس وزراء كندا الشاب عديم الخبرة، جاستن ترودو، أحد أتباعه بترجمة البيان الختامي وتفسيره بطريقة مزعجة.
ولدى سماعه ذلك عندما كان على متن طائرته الرئاسية، قام ترمب بالتغريد لإعلان رفضه للبيان بأكمله. في الظروف العادية، كان من المفترض أن يعني ذلك نهاية تمثيلية بدأت قبل نصف قرن تقريباً. لكن التمثيلية لم تنتهِ؛ والسبب أن البيروقراطية السيئة السمعة لا تزال على قيد الحياة وتأبى الموت.
من المفترض أن تركز قمة نهاية الأسبوع على ثلاث قضايا: الأولى هي البحث عن نوع من القوانين والنظم الدولية في عالم رقمي يتجاوز حدود الدولة وتجمعات مثل الاتحاد الأوروبي. وكما تبدو الأمور، فإنه من غير المرجح أن أي شيء يقال أو «يقرر» في قمة بياريتز سيخلق نوعاً من الهيمنة التي يحلم بها البيروقراطيون في العواصم الكبرى.
القضية الثانية تتمثل في مكافحة الإرهاب. ففي عام 1996 سنت قمة ليون 45 إجراء لم ينفذ أي منها، باستثناء الاضطرار إلى خلع أحذيتنا عند نقاط التفتيش في المطارات. الجماعات الإرهابية اليوم لا تزال على قيد الحياة، إن لم تكن قد ازدادت عدداً عما كانت عليه في تلك الأيام التي تفاخر فيها الرئيس جاك شيراك بأنه سيمحوها في غضون عام أو عامين.
القضية الثالثة هي ما يجب فعله بشأن الجمهورية الإسلامية التي تزداد اهتزازاً لكنها ما زالت تحكم سيطرتها على إيران. الأوروبيون، ربما باستثناء بريطانيا في عهد بوريس جونسون لكن مع إضافة كندا وربما اليابان، يودون الاستمرار في تقديم خدماتهم «للصفقة الميتة» التي ورثها العالم عن الرئيس باراك أوباما على أمل تجنب أزمة كبيرة في الشرق الأوسط. والاتحاد الأوروبي الذي يعاني من التباطؤ الاقتصادي و«بريكست» يضغط للتوقف عن دفع الملالي إلى الهاوية. ورغم ذلك، يفتقر الاتحاد الأوروبي إلى الشجاعة لإلقاء طوق النجاة للعصابة الخمينية الغارقة في طهران.
ومع ذلك، فإن إدارة ترمب، أو بالأحرى ترمب نفسه، لا يحتاج إلى فعل أي شيء أبعد من ذلك عندما تبدأ العقوبات الإضافية في ترك تأثيرها الحقيقي على النظام الخميني.
القضية الرابعة هي ما يسمى الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة. بالنسبة لهذه القضية أيضاً لا يوجد ما تستطيع «مجموعة السبع» فعله للتأثير على مجريات الأحداث، ناهيك من نتائجها. لقد بدأ الواقع الاقتصادي في تحديد معالم استراتيجية ترمب للحرب التعريفية ضد الصين التي تدعم المستهلك الأميركي من خلال انخفاض أسعار سلعها وشراء سندات الخزانة الأميركية على نطاق واسع.
قد تنتهي قمة «بياريتز» بتحديد موعد ومكان انعقاد قمة أخرى العام المقبل. وقد توفر أيضاً فرصة لرئيس الوزراء البريطاني الجديد جونسون للتعرف على ترمب بشكل أفضل مع الضغط على ميركل وماكرون للمساعدة في إخراج المملكة المتحدة من شبكة «بريكست» المتشابكة التي نسجت على مدار السنوات الثلاث الماضية.
حتى إذا طلب ترمب دعوة روسيا والصين للانضمام إلى المجموعة، فمن غير المرجح أن يكتسب الحدث الزخم المرجو. في هذه الأثناء وفي ظل الحرمان من الأخبار المهمة، يمكن للصحافيين الاستمتاع بأفضل المأكولات في العالم في أرقى فنادق المنتجع. فهي لحظات أحسبها ممتعة في موسم سخيف.
قد يقول المرء إن قمة «مجموعة السبع» في مدينة بياريتز الفرنسية، المقررة غداً، استثناء من قاعدة الموسم السخيف تلك، أم تراها جزءاً من السخف؟
كانت القمة من بنات أفكار الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان الذي استضافها لأول مرة عندما كان اسمها «مجموعة الست» عام 1975 بعضوية بريطانيا وإيطاليا واليابان وألمانيا (الغربية آنذاك) والولايات المتحدة.
كانت الفكرة الأصلية هي التركيز على القضايا الاقتصادية العالمية في أعقاب الركود الناجم عن صدمات النفط عامي 1971 و1973. ومع ذلك، في غضون عام أو عامين وسعت القمة – بعد أن ضمت كندا والمجموعة الاقتصادية الأوروبية – نطاق اختصاصها لتشمل القضايا السياسية الكبرى. وبحلول عام 1978 وعندما اجتمعت المجموعة في «غوادلوب»، تحولت مجموعة السبع إلى مكتب سياسي دولي يزعم أنه يضبط العالم أجمع.
في واحدة من تلك المفارقات الطريفة التي أضافت نكهة للتاريخ، حيث ضمت المجموعة روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، شهد العالم تراجعاً في القوة الحقيقية للمجموعة وتأرجحاً في قدرتها على التأثير على الاتجاهات العالمية وكذلك طموحاتها في حكم العالم.
لم يكن بوسع المجموعة أن تفعل شيئاً إزاء الغزو السوفياتي لأفغانستان وتفكك الاتحاد السوفياتي وانهيار حلف وارسو واستيلاء الملالي على السلطة في إيران، وتحول الصين إلى النظام الرأسمالي، ناهيك من الحروب التي أشعلها صدام حسين وتفاقم الإرهاب الدولي باسم الدين. والأهم من هذا وذاك، ربما لم يكن لـ«المكتب السياسي العالمي» أي دور في التغييرات التكنولوجية الدرامية التي جرت العالم إلى شيء أكبر من الثورة الصناعية.
بحلول منتصف التسعينات من القرن الماضي، تحولت قمة مجموعة الثماني، كما كان الحال قبل طرد روسيا، إلى متجر للحوارات واستوديو للصور الفوتوغرافية للزعماء السياسيين بحثاً عن مكانة في عالم جديد لم يعد بإمكانهم السيطرة عليه. في إحدى القمم التي استضافتها فرنسا في ليون اتخذ المشاركون «قرارات» بشأن كل شيء يخطر على بالك، رغم إدراكهم أنهم ليس لديهم النية ولا القدرة على التصرف حيال أي من تلك القضايا.
حسنًا، ما العلاقة بين هذا وقمة مجموعة السبع؟
الجواب المختصر كالتالي: بات واضحاً في قمة العام الماضي التي استضافتها كندا عندما حاولت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «تثقيف» الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن حقائق الحياة السياسية، أنهم ارتأوا استفزاز الرئيس الأميركي لرؤية رد فعل قوي. انتهى الأمر برمته بمهزلة عندما كلف رئيس وزراء كندا الشاب عديم الخبرة، جاستن ترودو، أحد أتباعه بترجمة البيان الختامي وتفسيره بطريقة مزعجة.
ولدى سماعه ذلك عندما كان على متن طائرته الرئاسية، قام ترمب بالتغريد لإعلان رفضه للبيان بأكمله. في الظروف العادية، كان من المفترض أن يعني ذلك نهاية تمثيلية بدأت قبل نصف قرن تقريباً. لكن التمثيلية لم تنتهِ؛ والسبب أن البيروقراطية السيئة السمعة لا تزال على قيد الحياة وتأبى الموت.
من المفترض أن تركز قمة نهاية الأسبوع على ثلاث قضايا: الأولى هي البحث عن نوع من القوانين والنظم الدولية في عالم رقمي يتجاوز حدود الدولة وتجمعات مثل الاتحاد الأوروبي. وكما تبدو الأمور، فإنه من غير المرجح أن أي شيء يقال أو «يقرر» في قمة بياريتز سيخلق نوعاً من الهيمنة التي يحلم بها البيروقراطيون في العواصم الكبرى.
القضية الثانية تتمثل في مكافحة الإرهاب. ففي عام 1996 سنت قمة ليون 45 إجراء لم ينفذ أي منها، باستثناء الاضطرار إلى خلع أحذيتنا عند نقاط التفتيش في المطارات. الجماعات الإرهابية اليوم لا تزال على قيد الحياة، إن لم تكن قد ازدادت عدداً عما كانت عليه في تلك الأيام التي تفاخر فيها الرئيس جاك شيراك بأنه سيمحوها في غضون عام أو عامين.
القضية الثالثة هي ما يجب فعله بشأن الجمهورية الإسلامية التي تزداد اهتزازاً لكنها ما زالت تحكم سيطرتها على إيران. الأوروبيون، ربما باستثناء بريطانيا في عهد بوريس جونسون لكن مع إضافة كندا وربما اليابان، يودون الاستمرار في تقديم خدماتهم «للصفقة الميتة» التي ورثها العالم عن الرئيس باراك أوباما على أمل تجنب أزمة كبيرة في الشرق الأوسط. والاتحاد الأوروبي الذي يعاني من التباطؤ الاقتصادي و«بريكست» يضغط للتوقف عن دفع الملالي إلى الهاوية. ورغم ذلك، يفتقر الاتحاد الأوروبي إلى الشجاعة لإلقاء طوق النجاة للعصابة الخمينية الغارقة في طهران.
ومع ذلك، فإن إدارة ترمب، أو بالأحرى ترمب نفسه، لا يحتاج إلى فعل أي شيء أبعد من ذلك عندما تبدأ العقوبات الإضافية في ترك تأثيرها الحقيقي على النظام الخميني.
القضية الرابعة هي ما يسمى الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة. بالنسبة لهذه القضية أيضاً لا يوجد ما تستطيع «مجموعة السبع» فعله للتأثير على مجريات الأحداث، ناهيك من نتائجها. لقد بدأ الواقع الاقتصادي في تحديد معالم استراتيجية ترمب للحرب التعريفية ضد الصين التي تدعم المستهلك الأميركي من خلال انخفاض أسعار سلعها وشراء سندات الخزانة الأميركية على نطاق واسع.
قد تنتهي قمة «بياريتز» بتحديد موعد ومكان انعقاد قمة أخرى العام المقبل. وقد توفر أيضاً فرصة لرئيس الوزراء البريطاني الجديد جونسون للتعرف على ترمب بشكل أفضل مع الضغط على ميركل وماكرون للمساعدة في إخراج المملكة المتحدة من شبكة «بريكست» المتشابكة التي نسجت على مدار السنوات الثلاث الماضية.
حتى إذا طلب ترمب دعوة روسيا والصين للانضمام إلى المجموعة، فمن غير المرجح أن يكتسب الحدث الزخم المرجو. في هذه الأثناء وفي ظل الحرمان من الأخبار المهمة، يمكن للصحافيين الاستمتاع بأفضل المأكولات في العالم في أرقى فنادق المنتجع. فهي لحظات أحسبها ممتعة في موسم سخيف.