أقلام مختارة

إسراء

أحمد الحناكي

أحمد الحناكي

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى … حتى يراق على جوانبه الدمُ

البيت أعلاه للشاعر المعروف أبي الطيب المتنبي، وهو قامة فريدة في الشعر العربي نادراً ما يضاهيها أحد، لكن هذا الشاعر العملاق يفتقر إلى صفات كثيرة لنستطيع تسميته بالحصيف أو المتزن أو الحكيم.

للتوضيح أكثر فالمتنبي كان طموحاً جشعاً ونهماً للسلطة والجاه والمجد، فتسببت هذه التطلعات في مقتله، وهذه الصفات تتزامن عادة مع العنصرية، وقد كان عنصرياً عندما هجا السلطان كافور الإخشيدي بقصيدته التي تقطر تكبّراً بقوله:

لا تشتري العبد إلا والعصا معه.. (ولن أكمل احتراماً لمشاعر القرّاء).

ربما لا يعلم البعض أن بيتاً للمتنبي قد أسهم في قتله عندما قابله فرسان في طريق ضيق مقفلين عليه المرور راغبين في قتله، وعندما أراد الهروب ومعه مرافقه قال له المرافق أتهرب يا سيدي وأنت القائل

الخيل والليل والبيداء تعرفني * والسيف والرمح والقرطاس والقلم

فقال المتنبي قتلتني ورب الكعبة ثم قاتل الفرسان حتى قتل، وهو تصرف ينم عن جهل، فهروبه لن يضيره، خاصة أنه كان وحيداً أمام فرسان.

لكن دعونا نعود للبيت الشعري في العنوان ونشرح معناه، فهو بحسب المعاجم: لا يسلم للشريف شرفه من أذى الحساد والمعادين حتى يقتل حساده وأعداءه، فإذا أراق دماءهم سلم شرفه لأنه يصير مهيباً فلا يتعرض له.

المعنى أن الشرح يوضح كيف أن مفاهيم الشرف تختلف من شعب إلى آخر ومن زمن إلى زمن، فقد كان الفخر بالقتل والغزو والسلب والنهب نوعاً من الشرف الذي يتباهون به، وهو في حقيقته لا يشرّف صاحبه، فلا شرف أعلى من الدفاع عن الوطن، أما أن أقتل أو أسرق أو أنهب وأتباهى بذلك فهو ليس شرفاً.

دعونا نغيّر مفهومنا للشرف الذي نربطه بعصرنا هذا بما تعمله الفتاة سلباً أو إيجاباً، بحيث يراقب الأهل سكناتها وهمساتها ونظراتها وكلماتها وضحكاتها وابتساماتها، والويل لها لو راودت ذكور العائلة شكوك حولها.. إنه الشرف الذي تحدث عنه المتنبي.

الحكاية المأسوية للفتاة الفلسطينية إسراء غريب أدمت قلوبنا جميعاً، وأكدت انتقادات كثيرة تنتقدنا بها كل منظمات حقوق الإنسان وحقوق المرأة في العالم.

لن أتوغل في تفاصيل قتلها بهذه البشاعة بعد أيام من كسر عمودها الفقري بقسوة تتنصل منها وحوش الغابة، لكن ما قيل عن الأسباب لهو أتفه من أن يذكر، فحديث عن العين وعن السحر وخزعبلات وأراجيف ما أنزل الله بها من سلطان.

إزهاق النفس جريمة كبرى لا تغتفر، خاصة إذا كانت التهمة «أوهى» من خيط العنكبوت، ومن يملك عقلاً يفكر وقلباً يحب لا يستطيع أن يتخيل أن يقتل ابنه وفلذة كبده شقيقته، فكيف يهون عليه ذلك؟ كيف يستطيع الأب أو الأم أن ينظرا إلى وجه الابن الذي أزهق دم الأخت بدم بارد؟ أما لماذا فهي خرجت مع خطيبها برفقة أخته!

أين الشرف في هذه الجريمة؟ الشرف يا سادتي هو في النزاهة والصدق والحفاظ على المبادئ وحب للوطن لا يدانيه حب، وغير ذلك محض هراء يطلقه الذكور من المتعصبين الذين يرتكبون موبقات يندى لها الجبين وتمر على أهاليهم مرور الكرام، بل وقد يتباهون بها أحياناً، بينما ترتجف الإناث كل ساعة غضب يحلو لرجل من البيت أن يخترعها ليفرض سيادة حمقاء.

مسكينة هي إسراء التي خطفها الغدر في بداية عمر الزهور، ومسكينة من تأثرت لموتها من قريبات أو صديقات ولا نملك إلا الأسى ثم الأسى، فقد فقدناها ولم تعد للبكاء فائدة.

@abofares1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق