خالد القشطيني
المطربون أنواع: النوع النجومي الذي يستهدف الإمتاع والمؤانسة، ومن هذا النوع عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وفيروز. إنه غناء لتمتيع البرجوازية والطبقة الوسطى. وهناك النوع الآيديولوجي، ويستهدف الفلسفة والتعليق على مصائر الإنسان… عزيز علي والقبانجي في العراق، وعمر الزعني في لبنان، وبول روبسن في أميركا، والشيخ إمام في مصر، من هذا النوع… إنه غناء للمجموع. وهناك طبعاً غناء الأوبرا الذي يشكل نوعاً خاصاً.
ذهبت قبل سنوات إلى «قاعة الملكة إليزابيث» في لندن لسماع مغنٍ من النوع الثاني. المطرب الفلكلوري ذو الأصول الأفريقية إريك بيب. ولما كان أكثر المغنين الآيديولوجيين يفلسفون في أغانيهم، فغالباً ما نجدهم ينظمون نصوصها. هكذا يفعل هذا المغني. فهو إما يغني فلسفات سلفه من التراث الفلكلوري، وإما ينظم فلسفته شعراً ويغنيها بمصاحبة حبيبته الأبدية؛ آلة القيثارة، التي يتقن مغازلتها وملاعبة أوتارها بشكل ساحر. معظم أغاني الجاز الأصيلة تحمل في طياتها هموم المعذبين على الأرض.
هكذا بدأ إريك بيب بالأغنية الفلكلورية «هذا الصباح»… تروي حكاية المرأة السوداء، التي تتوسل إلى زوجها ألا يذهب هذا الصباح إلى بنات الهوى في وسط المدينة. لكنه يذهب؛ وتعود إليها في ذلك الصباح جثته محمولة على عربة «زبل» وبجانبه حذاؤه المهترئ المدمى.
هذا هو الجانب المأساوي من حياة المواطن الزنجي في أميركا. ولكن آلام المغني الشعبي من الحدة والقسوة بما لا يستطيع صاحبها أن يستمر فيها لأكثر من دقائق قليلة، ثم ينعطف إلى الكوميديا ليضحك ويضحك السامعين معه. هكذا فعل إريك بيب تحت إيقاع جميل هادئ من وترين فقط من أوتار قيثارته. ما زالت تهزني كلما استمعت إلى أسطوانته التي احتفظت بها. راح يغنيها منظومة بشعره؛ «كوب وصحن»:
إنها تحب القهوة
وأنا أحب الشاي
لم أحاول أن أغيرها، ولم تحاول أن تغيرني
ودائماً نحن لا نفترق، مثل الكوب وصحنه!
فلسفة اجتماعية كاملة… ما من رجل وامرأة يتطابقان في كل شيء. والحكيم من يدرك ذلك، ويتعايش مع الفروق، مثل الكوب والصحن: مختلفان في كل شيء، لكنهما دائماً معاً لا يفترقان. تراجيديا الحياة وكوميديا الحياة. وهناك العنصر الثالث للأغنية الزنجية… روحية الحياة… الإيمان بالله. يعود إريك بيب ليغني ذلك:
سأمشي مع المسيح في ضيقي وفي آلامي
في حيرتي وضياعي…
يعود في أسطوانته فيغني:
لا تحتاج لبطاقة هوية
لا تحتاج لرقم ضمان اجتماعي
لا يهم من أين أتيت
لا يهم أين تريد أن تذهب
لا يهم أي من ذلك عندما تدخل بيتاً من بيوت الله.
ذهبت قبل سنوات إلى «قاعة الملكة إليزابيث» في لندن لسماع مغنٍ من النوع الثاني. المطرب الفلكلوري ذو الأصول الأفريقية إريك بيب. ولما كان أكثر المغنين الآيديولوجيين يفلسفون في أغانيهم، فغالباً ما نجدهم ينظمون نصوصها. هكذا يفعل هذا المغني. فهو إما يغني فلسفات سلفه من التراث الفلكلوري، وإما ينظم فلسفته شعراً ويغنيها بمصاحبة حبيبته الأبدية؛ آلة القيثارة، التي يتقن مغازلتها وملاعبة أوتارها بشكل ساحر. معظم أغاني الجاز الأصيلة تحمل في طياتها هموم المعذبين على الأرض.
هكذا بدأ إريك بيب بالأغنية الفلكلورية «هذا الصباح»… تروي حكاية المرأة السوداء، التي تتوسل إلى زوجها ألا يذهب هذا الصباح إلى بنات الهوى في وسط المدينة. لكنه يذهب؛ وتعود إليها في ذلك الصباح جثته محمولة على عربة «زبل» وبجانبه حذاؤه المهترئ المدمى.
هذا هو الجانب المأساوي من حياة المواطن الزنجي في أميركا. ولكن آلام المغني الشعبي من الحدة والقسوة بما لا يستطيع صاحبها أن يستمر فيها لأكثر من دقائق قليلة، ثم ينعطف إلى الكوميديا ليضحك ويضحك السامعين معه. هكذا فعل إريك بيب تحت إيقاع جميل هادئ من وترين فقط من أوتار قيثارته. ما زالت تهزني كلما استمعت إلى أسطوانته التي احتفظت بها. راح يغنيها منظومة بشعره؛ «كوب وصحن»:
إنها تحب القهوة
وأنا أحب الشاي
لم أحاول أن أغيرها، ولم تحاول أن تغيرني
ودائماً نحن لا نفترق، مثل الكوب وصحنه!
فلسفة اجتماعية كاملة… ما من رجل وامرأة يتطابقان في كل شيء. والحكيم من يدرك ذلك، ويتعايش مع الفروق، مثل الكوب والصحن: مختلفان في كل شيء، لكنهما دائماً معاً لا يفترقان. تراجيديا الحياة وكوميديا الحياة. وهناك العنصر الثالث للأغنية الزنجية… روحية الحياة… الإيمان بالله. يعود إريك بيب ليغني ذلك:
سأمشي مع المسيح في ضيقي وفي آلامي
في حيرتي وضياعي…
يعود في أسطوانته فيغني:
لا تحتاج لبطاقة هوية
لا تحتاج لرقم ضمان اجتماعي
لا يهم من أين أتيت
لا يهم أين تريد أن تذهب
لا يهم أي من ذلك عندما تدخل بيتاً من بيوت الله.