*د. السيد محمد علي الحسيني
کانت ولازالت وستبقى البشرية بأمس الحاجة إلى استتباب السلام والأمن والاستقرار في كافة أنحاء العالم، إذ أن استتباب السلام وثباته الشرط الأساسي الأهم لبناء واستمرار وتطور الحضارة الإنسانية وقد أثبتت المراحل التاريخيـة المختلفة أن أكثر الفترات التي ازدهرت فيها الحضارة وکان هناك تقدم وتطور في مناحي الحياة المتباينة هي تلك الفترات التي استتب فيها السلام لفترات طويلة نسبيا، کما أنه وفي نفس الوقت فإن أعدى أعداء الحضارة والتطور والتقدم الإنساني هو انعدام السلام أي اندلاع الحروب والمواجهات التي تهدم وتدمر وخلال فترات قصيرة جدا ما قد تعب وشقى الإنسان أعواما طويلة في بنائه والمحافظة عليه، لذلك ليس من الغريب أن تکون البشرية بطبعها رافضة للحروب والمواجهات والخراب والدمار وتميل بشدة للسلام والاعمار والبناء.
اليوم الدولي للسلام مناسبة ترسخ أهمية السلام للحفاظ على الأمن والاستقرار في المجتمعات الإنسانية
إن اليوم الدولي للسلام في 21 أيلول/سبتمبر، يمکن اعتباره أهم مناسبة للبشرية جمعاء ويجب إيلاؤها اهتماما استثنائيا من أجل ترسيخه في مختلف أنحاء العالم وعدم الاحتفال بهکذا مناسبة بصورة تقليدية کما هو شأن الکثير من المناسبات الأخرى، ومن المهم جدا التأکيد على أن الأصل والقاعدة الأساسية عند الإنسانية هو السلام وأن الحرب أمر طارئ واستثنائي تم إقحامه رغما عن الإنسانية، ولو تتبعنا تاريخ الحروب وماحققته للبشرية وللحضارة الإنسانية، فإننا نجده وفي خطه العام کان ضررا ودمارا على مختلف المستويات طال کل جوانب الحياة وبسبب هذه الحروب فقد تم تشويه التاريخ وتلاشي واختفاء الکثير من الحقائق، کما تم إحراق وتدمير الکثير من المنجزات والمكاسب الإنسانية وكذلك الكتب والسجلات التي کانت ستجعلنا على اطلاع وبصورة أدق وأفضل على فترات مهمة من التاريخ.
للأديان کلمتها وموقفها في اليوم العالمي للسلام.. السلام أصل الحياة
إن الحروب وفي معظم الحالات تندلع بسبب حالات الغضب والتوتر والانفعال لدى القادة والزعماء، فتدفع الشعوب خاصة والإنسانية عامة ثمنها الباهض، کانت عبر التاريخ أکبر کابوس للشعوب في سائر أرجاء الدنيا، وقد کانت الأديان وفي کل أنحاء العالم تمنح الطمأنينة والأمل والتفاٶل للإنسان وتدعوه لکي يعيش مع الآخرين في أمن وسلام وإن الذي يجب ملاحظته هنا ومع أنه کانت هناك حروب لأسباب دينية(وکانت بسبب استخدام الدين لأمور وأغراض لاعلاقة له بها)، لکن الذي يجب أن نشير إليه هنا ونٶکد عليه أن أصل الدعوة للسلام والوئام والمحبة قد انطلق من الأديان، وهو الذي شکل البعد والجانب الروحي للإنسان وإن الأديان قد حثت المجتمعات على الدوام کي تعيش بتسامح وسلام وتتعايش سلميا بعيدا عن الکراهية والأحقاد، وإننا وفي عصرنا الراهن الذي يشهد توترا في العديد من المجالات بسبب الفهم القاصر والمصالح الضيقة والتعصب الديني أو الطائفي أو العرقي، ولأن هناك من يريد استغلال الدين لأهداف وأغراض ضيقة أبعد ما تکون عن أهدافها وغاياتها النبيلة والمثالية، فمن الضروري جدا وفي اليوم العالمي للسلام أن تکون للأديان کلمتها وموقفها، وتعلن بأن السلام أصل الحياة وإرادة الله تعالى ومشيئته للإنسانية فهو لم يخلق الإنسان للحروب والدمار وإنما خلقه کي يحيا حياة حرة کريمة وإنه تعالى عندما يقول في کتابه الکريم:”من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فکأنما أحيا الناس جميعا”، فالقتل والدمار والفساد في الأرض وکما نرى في سياق الآية الكريمة من أکبر الشرور، لاسيما إذا ما کان من دون وجه حق وللأسف البالغ فإن غالبية الحروب والمواجهات من دون وجه حق ومن دون مبرر ومسوغ شرعي، ولکن وفي نفس الوقت فإن السلام والذي يکون بإحياء الإنسان أي تجنيبه أسباب الشر والعدوان کما جاء أيضا في الآية الكريمة، فإن إحياءه سيکون کفيلا بإحياء الأرض وعمارتها واستمرار الحياة في أمن وسلام.
السلام والوئام والتعايش السلمي والتعاون بين الأمم يسهم في بناء حضارة إنسانية متطورة وراقية
السلام هو الأصل لدى الأديان کلها والأديان تشکل أهم معلم من معالم التراث والفکر والتاريخ الإنساني، إذ أن الأديان رافقت الإنسان منذ نشأته على الأرض، لذلك فمن المٶکد بأن الأصل في التاريخ الإنساني هو السلام والوئام والتعايش السلمي والتعاون بين الشعوب والأمم على اختلاف أديانها ومذاهبها وأعراقها من أجل بناء الحضارة والإسهام في التقدم والتطور، وإنه من المهم جدا أن يکون هناك مسعى عملي من أجل جعل اليوم العالمي للسلام يوما مشهودا، حيث يتم لفت أنظار الشعوب والأمم لهذه المناسبة والدعوة والحث کي يکون لها الدور والقسط الأکبر في الحيلولة دون وقوع ونشوب الحروب والمواجهات، لأنها هي من ستدفع الثمن وإن ذلك ماسيساهم في تاريخ عجلة التقدم والتطور الحضاري، وإن بإمکان الرأي العام العالمي أن يکون له دور کبير بهذا الصدد، خصوصا بعد أن تٶسس الأديان لأرضية صالحة وخصبة وملائمة لذلك بإعلانها الإيمان بالتعايش السلمي بين الأديان والشعوب ورفض الحروب والمواجهات.
*الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان.