سمير عمر
بين مجتمعات فقدت الثقة فيهم، وحكومات تراهم مذنبين إلى أن يثبت العكس، ومحتالين يشوهون صورتهم، يجد الصحفيون المهنيون أنفسهم الآن محشورين فى زاوية الدفاع المستمر عن أنفسهم، والذود الدائم عن مهنتهم بقيمها وأخلاقياتها.
إن ما يشهده العالم الآن من صراعات على جميع المستويات يضع الصحافة والإعلام فى عين العاصفة، ويحول صفحات الجرائد وشاشات التليفزيونات والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعى إلى ساحات حرب وميادين رماية، والخاسر دائماً هو الجمهور الذى لم يعُد قادراً على التمييز بين الحقيقى والمزيَّف فيما تتناقله تلك المنصات.
فى الأسبوعين الأخيرين عاشت مصر أياماً صعبة، جراء سلسلة من الأكاذيب التى روَّجتها وسائل إعلام تابعة لجماعة الإخوان ومَن يقف وراءها أو يسير فى ركابها.
كانت طلقة البداية فى تلك الحرب ما بثه هذا الفنان المغمور الذى لا يحتاج المرء لعظيم جهد لاكتشاف الجهات التى تقف وراءه، وفى الساعة الأولى بعد إطلالته التى حملت قدراً هائلاً من البذاءة والسوقية كانت منصات الإخوان وذيولها قد جعلت ما بثه فى صدارة الأكثر مشاهدة، ثم كان التبنى الكامل لما يروجه من مزاعم، ليتحول بفعل الماكينة الإعلامية التى تدار من قطر وتركيا إلى الأكثر شهرة على المواقع الناطقة بالعربية، لكن الحرب على هذا النحو تحتاج لتطوير الهجوم، فكانت حرب الهاشتاج الذى كسر حاجز المليون، فكيف حصد هذا الهاشتاج كل هذا التأييد فى هذا الوقت القياسى؟ الإجابة جاءت فى اليوم التالى، حين كشفت مراكز المتابعة وكشف الحسابات المزيفة أن هذا التأييد جاء من حسابات مزيفة ومسجلة فى عدة دول، منها إسبانيا وتركيا وقطر، وهو ما دفع موقع تويتر لرفع الهاشتاج وإغلاق الحسابات المزيفة.
نحو مليون حساب مزيف تدار عبر لجان إلكترونية تحركها -دون شك- أجهزة مخابرات (يُقدِّر خبراء الأخبار المزيفة تكلفة إدارة هذه الحسابات بنحو نصف مليون دولار)، ولم تتوقف ماكينة الكذب عند هذه الحدود، فالمعركة تحتاج لصب مزيد من زيت الزيف على مواطن الاحتقان، فجاء دور الفيديوهات المزيفة، بداية من استخدام إعلان إحدى شركات صناعة الطائرات الأمريكية، لتصبح المادة الإعلانية هى طائرة الرئيس المصرى، وتستمر حلقات الكذب والتزييف لاختلاق حشود مناهضة تجوب شوارع مصر المحروسة، وفى هذا لا مانع من استخدام جماهير كرة القدم أو معجبى فنان مشهور، أو تجمع تلقائى فى حى شعبى مزدحم، ومع قليل من مهارات المونتاج والمكساج يتم تركيب أصوات الهتافات المناهضة والبذيئة.
سيل من الفيديوهات والمعلومات المزيفة، وملايين الدولارات تنفق لتشويه صورة مصر وجيشها، ثم وبكل وقاحة المجرمين يرفعون شعارات المهنية والالتزام بقواعد وأخلاقيات الصحافة والإعلام، ألا قاتلهم الله وفضح أكاذيبهم.
إن الرد على البذاءة يكون بالاحترام، وكشف المؤامرات يكون بالأدلة الدامغة، وتعرية الخصوم يكون بالمعلومات الصحيحة والصحافة الاستقصائية الدؤوبة.
إن معركتنا ضد الإرهاب بمختلف صوره معركة حق، وقضيتنا فى مواجهة مَن يمولون الإرهاب ويوفرون له منصات الدعم والمساندة قضية عادلة، ولكى نحقق النصر فى تلك المعركة، ونكسب الدعم والتأييد فى هذه القضية، نحتاج إلى العمل الدؤوب لكشف أكاذيب وألاعيب الطرف الآخر، نحتاج لفهم أساليب التزييف لكشفها، وليس استخدامها، نحتاج للرد بكل صلابة بما نمتلكه من نقاط قوة، وهى كثيرة، والكشف دون خجل عن نقاط الضعف، وهى قليلة.
وهنا وبكل صدق نحتاج لأن نكون مهنيين، نعرف حدود الأمن القومى الحقيقية، ونكرس كل جهودنا للدفاع عن وطننا وشعبنا وجيشنا.. حمى الله مصر وشعبها وجيشها.