*منى شلبي
ما الذي يفعله طفل في عمر الخامسة من عمره بالهاتف الذكي (smart phone) فيه الكثير من المحتويات والمواضيع التي لا يجب أن يطلع عليها لما تشكله من تأثير سلبي على سنه؟ لكن أمه حتى تسكته تعطيه جهازها وهي لا تبالي بما سيحل من كارثة على ابنها بسبب إهمالها وعدم مبالاتها التي ستجعل من ابنها ضحية الاستخدام الخاطئ للإنترنت ومواقع إلكترونية وتواصل اجتماعي وألعاب خبيثة قد توصله إلى حد الهلاك أو تسيطر على أفكاره بشكل مطلق، لاشيء يسوغ للآباء والأمهات على حد سواء تدمير أبنائهم من الناحية العقلية والجسمية بإعطائهم الأجهزة الإلكترونية لاستخدامها للعب من خلال تنزيل تطبيقات إلكترونية، رأينا خلال السنوات الأخيرة كيف أودت بحياة أطفال تأثروا بألعاب قاتلة أودت بحياتهم نتيجة غفلة وإهمال من ذويهم.
دراسات وأبحاث تحذر من تأثير التكنولوجيا الرقمية وتطبيقات إلكترونية على صحة الأطفال الجسدية والعقلية والعاطفية
قبل أن أتحدث عن مجموعة من الأبحاث التي تؤكد خطورة استخدام الأطفال للأجهزة الذكية بما تحتويه من تطبيقات ومواقع تواصل اجتماعي، لفتني ظاهرة الانعزال التي يعيشها كثير من الأطفال وابتعادهم عن مجتمعهم الطفولي وضعف التواصل مع غيرهم، كان على رأس الأسباب وأهمها الانشغال بذلك الجهاز الكابوس الذي غير نمط حياة الأطفال وحرمهم من طفولتهم وأدخلهم في عالم ضيق ومظلم.
تشير أبحاث كثيرة قامت بها مؤسسات اجتماعية ومراكز خاصة لدراسة تأثير العالم الرقمي على حياة الأطفال أن هذه الحالة تؤثر على نفسية الطفل الذي يشعر بالكئابة والمزاج السيء طول الوقت، إضافة إلى تحوله إلى طفل عصبي، خاصة في حال مشاهدته لمظاهر العنف المنتشرة في مواقع التواصل.
كما أننا لاحظنا أيضا أن الطفل عندما يتعود على الجهاز الإلكتروني سيدخل في مرحلة الإدمان التي تجعل من الصعب حرمانه من هذا الجهاز الذي أصبح كحبوب مخدرة إذا أوقفتها عنه يبدأ في الصراخ والبكاء بطريقة هستيرية؛ وهنا نشير إلى بحث قام به باحثان من جامعة نوتنغهام ترينت بالمملكة المتحدة عام 2011 حيث خلص البحث إلى أن إدمان مواقع التواصل الاجتماعي يعد مشكلة صحية عقلية “قد” تتطلب علاجا.
مسؤولية العائلة في تربية الأولاد تربية صحية بعيدا عن فضاء الانترنت
من قال إن الطفل لابد أن يدخل العالم الافتراضي ليتأقلم مع هذه المرحلة هو كلام جانبه الصواب، لأن الطفل بحاجة إلى تنمية عقلية وجسمية سليمة من خلال الكثير من النشاطات الذهنية والرياضية، إضافة إلى صقل مواهبه، بدلا من تضييع وإضاعة وقته وتدمير طفولته داخل جهاز مفتوح على عالم لا يمكن التحكم في ضوابطه وسلوكه، فعلينا جميعا أن نخمن كيف يمكن لطفل أن يتربى على مشاهدة صور وفيديوهات تدعو إلى العنف والقتل وغيرها، علينا أن نتصور كيف سيكون تفكير هذا الطفل الذي تربى خارج عالمه الطفولي.
قال لي أحد الخبراء في علم الطفولة أنه تم إجراء دراسات ومقارنات بين أطفال يتم تربيتهم بعيدا عن الأجهزة الإلكترونية وبين أطفال يتم تمكينهم منها؛ فتم ملاحظة الطاقة الكبيرة على المستوى الجسدي والعقلي والنفسي للأطفال الذين يمارسون نشاطات متنوعة بعيدا عن الأجهزة الكترونية، بينما كان النوع الثاني من الأطفال منعزلين، يعيشون حالة من الكآبة وانعكس ذلك على صحتهم الجسدية والعقلية.
هنا نأتي إلى المربين الذين عليهم أمانة كبيرة لابد أن يحفظوها جيدا لأنها مستقبل مجتمع بأكمله، فتربية الأطفال لم تكن مهمة سهلة في أي عصر من العصور، بل كانت شاقة ومتعبة تبدأ من الولادة إلى أن يكبر الطفل ويصبح راشدا واعيا، ولا داعي للتحجج بالكثير من المبررات لعدم القدرة على تربية الأطفال بشكل جيد بسبب ظروف المعيشة وقضاء ساعات طويلة في العمل، كل هذا لا يعني حرمان الأطفال من طفولتهم وزجهم في عالم بلا ضوابط.
إقصاء التكنولوجيا الرقمية من حياة أطفالنا.. هل هذا هو الحل؟
لا شك أن الطفولة تمر بمراحل عدة وكل مرحلة تختلف عن الأخرى، فالطفل يمر بتطور ونضج سريع من مرحلة عمرية إلى أخرى، وعندما تحدثنا عن التأثير السلبي للأجهزة الذكية على تربية الطفل، هنا نتحدث عن أولئك المربين الذين يمنحون أطفالهم تلك الأجهزة منذ الشهر الأول من الولادة، من أجل إلهائهم وإسكاتهم، هذا خطأ كبير يرتكبه الآباء والأمهات ، ورغم تحذيرات المراكز الخاصة من هذه الظاهرة التي تتسبب في أمراض خطيرة على الطفل لعدم قدرة جسمه على مقاومة ذبذبات الجهاز، إلا أن البعض مازال يواصل هذا السلوك الخاطئ، لا بد عليهم أن يفهموا ويعوا أن مرحلة 7 سنوات الأولى من حياة الطفل يجب أن تكون بعيدة عن أي تأثير للأجهزة الذكية، لكن مع بلوغ الطفل سن 8 سنوات تقريبا يدعو الخبراء إلى تعريف الطفل بهذه الأجهزة الإلكترونية وكيفية استخدامها وبعد هذه المرحلة تبدأ مرحلة السماح للطفل باستخدام الأجهزة الإلكترونية ولكن في وقت محدد وتحت رقابة المربي دون إشعاره بذلك، لأن الرقابة الواضحة تشعر الطفل بعدم الثقة والخوف، لذلك من المهم جدا كسب ثقة الطفل عند استخدامه لهذه الأجهزة و تعويده على أن هناك وقتا محددا لها، ولا شك أن هذه المهمة لا تقتصر على الآباء والأمهات فحسب، لذلك استخدمت كلمة المربين في مقالي هذا، لأن المسؤولية تتعدى الأب والأم إلى المعلمين والمدرسين والموجهين، وكل من له علاقة بتربية الطفل، فكل منهم يتحمل قسما من المسؤولية، فنحن نتحدث عن تربية جيل سيكون مجتمعا راقيا أو مختلا، لذا لا بد من معرفة طرق ومناهج تربوية مناسبة لكيفية دمج الأطفال في المرحلة الجديدة، لأن هذا الواقع لابد منه ولكن دون إحراق المراحل.
*اعلامية جزائرية [email protected]