غير مصنف
معارك عنيفة بين القوات الكردية والتركية في شمال شرق سوريا
ـ رأس العين ـ تخوض قوات سوريا الديموقراطية الجمعة اشتباكات عنيفة ضد القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها في شمال شرق سوريا، في محاولة لصدّ هجوم بدأته أنقرة قبل يومين وأجبر عشرات آلاف المدنيين على النزوح.
وكلّف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دبلوماسيّين أمريكيّين ليلاً التوسّط في “وقف لإطلاق النار” بين أنقرة والأكراد بعدما باشر سحب قوات أميركية الإثنين من نقاط حدودية في شمال سوريا بمثابة ضوء أخضر لتركيا لبدء هجومها.
وانضمت روسيا الجمعة إلى قائمة الدول الغربية التي حذرت من أن يساهم الهجوم التركي في إعادة احياء تنظيم داعش الذي لا يزال ينشط عبر خلايا نائمة رغم هزيمته الميدانية على يد قوات سوريا الديموقراطية.
وقال مصدر في قوات سوريا الديموقراطية من داخل بلدة رأس العين الحدودية لفرانس برس عبر الهاتف “تحاول القوات التركية الهجوم من محاور عدّة لكسر خطوط دفاعنا لكن قواتنا تتصدى لها”.
وشاهد مراسل لفرانس برس مجموعات من فصائل سورية موالية لأنقرة تدخل صباح الجمعة إلى أطراف رأس العين من الجهة التركية. وقال إن سحباً من الدخان تصاعدت من البلدة بينما يمكن سماع أصوات رشقات وقصف مدفعي تزامناً مع تحليق الطيران.
وأفاد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن عن اشتباكات عنيفة بين الطرفين “تتركز على جبهات عدّة في الشريط الحدودي الممتد من رأس العين (الحسكة) حتى تل أبيض (الرقة)”، تزامناً مع قصف مدفعي كثيف وغارات تركية متفرقة.
وأحصى المرصد مقتل سبعة مدنيين بالنيران التركية الجمعة لترتفع بذلك حصيلة القتلى المدنيين منذ بدء الهجوم إلى 17 مدنياً، بينما قتل 41 من قوات سوريا الديموقراطية في حصيلة جديدة.
وأعلنت أنقرة الجمعة مقتل أول جندي تركي وإصابة ثلاثة آخرين خلال المواجهات، غداة مقتل سبعة مدنيين بينهم رضيع سوري، وإصابة نحو 70 بجروح في قذائف سقطت على بلدات حدودية في محافظتي شانلي أورفا ومردين، اتهمت السلطات مقاتلين أكراد بإطلاقها.
وقالت وزارة الدفاع التركية إن العملية العسكرية “تجري كما هو مخطط لها”.
وغداة سيطرة الجيش التركي والفصائل على 11 قرية حدودية، تمكنت قوات سوريا الديموقراطية، وفق المرصد، من استعادة السيطرة على قريتين ليلاً.
وتستخدم هذه القوات، وفق عبد الرحمن، “أنفاقاً وتحصينات بنتها قرب الحدود لشن هجمات مضادة وإعاقة تقدم” خصومها.
“بلا مأكل ومأوى”
والمنطقة الممتدة من رأس العين حتى تل أبيض على طول أكثر من مئة كيلومتر ذات غالبية عربية بخلاف المناطق الحدودية الأخرى ذات الغالبية الكردية.
وبحسب عبد الرحمن، فإن عشرات من السكان العرب في المنطقة بدأوا القتال مع القوات التركية فور شن هجومها.
ونقل مركز اعلامي مرتبط بالإدارة الذاتية الكردية عن مصدر كردي أن بعض القبائل العربية اصطفت إلى جانب القوات التركية وتحرّك خلايا نائمة لمهاجمة قوات سوريا الديموقراطية.
وجراء التصعيد، باتت بلدات حدودية بأكملها شبه خالية من سكانها. وشاهد مراسل لفرانس برس الجمعة عشرات النازحين لدى وصولهم إلى بلدة تل تمر التي تكتظ تدريجياً بالفارين إليها.
وقال رياض أحمد (56 عاماً) لفرانس برس “نحن هنا بلا مأكل أو مشرب ولا فرش لدينا ننام عليها، خرجنا تحت وابل من القصف”.
ولجأ الرجل مع عائلته إلى طابق سفلي من مبنى قيد الإنشاء، خلا إلا من سجادات وشراشف قدمها الجيران لهم. وسأل بحسرة “هل سنبقى هكذا في الشوارع مع اقتراب الشتاء؟”.
وأعربت منظمة أطباء بلا حدود عن قلقها على مصير المدنيين، محذرة من أن التصعيد “سيفاقم من الصدمات التي تكبّدها السوريون خلال أعوام من الحرب والعيش في ظروف محفوفة بالمخاطر”.
وأغلق مستشفى في تل أبيض، كانت تدعمه المنظمة، أبوابه بسبب مغادرة معظم أفراد الطاقم الطبي مع عائلاتهم.
وأعلنت الإدارة الذاتية أنها ستخلي الجمعة مخيم المبروكة للنازحين، الواقع على بعد 12 كيلومتراً من الحدود وتبحث عن موقع بديل لمخيم عين عيسى، لحماية 20 ألف نازح في الموقعين من القصف التركي.
– وساطة أمريكية –
وأطلقت تركيا على هجومها تسمية “نبع السلام”، وتقول إن هدفها إقامة منطقة عازلة بعمق ثلاثين كيلومتراً، لإعادة قسم كبير من 3,6 ملايين سوري لجأوا إلى أراضيها.
وأثار الهجوم تنديداً دولياً واسعاً وخشية من انتعاش تنظيم داعش مع انصراف المقاتلين الأكراد الى قتال القوات التركية.
وحذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجمعة من أن الآلاف من مقاتلي التنظيم المتطرف المحتجزين لدى الأكراد قد يستعيدون حريتهم مضيفاً “إنه تهديد حقيقي (…) لست واثقاً أن بإمكان الجيش التركي السيطرة على الوضع أو السيطرة عليه بسرعة”.
وتعرّض ترامب لانتقادات واسعة اتهمته بالتخلي عن الأكراد. وبعد سلسلة مواقف متناقضة من الإدارة الأمريكية، كلّف ترامب وزارة الخارجيّة البحث عمّا إذا كان ممكناً التوصّل إلى وقف لإطلاق النار”.
ويناقش مجلس الأمن الدولي، بمبادرة من واشنطن، بياناً يدعو تركيا إلى العودة للدبلوماسيّة، وفق ما قالت مصادر الخميس.
وحذر الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الدول الأوروبية من إرسال اللاجئين السوريين إليها إذا واصلت انتقاد الهجوم، في تصريحات اعتبرها رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك الجمعة “ابتزازاً”.
وطالب وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الخميس التحالف الدولي بعقد اجتماع عاجل كون “المعركة ضد داعش يمكن أن تُستأنف”، لأن الأخير “لا ينتظر سوى هذه الفرصة للخروج”.
وأعرب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ الجمعة في اسطنبول عن مخاوفه “الجدّية بشأن هذه العملية الجارية وخطر (تسببها) بزعزعة الاستقرار بشكل إضافي في المنطقة”.
وهذا ثالث هجوم تشنّه تركيا مع فصائل سورية موالية لها في شمال سوريا، بعد هجوم أوّل عام 2016 سيطرت فيه على مدن حدودية عدّة، وثان عام 2018 سيطرت خلاله على منطقة عفرين الكردية.