أحمد المسلماني
التقطتْ النخبة السياسية ما ذهبت إليه الدكتورة رايس من أنه يجب أن يقتصر الاهتمام الأمريكي رفيع المستوى على كل من روسيا والصين، وترك بقية العالم للتعامل معه على مستوى السفارات، وأصبحت تفاصيل رؤية أستاذة الجامعة هي ما دفعها إلى أن تكون واحدةً من أشهر الساسة في تاريخ الولايات المتحدة، أصبحت مستشارة للأمن القومي ووزيرة للخارجية، قبل أن تعود أستاذة للعلوم السياسية في جامعة ستانفورد.. من جديد.
إن المقال الشهير لعالم السياسة جورج كينان بعنوان «X»، والذي نشره في مجلة «فورين أفيرز» كان أساس السياسة الأمريكية لاحتواء الاتحاد السوفيتي، وكانت مقالات أخرى عديدة هي ما صاغت الرؤية الأمريكية للعالم.
مجلة «فورين بوليسي» أسسها عالم السياسة الشهير صمويل هنتنغتون عام 1970، وهو من أطلق فيما بعد نظرية «صِدام الحضارات».
تصدر مجلة «فورين أفيرز» كل شهرين عن مجلس العلاقات الخارجية، وقد تأسست قبل أكثر من 90 عامًا، كما تصدر مجلة «فورين بوليسي» عن شركة واشنطن بوست، وقد شارفت على 50 عامًا، أما دورية «ناشينوال انترست» نصف الشهرية، فهي الأحدث في المجلات الثلاث الأكثر نفوذًا.. حيث انطلقت عام 1985 عن مركز نيكسون – الذي أسسه الرئيس ريتشارد نيكسون – ثم إنها استحوذت على المركز لاحقًا وأصبح الاسم الجديد «مركز ناشيونال انترست».
إن مجلات النخبة الأمريكية تصنع العقل الحاكم في الولايات المتحدة، إنّها لا تتجّه إلى القرّاء العاديين، بل تتجّه إلى القراء الحاكمين، أولئك الذين يشاركون في صنع القرار السياسي والاقتصادي في الولايات المتحدة.
لا توزع مجلة «ناشيونال انترست» أعدادًا كبيرة، وفي سنوات عديدة كان توزيعها أقل من (20) ألف نسخة، ولكنها كانت تمضي خلف نفس الرؤية: المهم من هم القرّاء، في حين مجلة «فورين أفيرز» توزع قرابة (30) ألف نسخة، لكن من بينهم أكثر من (10) آلاف مليونير.
لا يعني القول بأن هذه المجلات هي مجلات النخبة، أنها تراعي الموضوعية والصدق إلى أقصى الحدود، ذلك أن عددًا كبيرًا من المقالات المنشورة بها يفتقد الدقة والحياد، ويستند إلى معايير سياسية وحسابات مصالحي وهي مقالات تتجاوز علم السياسة إلى المصلحة السياسية، والتأثير في صناعة القرار بما يخدم المقال ومن وراء المقال.
لكن هذا الأمر لا يمنع من وجود عدد أكبر من المقالات والرؤى الثاقبة، والتصورات الأكثر دقّة لحركة العالم، فلا يمكن فهم الولايات المتحدة من دون فهم النخبة، ولا يمكن فهم النخبة من دون المعرفة الدائمة بمصانع إنتاج النخبة في الجامعات ومراكز الدراسات وفي دوريات ومجلات النخبة.