تحقيقات

أكراد العراق في رحلة البحث عن “نبيّهم” زرادشت للعودة إلى الجذور

ـ دربندخان ـ داخل معبد أثري متهالك جزئياً، تؤدي فايزة فؤاد اليمين أمام كهنة على غرار أكراد عراقيين كثيرين توجهوا إلى اعتناق الديانة الزرادشتية بعد الاضطهاد الذي تعرضوا له من قبل تنظيم داعش، وبحثاً عن جذورهم الأصلية.

كانت هذه الديانة التوحيدية التي نشأت في إيران قبل نحو 3500 عام، إحدى أهم الديانات في العالم لما يقارب ألف عام، وامتدت إلى الهند حيث لا تزال موجودة حتى اليوم.

حتى أنها كانت الديانة الرسمية لبلاد فارس القديمة حتى اغتيال آخر ملك زرادشتي في العام 650.

لكن أسراوان قادروك، أعلى شخصية دينية زرادشتية في إقليم كردستان العراق، يشدد على أنه “إذا وصلت الزرادشتية إلى كل الإنسانية، فزرادشت هو نبي الأكراد الذي سرقه الفرس”.

وبالنسبة لأكراد عراقيين كثيرين، فإن التخلي عن الإسلام السني، ديانة غالبية سكان منطقة الحكم الذاتي، هو عودة إلى الجذور وطريقة لتأكيد الاختلاف عن العراق، في محافظة صوتت للانفصال في استفتاء مثير للجدل نهاية العام 2017، وباء بالفشل.

 “ممارسة الديانة بالسر” 

اعتنقت فايزة فؤاد (40 عاما) الزرادشتية مؤخراً في معبد دربندخان في شمال شرق العراق على الحدود مع إيران.

بعد سنوات من القراءة، تقول لوكالة فرانس برس إنها أغريت بفلسفة “تجعل الحياة أسهل”.

وتؤكد أن “الأمر يتعلق بالحكمة والفلسفة لخدمة الإنسانية والطبيعة”، وذلك لدى خروجها من احتفال حيث ربط لها الكهنة قطعة بيضاء بثلاث عقد حول خصرها، كعلامة على النقاء، مع قراءة مقاطع من “الأبستاق”، الكتاب المقدس لدى أتباع الديانة الزرادشتية.

وتمثل العقد الثلاث تلك “الكلمة الطيبة والفكر النيّر والفعل الحسن”، وهي المبادئ الثلاثة الأساسية للزرادشتية التي تعظ باحترام العناصر وكل ما هو حي.

تقول فايزة فؤاد محاطة بأصدقاء وأقارب يناظرون القلادة التي ترتديها “أنا سعيدة وأشعر بالانتعاش”.

والقلادة هي “فارافاهار”، رمز زرادشت على شكل طائر مجنح.

تحت حكم صدام حسين الذي أطيح في العام 2003 بعد الغزو الاميركي للبلاد، كان ممنوعا ارتداء رموز دينية مماثلة خارج المنزل، بحسب ما تتذكر أوات طيب، ممثلة الزرادشتيين في وزارة الأوقاف الدينية لدى حكومة إقليم كردستان.

وتتذكر طيب، وهي المرأة الوحيدة التي تتولى منصباً مماثلاً، كيف كان والدها “يمارس الزرادشتية في السر، كيف لا يعرف أحد لا من الدولة ولا من الجيران، ولا حتى الأقارب”.

 “وحشية الإرهابيين”

لم يعترف إقليم كردستان الذي نال حكمه الذاتي في العام 1991، بالزرادشتية كديانة إلا في العام 2015، حين سمح تصويت في البرلمان بإضافته غلى لائحة الطوائف المعترف بها رسمياً ومحمية من قبل السلطات المحلية.

ومذ ذاك الحين، أعيد افتتاح ثلاثة معابد، بلا دعم مادي رسمي، ويشير قادروك إلى أنه يرأس جلسات اعتناق أسبوعياً.

ولكن رغم ذلك، تشير طيب إلى تحديات أخرى لا تزال قائمة، إذ أن “الدولة لم تبن أي معبد، ولا نملك حتى الآن مقبرة زرادشتية. بعض المؤمنين دفنوا في منازلهم”.

لكن رغم ذلك، يؤكد قادروك أن أعداد الزرادشتيين، الذي لا يوجد لهم إحصاء رسمي حتى الآن، سيستمر بالتزايد، في منطقة شهدت اجتياحا من تنظيم داعش في العام 2014، الذي ارتكب “إبادة” محتملة بحق الأقلية الأيزيدية.

ويشير قادروك إلى أنه “بعدما شهد الأكراد وحشية داعش، بدأ كثيرون بإعادة التفكير بمعتقدهم. كثيرون يفكرون بأن قيم داعش معاكسة لقيم الأكراد، ولهذا تخلى البعض عن معتقده” الإسلامي.

 “حماية أنفسنا” 

ولكن مع ذلك، يقول إنه حتى لو كان الأكراد مسلمون أو زرادشتيون، فهم يلتقون عند نقطة يعتبرونها الأهم، وهي حماية ووحدة شعبهم، هنا وعبر الحدود.

فيوم الجمعة على سبيل المثال، يوم صلاة الجماعة لدى المسلمين، شارك قادروك بالصلاة التي أمها الشيخ ملا سامان لتوجيه إدانة مشتركة للهجوم الذي بدأته أنقرة مؤخراً ضد أكراد سوريا.

ومع وصول وفد الكهنة الزرادشتيين، قال سامان إن “الزرادشتيون إخوتنا، وليسوا أعداءنا. أعداؤنا هم الذين يقتلوننا، كالرئيس التركي رجب طيب أردوغان”.

ذلك أن الأكراد هم شعب بلا دولة، ويقولون إنهم يعيشون في تهديد دائم حيثما كانوا، في تركيا، في العراق، في سوريا، أو في إيران.

ويرى آزاد سيد محمد من منظمة “ياسنا” لتطوير الفلسفة الزرادشتية أن معتقده و”نبيّه الكردي” هما الحل.

ويؤكد أن “الأكراد في حاجة إلى ديانتهم الخاصة على غرار الدول في الشرق الأوسط، لحماية أنفسهم من الاعتداءات والغزوات”.

ويضيف “علينا إعادة إحياء ديانتنا الأصلية لإحياء هويتنا وبناء دولتنا”. (أ ف ب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق