تحقيقات
بعد عامين من الهدوء النسبي خيبة أمل جديدة تزرع الخوف بين العراقيين
ـ بغداد ـ تشعر أم زينة بالندم لوقوفها ضد قرار ابنها حسام بالهجرة بعيدا عن العراق خلال فترة تحسن نسبي شهدتها البلاد بعد القضاء على تنظيم داعش، بعد دخوله مجددا في دوامة تظاهرات مطلبية مناهضة للحكومة تثير الخوف من المجهول.
وتقول أم زينة التي نجحت بإلغاء سفر ابنها حسام للهجرة والعيش الى جانب شقيقته في الولايات المتحدة، “منعته من السفر لأننا شعرنا براحة وتغير الحال وبدأت حياتنا تتجه نحو الأحسن ونسينا الخوف والانفجارات”.
وأضافت المرأة الخمسينية لوكالة فرانس برس “فرحنا وقررنا أن يبقى حسام، ابني الوحيد، في بغداد”.
لكن التظاهرات التي شهدتها العاصمة ومدن جنوبية عدة بين الأول والسادس من تشرين الأول/أكتوبر، وأسفرت عن مقتل 157 شخصا معظمهم من المتظاهرين، جعلتها تعيد النظر في قرارها.
وتقول أم زينة تقول “الآن رجع الخوف، تظاهرات وتهديدات وكلام عن تواجد إيراني في العراق وتهديدات أمريكية لإيران”.
واستؤنفت الاحتجاجات الجمعة للمطالبة باستقالة حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ومعالجة البطالة ومحاربة الفساد. وأعلنت المفوضية الحكومية لحقوق الإنسان أن متظاهرين اثنين قتلا بعد إصابتهما بقنابل مسيلة للدموع في الوجه. وتستخدم القوات الأمنية تلك القنابل لتفريق آلاف المحتجين عند مداخل المنطقة الخضراء في وسط بغداد.
تدهور اقتصادي
وعاش العراق خلال العقود الماضية حروبا وأزمات متلاحقة بينها عنف طائفي بلغ ذروته بين عامي 2006 و2008، ثم حربا مدمرة بعد اجتياح تنظيم داعش لأراض واسعة في شمال العراق وغربه. وتحسن الوضع الأمني بوضوح خلال العامين الماضيين بعد دحر تنظيم داعش نهاية عام 2017.
ويقول الشاب أمجد، وهو طالب يدرس الإعلام (21 عاما) ويدير في الوقت ذاته محلا تجاريا وسط بغداد، لوكالة فرانس برس، “الاوضاع كانت أفضل في الأشهر الماضية، لكن هناك فرقا كبيرا خلال هذا الشهر بسبب التظاهرة والأوضاع الأمنية” التي رافقتها.
وأعرب عن “أمله في أن تنجح التظاهرات في تغيير الأوضاع لأن جميع الحكومات حرامية” (التعبير العامي للسرقة)، لكنه تابع بحسرة واضحة “مستقبل العراق نحو الأسوأ ولا أعتقد أن شيئا سيتحسن”.
وقال يوسف ابراهيم، وهو خريج جامعي (27 عاما) تزوج وفتح متجراً لبيع الهواتف الذكية خلال العام الماضي، “عندما شعرت بتحسّن في الأوضاع بعد طرد داعش، فتحت مشروعي وتزوجت لأعيش مثل كل الناس. لكن الأحداث جعلتنا نضيع الطريق ولا ندري إذا كان زوجنا وشغلنا خياراً صحيحاً”.
وقال حسين (54 عاما)، وهو صاحب محل لبيع أجهزة كهربائية في بغداد، “الوضع ضعيف، وكان أفضل خلال الأشهر الماضية… ما أبيعه أعيش به وأصرفه لبيتي”.
ولفت التاجر الذي يضع نظارات طبية سميكة الانتباه الى إن “الناس باتوا يبحثون عن مواد غذائية أكثر من الأجهزة الكهربائية”.
وفرضت قوات الأمن إجراءات مشددة خلال أيام التظاهرات أثرت سلبا على الدورة الاقتصادية للبلاد.
ونقل بيان رسمي في أيار/مايو عن وزير التجارة محمد العاني قوله إن “كبريات الشركات الألمانية والفرنسية تعتزم الدخول في السوق العراقية والاستفادة من الفرص المتوفرة في مجالات البناء والإعمار والطاقة”، لكن الأمور لا توضع موضع التنفيذ لأسباب كثيرة أبرزها الفساد.
“وعود”
ويطالب العراقيون بمعالجة البطالة ومحاربة الفساد للنهوض ببلادهم التي تعد من أغنى دول العالم بالذهب الأسود، لكنها تحتل المرتبة الـ12 في لائحة البلدان الأكثر فساداً في العالم.
ويشير خبراء إلى أن عدم وجود إصلاحات جذرية يطالب بها العراقيون بعد أربعة عقود من الحرب في بلد يحتل المرتبة 12 في لائحة البلدان الأكثر فساداً في العالم، ليس إلا تأجيلاً للمشكلة.
لذلك، يرى أحمد، مهندس المعلوماتية العشريني الذي يعمل في متجر لبيع الأثاث، “الناس يعيشون في بؤس بسبب البطالة والفقر وغياب التخطيط ولم يقدموا سوى وعود”.
ويضيف “وضع البلد بائس، ويسير نحو الأسوأ، وحتى هذه التظاهرات لن تغير شيئاً”. (أ ف ب)