د.السيد محمد علي الحسيني
إندلاع تظاهرات شعبية عارمة في العراق ولبنان معا وفي أوقات متقاربة واستمرارها بصورة غير عادية وملفتة للنظر، لايمکن القول أبدا بأنها قد أتت صدفة أو لعوامل ودوافع عرضية، بل وإن تأمل القوة الغضبية التي ترافق تظاهرات الشعبين وسقوط قتلى وجرحى، يٶکد بأن لها أسبابها المنطقية المتجذرة لدى کلا الشعبين، وإن توسع دائرتها وتجاوزها لکل الأبعاد الطائفية والقومية والدينية يعني بأن هذه التظاهرات تحمل توقيع مکونات الشعبين دونما أي فرق واختلاف وأنها أقوى رسالة سياسية ـ اجتماعية ـ فکرية يبعثانها لمن يهمه الأمر.
حراك العراق ولبنان ضد الفساد والتدخلات الإيرانية تطور ينبغي النظر إليه بعين الجد
التظاهرات التي اندلعت في کلا البلدين هي بالأساس لأسباب معيشية ومن ثم توضح تبلورها فيما بعد أنها ضد الفساد وضد التدخلات الإيرانية، فقد أخذت سياقا واتجاها خاصا لم يعد بالإمکان تجاهله والتغاضي عنه، ولاسيما بعد المطالبات من جانب الأمم المتحدة بضمان أمن المتظاهرين وسلامة حياتهم، ومن دون شك فإن المطلوب من الأوساط السياسية في البلدين أن يأخذوا هذا التطور على محمل الجد وأن يمنحوه الأهمية التي تطلبها وعدم السعي لرکوب موجهتها أو شيطنتها وتخوينها من أجل تشويهها وإجهاضها أو تحريفها عن مسارها، لأن ذلك يعني إبقاء النار تحت الرماد ومن دون شك فإنها لو تم معالجتها بهذه الطريقة فإنها قد تعود بصورة أقوى وأعنف من الحالية وقد تقلب الطاولة رأسا على عقب.
التجاوزات الحاصلة خلال المظاهرات عكست التراكمات السلبية نتيجة الأوضاع المعيشية المزرية
إننا إذ نتألم لحالات التجاوز وإلحاق الأضرار بالدوائر والممتلکات العامة خلال هذه التظاهرات، لکننا وفي نفس الوقت نتفهم ذلك للتراکمات والتفاقمات السلبية في العقل الجمعي للشعبين وعدم وجود مساع جادة وواضحة المعالم من أجل التصدي للأوضاع الوخيمة ومعالجتها بالصورة التي ترفع کل ذلك الضيم والضغط المسلط على کاهل الشعبين، ولذلك فقد طفح الکيل بالشعبين لينفجرا في وقت متقارب، وإن المعالجات في هکذا أوقات عصيبة يجب أن تتسم بالحکمة والعقلانية وليست بالتسرع والسطحية التي تبقي المشکلة کلغم أو کقنبلة موقوتة.
الهيمنة الإيرانية رأس الوجع الذي يعاني منه لبنان والعراق ولا إصلاح في ظلها
المشکلة وبيت الداء تکمن بصورة أو أخرى في التدخلات والهيمنة الإيرانية التي يبدو أنها قد صارت بمثابة القاسم المشترك الأعظم والوجع الحقيقي بين تظاهرات الشعبين، ومن دون شك فإنه لابد من الإقرار بأن هذا النفوذ قد لعب دورا ترك آثاره وتداعياته السلبية الواضحة على الشارعين الشعبيين العراقي واللبناني على حد سواء، ولاسيما من حيث مساهمته في تجذر وتأصل الفساد في البلدين، وعدم جعله مجرد ظاهرة، بل وحتى بمثابة أمر واقع مفروض فرضا على الشعبين اللذين کان عليهما أن يدفعا ثمنه الباهض، لکن التدخلات والهيمنة الإيرانية على العراق ولبنان عبر ميليشياتها زادت مدتهم بأسباب القوة والسيطرة من مال وسلاح الذي ساهم في فرض وجوه وأوساط استغلت مناصبها والمواقع والامتيازات المکفلة لها في جني فوائد غير مشروعة، وحتى أن الهجوم على مقرات أحزاب وميليشيات تابعة لإيران دليل على أن الشعب يعلم کل شيء، ولايمکن استغفاله واللعب عليه وخداعه، خصوصا وأنه في عصر الثورة المعلوماتية التي بات فيها من الصعب إخفاء حقائق عامة تمس المصالح العليا للشعب.
في زمن الحراك..انتهى ما يسمى رکوب الموجات والتمويه على الحقائق
من المهم بل ومن الضروري وبإلحاح أن يتم احترام إرادة الشعبين اللذين انتفضا بوجه أوضاع لايستطيع أحد الدفاع عنها أو تبريرها، وإننا نٶکد هنا بأن أي أسلوب للالتفاف على المطالب الشعبية الأساسية المشروعة للمتظاهرين من الشعبين والتي يجب الاعتراف بأنها تمثل إرادة الشعبين، سوف يرتد سلبا على الحکومتين العراقية واللبنانية والجهات والأوساط الأخرى التي تقف خلف ذلك، وإن هذا العصر هو ليس کالفترات السابقة التي کان بالإمکان رکوب الموجات والتمويه على الحقائق وکل من لايأخذ هذه الحقيقة الدامغة بنظر الاعتبار فإنه سيدفع الثمن باهضا في نهاية المطاف.
المعالجة الحقيقة لأزمة العراق ولبنان يكون بانتخابات مبكرة يتصدرها شباب صاعد في مستوى حمل شعلة الحراك
إننا إذ نتابع الأوضاع في البلدين عن کثب وندعو من الله عزوجل أن تنتهي بالخير والصلاح للشعبين والبلدين، فإننا ننتظر حلولا منطقية وعقلانية تکون في مستوى هموم ومعاناة الشعبين العراقي واللبناني وتساهم في تلبية المطالب الأساسية التي اندلعت من أجلها، ومن هنا، فإننا نرى ضرورة أن يتم العمل من أجل انتخابات مبکرة شريطة أن تکون هناك وجوه شبابية جديدة ترشح نفسها، وليس تلك التي”أکل عليها الدهر وشرب” لکي يتم التأسيس لظروف وأوضاع جديدة من شأنها تحقيق المطالب الأساسية التي اندلعت بسببها التظاهرات، مع ملاحظة أننا نٶکد على ضرورة عدم الانجراف خلف الفوضى والمس بالممتلکات العامة والتسبب بنشر الفوضى والضياع والتي تضر الجميع دونما استثناء.
*الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان