السلايدر الرئيسيشمال أفريقيا
تونس: اليوم العالمي للمرأة الريفية لم يمر من هنا ولم يترك أثرا
ـ تونس ـ مر اليوم العالمي للمرأة الريفية (15 تشرين الاول/أكتوبر) في تونس، مثل أي يوم معتاد، لا حديث فيه على نساء الريف، مناسبة ضاعت في زحمة الأحداث السياسية وفي خضم الاحتفاء بعيد الجلاء. ملف المرأة الريفية لم يكن يوما في صدارة اهتمامات الدولة التونسية بالرغم من كونهن تمثلن النسبة الأعلى من العاملين في القطاع الزراعي ما يعني أنهن المساهم الأكبر في الأمن الغذائي للتونسيين (تساهم نساء الأرياف بـ83 بالمئة من الناتج الفلاحي الخام في تونس، بحسب احصائيات رسمية). واحدة من المفارقات التونسية حيث من ينتج أكثر من غيره يكافئ بالتجاهل والإهمال ويجني أقل من الجميع ماديا واعتباريا.
لم تذكر هذه المناسبة العالمية من الجهات الرسمية التونسية لا الحكومة ولا الوزارة المعنية ولا غيرهما ولو بصفة شكلية أو نظرية أو برقية لم تقدم التهاني ولا الوعود سواء كانت جوفاء أو قابلة للانجاز. لم تذكر غالبية وسائل الإعلام والمنابر التلفزية ولا البرامج الحوارية هذه المناسبة، ولم تمر عليه بمجرد الإشارة، بعض الصحف المحلية اكتفت بتداول بيان الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، الجهة المدنية الوحيدة التي اهتمت بالمناسبة.
البيان الوحيد الذي التفت للمرأة الريفية طالبت فيه الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات الدولة التونسية بالعديد من المطالب التي طالما رددتها وغيرها من أطياف الحقوقيين في تونس وظلت تكررها منذ سنوات بمناسبة اليوم العالمي للمرأة أو اليوم العالمي للمرأة الريفية، لكن ما مجيب. في الحملات الانتخابية سواء التشريعية أو المحلية تقدم الوعود الشبيهة بالأحلام الوردية وتطرح المشاريع والقرارات وخطط الإصلاح لتحقيق النهضة بهذه الفئة الاجتماعية لكن سرعان ما تعود الملفات المتعلقة بنساء الريف إلى رفوف المكاتب أو ربما إلى الأرشيف.
مطالب الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بقدر ما هي دعوة للجهات الحكومية ولفت انتباه لاحتياجات معينة وملحة بقدر ما هي دليل إدانة للحكومات المتعاقبة على تونس منذ الاستقلال إلى اليوم، إدانة لأنها مطالب تتكرر دائما لكن لم يتحقق منها شيء، فأن تطالب الجمعية مثلا بتعزيز حماية حقوق الفتيات في الريف بآليات تشمل القضاء على الفقر، فهو دليل على أن الفتيات في الريف ليس لديهن أبسط الحقوق وتعشن حياة قاسية ماديا ومعنويا، ولا تجدن ما يقيهن ويلات الخصاصة والفقر وغيرها.
وبالرغم من أن وضع المرأة التونسية يعد متقدما، مقارنة بالعديد من الدول العربية، من الناحية الحقوقية والتشريعية ومن ناحية الانفتاح على المجتمع والمشاركة في كل مجالات الحياة بدءا بالتعليم وصولا إلى العمل إلا أن المتأمل في وضع فتيات الأرياف يلاحظ وبوضوح، أولا الهوة الفاصلة بين المرأة في الريف ونظيراتها في المدينة، وثانيا الفرق بين المكتسب فعلا وبين ما يروج على تمتع جميع نساء بحقوقهن وبلوغهن مرحلة جني قطاف المكتسبات، وثالثا بين وضع نساء القرى والأرياف اللاتي لا تتمتعن بأبسط الحقوق مثل التغطية الصحية وضمان الوصول إلى الخدمات الصحية والتمتع بها ودخول المدارس ومواصلة التعليم وبين سهولة الارتقاء والحصول على المساندة المالية والإجرائية التي تخول لهن الحصول على عمل أو إقامة مشاريعهن الخاصة.
فوارق بالجملة وكأن نساء الريف التونسي موجودات في دولة أخرى ولديهن عالم خاص لا تصله لا حقوق ولا حريات ولا مكاسب لا قبل الثورة التونسية ولا بعدها. لكن المرأة الريفية هي من تقود قاطرة التنمية الزراعية وبأيديها الأمن الغذائي في تونس، وهي من تكفل عائلات كاملة بالرغم من عدم تمتعها بأبسط حقوق العمل.
ظروف العمل الزراعي والطبيعة في المناطق الريفية تجعله عملا شاقا بدأ من وسائل التنقل من مقر السكنى إلى مقر العمل حيث يتم نقلهن في شاحنات لنقل البضائع بما يهين إنسانيتهن، فلا يمر موسم زراعي دون وقوع حوادث مرور تذهب ضحيتها فتيات ونساء عاملات في القطاع الزراعي. وبجانب ظروف العمل القاسي بطبعه والذي يتطلب قوة بدنية للقيام به ولمجابهة حرارة أو برودة المناخ لا تحظى العاملات في الزراعة بالتأمين الاجتماعي ولا بالتأمين الصحي كونهن تعملن في مجال به مخاطر جمة على الصحة خصوصا فيما يتعلق بالمواد الكيميائية التي باتت تستعمل في مختلف الزراعات والتي لا تقدم لهن أبسط وسائل الحماية من تأثيراتها الصحية الخطرة.
وبحسب الأرقام الرسمية في تونس فإن المرأة تمثل نحو 60 بالمئة من اليد العاملة في مجال الزراعة، وهي بذلك تعتبر أبرز المسؤولين عن الأمن الغذائي، إلا أنها الأقل نصيبا في مشاريع ومخصصات التنمية والتعليم والرعاية. فتتجاوز نسبة الأمية لدى الريفيات 30 بالمئة، وتفوق نسبة المنقطعات عن التعليم في سن مبكرة 65 بالمئة، ووفق المعهد الوطني للإحصاء بتونس، فإن المرأة تساهم في تونس بنسبة 68 بالمئة من الدخل القومي الخام، وتؤمن إنتاج الخضر والغلال بنسبة 90 بالمئة.
ظروف العمل القاسية لم تكن عاملا محبطا لعزائم الريفيات بل تجدهن يستيقظن باكرا ويقصدن مواطن أرزاقهن بعزم وصبر، ولكن عندما يضاف إلى هذه الظروف استغلال فاحش من حيث طول ساعات العمل بمقابل مادي زهيد حيث تتقاضين نصف ما يتقاضاه الرجال في نفس الأعمال، وبجانب اللامساواة في الراتب فهن مطالبات بأعمال أخرى إضافية على التي يقوم بها الرجال في نفس الوسط الريفي، أعمال غير مدفوعة الأجر مثل الواجبات المنزلية والأسرية.
وفي غالبية الحالات تكلف هؤلاء النسوة بأكثر من طاقاتهن فتجدهن منتجات في العمل الزراعي ومكلفات بتربية الأبناء وبشؤون البيت وبالسهر على راحة الأزواج، وأيضا تكون بعضهن مصدر الرزق الوحيد بالنسبة للأسرة وقد يلقى على عواتقهن إعطاء مصروف الزوج العاطل عن العمل أو الابن أو الأخ وأحيانا الأب، وقد لا يكون القرار بأيديهن أصلا في التحكم في الدخل المادي الذي تجنينه من العمل حين تفتك أموالهن غصبا.
وليس ما يقال وما يرفع من مطالب لإنصاف نساء الريف من قبيل الدراما أو المظلومية أو المبالغات والمزايدات فحياتهن صعبة واقعيا وبكل المقاييس. وما يجعلهن حلقة ضعيفة في المجتمع تعرضهن للانتهاك والاستغلال منذ الطفولة ومن أفراد الأسرة إلى المحيط المدرسي والفضاء الاجتماعي إلى مواطن العمل هو أساسا الاهمال من جانب المجتمع الذكوري ومن طرف الدولة حيث تحرمن لظروف مادية أو أسرية أو ثقافية من مواصلة التعلم وتسقط بقية الحقوق تباعا وبالرغم من شعورهن بالاضطهاد أو بأنهن لا تجنين ما يساوي الجهود التي تبذلنها إلا أن غالبيتهن ليس لديهن الوعي والمعرفة التي تخول لهن الدفاع عن حقوقهن ومعرفة كيفية الوصول إليها.