السلايدر الرئيسيشمال أفريقيا

المغرب: مرور سنتين على انطلاق شرارة “حراك الريف” مالذي تغير

فاطمة الزهراء كريم الله

– الرباط – من فاطمة الزهراء كريم الله – مرت سنتين على انطلاق شرارة احتجاجات ما بات يُعرف إعلاميا ” حراك الريف” الذي عرفته منطقة الريف شمال المغرب، في 28 أكتوبر / تشرين الأول 2016 بعد مقتل محسن فكري، بائع سمك، طحنا في شاحنة النفايات، عندما كان يمنع حينها السلطات المحلية  من مصادر بضاعته حيث خرج آلاف المواطنين في الريف حاملين عدة مطالب منها تحسين ظروف وتطوير البنى التحتية وبناء مستشفيات وجامعة وتوفير فرص العمل.

وبعد أشهر من التظاهر والشد والجذب بين المتظاهرين والحكومة المغربية، تفجرت حملة الاعتقالات خاصة بعد احتجاج قالد حراك الريف ناصر الزفزافي، داخل مسجد على خطبة الجمعة، وبعد عشرات الجلسات القضائية الطويلة أصدرت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف في الدار البيضاء، أحكاماً بالسجن النافذ والغرامة على 52 ناشطاً، والغرامة بحق ناشط آخر. وتوزعت بين 20 سنة على أربعة متهمين هم متزعم الحراك ناصر الزفزافي، ونبيل أحمجيق ووسيم البوستاتي وسمير أغيد، و15 عاماً بحق محمد حاكي وزكرياء دهشور ومحمد بوهنوش.

فيما نال سبعة متهمين عشر سنوات، وعشرة متهمين خمس سنوات، وتنوعت أحكام السجن الأخرى النافذة بين ثلاث سنوات وسنة واحدة. و تعدّدت التهم التي تضمنتها الإدانة، وأهمها “جناية تدبير مؤامرة للمس بالسلامة الداخلية للدولة”. وهذه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها أحكاماً بخصوص حراك الريف، إذ سبق الحكم على أشخاص آخرين، منهم المرتضى اعمراشا بخمس سنوات بتهم يتضمنها قانون مكافحة الإرهاب.

كان لصحيفة “” لقاء مع خميس بتكمنت ناشط في حراك الريف، و هذا هو نص الحوار…
بداية سيد خميس، حدثنا عن منطقة الريف وأبناءها

بخصوص منطقة الريف، فهي جغرافيا لها موقع استراتيجي باعتبارها بوابة اوربا و نافذة على الضفة الشمالية للمتوسط، و هذا الموقع خول لها على مر التاريخ ان تكون مركز اهتمامات و انشغالات محلية و دولية بدءا من تأثيرها على أمن الساحل المتوسطي و كذا كونها مهد ثروة طبيعية في قطاع الصيد البحري، هذا كله جعلها لتكون ساحة صراعات تاريخية منذ الفينيقيين و بعد حملة الغزو العربي الأولى لتكون المعبر إلى للأندلس و بعدها صراعات مع البرتغاليين و الإسبان بالخصوص في مرحلة السعديين و العلويين، هذه الخصوصيات التاريخية و الجغرافية أسهمت في  تكوين البنية السوسيولوجية و السيكولوجية  للريفيين المتسمين بالصلابة و الشجاعة و القدرة على المخاطرة جعلتهم يهزمون اقوى القوى الكولونيالية في العشرينات في معركة أنوال و دهار اوبران في 1921، و شكلوا الجمهورية الاتحادية لقبائل الريف 1921_1926  برئاسة محمد بن عبد الكريم الخطابي قبل القضاء عليها بعد إمطار الريف بأطنان الغازات السامة في أول تجربة للحرب الكيماوية في التاريخ .

و أظن أن هذه البنية المجتمعية الريفية جرت علينا ويلات متعاقبة لتحطيم مناعتنا ضد الاستهداف و بغية ترويضنا على الأمر الواقع و التطبيل للسياسات العليا و ذلك ما حدث في احداث 58-59 و ايضا في 84 و كذا في 2011 إبان 20 فبراير و اخيرا بحراك الريف الذي قابلته السلطة بتوزيع قرون من السجن النافذ و القمع و الحصار .

أما فيما يتعلق بأبناء الريف فنتيجة سياسات تهميش الريف و تفقيره و عدم استفادته من خيراته و ثرواته باسم المركزية و اللاتمركز و الجهوية العوجاء، و نظرا لافتقار الريف لأي مؤشرات تمكنه من الإنتاج المعقلن و ما ينجم عنه من تشغيل و تحصيل للبنية التحية، أمام هذا الوضع الذي يمكن اعتباره سياسة تأديبية و تطويعية لم يجد الريف غير حل الهجرة و هو ما نتج عن الآن تواجد 4 مليون ريفي في أوربا.

أين تتجلى اهتمامات أبناء المنطقة؟ 
اهتمامات أبناء المنطقة منحصرة الآن على البحث عن أرضية خصبة تتيح لهم تفجير طاقاتهم ليكونوا عاملا فاعلا في دورة الانتاج، و هو ما لم يتحقق بغياب أدنى شروط العيش الكريم، فلا مناطق صناعية بالريف تتيح توفير  لقمة العيش، ولا مدارس عليا و جامعات و ذلك ما يجعل الطالب(ة) ملزما على التنقل إلى مدن أخرى تبعده نحو 300 كلم و لا مستشفيات عالية الجودة للتداوي علما أن أعلى نسبة الإصابة بالسرطان توجد بالريف و بالمقابل فأقرب مركز للانكولوجيا يبعد ب 400 كلم بفاس أو وجدة، أمام هذا الوضع المهمش يبقى الإنشغال الوحيد هو البحث عن إمكانية للمغادرة و الهجرة.
بعد مرور عامين على الحراك ما الذي تغير في منطقة الريف و إلى أن يسير الملف برايك؟
بعد قرب استكمال سنتين على الحراك يوم 28 اكتوبر/ تشرين الأول تاريخ استشهاد محسن فكري الذي طحن بطريقة بشعة، الكثير تغير بالريف، إذ أن المناخ العام يطغى عليه الطابع الجنائزي و الاحتقان جراء المقاربة الأمنية ما نتج عنه مئات المعتقلين و شهيدين و قرون من السجن النافذ و مئات من المتابعات، الذي تغير هو وعي جمعي بزيف الشعارات الرسمية التي كان يروجها الخطاب الرسمي كالعهد الجديد و الانتقال الديمقراطي و مرحلة ما بعد الانصاف و المصالحة ليتبين أن السلطة لها إجابة أحادية و واحدة على تطلعات المواطنين و هي التطويع و الضرب بأيادي من حديد ليظل المتغير الوحيد هو طرق التطويع و الثابت هو نبذ الجهر باللاءات و البوح بمكامن الخلل التي يقابلها القمع و الترهيب و الرهان على الاستنزاف لامتصاص الغضب و لي الاذرع.
الملف في اعتقادي يحتاج جرأة من لدن السلطة بالإقرار أن القمع ليس حلا لحل الإحتقان الإجتماعي و أن الترهيب ليس إجابة عن المعضلة الاجتماعية، فالذي يعلن عن مكامن خلل السياسات العمومية و سوء التدبير و الريع المعشعش ليس هو المذنب و ليس البوح بالخلل صكا جرميا حتى يعاقب المحتجون و عبرهم الحراك بدل إعادة النظر في صنع القرار و العمل على تفريق تزويج السلطة بالمال و الامتيازات، و لعل المحاكمات الماراطونية لمعتقلي كشفت عن خواء أي سند منطقي لهذه الاعتقالات و أبانت أن مزاجية السلطة  أسقطت صناع القرار في الارتباك مما جعل الأمر تزداد رقعة فضيحته أمام العالم، في ظني أن أول خطوة معقلنة لتقويم الامور تبتدئ من الافراج الفوري عن المعتقلين و إسقاط المتابعات و الإعتذار الرسمي عما حصل و كذا محاسبة من ثبت  تورطهم في ملفات الفساد و هدر المال العام و تحويل ميزانيات الدولة إلى حسابات بنكية بدل بلورتها في مشاريع إنمائية.
ما نلاحظه هو أنه في الفترة الأخيرة اختفى بريق الحراك  وخفت، عكس بداياته خاصة بعد اعتقال ناصر الزفزافي، هل الحراك كان مرتبطا  بناصر الزفزافي؟
الحراك لم يخفت،  كل ما في الأمر أن موازين القوى غير متكافئة بين محتجين جعلوا من السلمية دعامة و قانونا للحراك الشعبي و بين ترسانة أمنية للدولة التي تمتلك كل وسائل الردع المادي كقوى الامن و المخافر و الترسانة الأمنية بكل وسائلها و لوجيستيكها و أجهزتها التي تخول لها ضبط الأرض و الميدان، و من البديهي جدا أن تنحصر رقعة الاحتجاجات بعد إعمال المقاربة الأمنية و ما تمخض عنها من قمع و ترهيب و اعتقالات و محاكمات و متابعات، لكن رقعة الحراك اتسعت حيث استطاع الريفيون المهاجرون التنفيس عن ضغط الداخل و أخذ المشعل لإستكمال معركة المطالبة عن الإفراج عن المعتقلين و المطالبة بالكرامة و العدالة الاجتماعية لأهلهم بالمغرب .
ناصر الزفزافي، في ظني هو أيقونة و رمز للقيادة والحراك و كان لتواجده قبل اعتقاله دورا تأطيريا للحشد و التوحيد و التأثير لما اتسم به من صدق و نبل و كاريزما القائد لكن باعتقاله فالقاعدة الجماهيرية لم تخذله و لا تزال قضيته انشغالا يوميا في الوسط الريفي الذي يتابع كل المستجدات المتعلقة بالحراك أولا بأول.
أحصى بعض المراقبين أخطاء ناصر الزفزافي و التي يرون أنَّها قاتلة وحرمت الحِراك من الانتقال من الصعيد الجهوي المحلي إلى صعيدٍ وطني. بافتقاره لتكوين والتأطير السياسيَّين  تجلَّى ذلك  في عدم انسجام خطابه على المستوى المعجمي والمرجعي، فهو خطابٌ يساريٌّ تارةً، حين يتحدَّث عن معاناة الفقراء والمضطهدين بمنطقة الحسيمة والريف، وديني/محافظ تارة أخرى، حين يحيل على عدل الصحابة والخلفاء الراشدين بهدف الاحتجاج ضد لقب “أمير المؤمنين” الذي يتمتَّع به الملك محمد السادس. بالإضافة إلى خطاب العرقية/الإثنية عبر التشديد على تفوق الإنسان الريفي والأمازيغي حيال باقي مكوِّنات الشعب المغربي؟
أولا  الحراك كان لحظة فارقة استوجب الالتحاق به و الإسهام فيه و ليس البقاء عن بعد لنقده و هو في أوج ديناميته و حركيته، و الأكيد أن من يلعب الكرة في الملعب مثلا ليس كمن يتابعها من وراء الشاشة و عادي أن يكيل المتفرج السباب للاعبين لأنهم في وسط حركي مختلف و متوازي، نفس الأمر ينطبق على حالة نخبنا الهرئة التي تتقن الإفتاء من الأبراج العالية و تحاول التسطير بالأحمر على جهود من يحتك بالواقع و الميدان و يشتغل وسط ظروفه و تناقضاته و تضارب مستويات وعي الأطياف المكونة لفسيفسائه، أعتقد أن مكامن الضعف حسب النخب هي مكامن قوة الحراك الذي استطاع مخاطبة الشعب بلغتهم و تبسيط شرح معاناتهم و ماهيتها و تسمية المتسببين فيها، و الأكيد أن الزفزافي و عبره قاموس الحراك وُفِّق في بلورة خطاب شعبي يستهدف كل مكونات الشعب بمتعلميه و حرفييه و فلاحيه و نسائه، و استجمع توصيفات تستفز لاوعي القاعدة الجماهيريالجماعة، و يراعي بالمقابل خصوصياتها المحافظة و المعتقدية، هو خطاب انبنى على استجماع الكل و خاطب الكل بلغة السهل الممتنع، لذلك فأنا اسمي الزفزافي و احمجيق ظاهرة بلاغية و خطابية و قوة تأطيرية هائلة استطاعت توحيد الريفيين بكل تناقضاتهم و مستوياتهم الإدراكية و المعرفية على حد أدنى من المتوافق عليه و هو مطالب الحراك .
من البديهي أن تختلف نوعية الخطاب حسب الظروف و الشروط، فمثلا خطاب الحراك قبل الإنزال الأمني ليس هو الخطاب في أواخر 2016 و ليس هو الخطاب بعد الاعتقالات في ماي 2017 .
بإيجاز شديد، فالحراك منذ يومه الأول كان ينادي بضرورة الالتفاف حول مضامينه و هي ضرورة إحقاق شروط العيش الكريم و الكرامة و الحرية و كنا نقولها بصريح العبارة ” أيها المغاربة أنتم أيضا معنيون بهذه المطالب و بدل التضامن معنا رجاء حاولوا النضال أينما تتواجدون لإحقاقها عندكم”، لكن للأسف الكثير من الأخوة انطلت عليهم خدع البروبكندا و سقطوا في مطب شيطنة الحراك و التوجس منه بدل أن يسعوا للمطالبة بما ينقصهم وفق تقديراتهم.
أي من المطالب تحققت لحد الآن؟ 
 مطالبنا لم تتحق بشكل قطعي و مؤكد بل إنضافت لها مطالب أخرى الأن و هي ضرورة الإفراج و إطلاق سراح كافة المعتقلين و إيقاط المتابعات عن الذين اختاروا المنفى هروبا من الاعتقال و كذا إعادة النظر في البنية الذهنية للسلطة للقطع مع عقلية الاحادية و السادية و الوعي أن الانصات لهموم الناس ليس انتقاصا للفاعل السياسي و صانع القرار بقدر ما هو تعبير عن التكامل و تلاقح الأدوار و ترابطها، لو كانت للسلطة أن تستجيب للمطالب لما اختارت الإجابة على أصوات الناس باعتقال قادتهم و إعمال الحل الامني و شيطنة الريف و محاولة اتهامه بالعمالة الاجنبية و التخابر و هي تهم واهية دشنتها خرجتها الاغلبية الحكومية و الاعلام الرسمي و أذرع السلطة .
ماهي رسالتكم للدولة؟ 
رسالتنا للدولة عبرنا عنها منذ اليوم الأول للحراك و هي نحن نحب الحياة و نريد الكرامة و الحرية و العدالة الاجتماعية، و صوتنا صوت حق لا يمكن تغطيته بغربال الحصار فالتاريخ شهد على صدقنا و سيشهد أننا نادينا و سنظل ننادي عقل الدولة ليكون عاقلا، إذ تستطيعون قطف بعض الزهور لكنكم لن توقفوا الربيع، فاطلقوا سراح الابرياء و دعوا هذا الوطن يينع كرامة و عدالة و جنبوه الاحقاد و الدسائس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق