السلايدر الرئيسيحقوق إنسان

هيومن رايتس ووتش: “فتح” في الضفة و”حماس” في غزّة مستمرّة في اعتقال وتعذيب المنتقدين والمعارضين السلميين

فادي ابو سعدى

ـ رام الله ـ من فادي ابو سعدى ـ أصدرت “هيومن رايتس ووتش” تقريرًا جديدًا لها، حمل عنوان “سلطتان طريقة واحدة، المعارضة ممنوعة وان الاعتقال التعسفي والتعذيب في ظل “السلطة الفلسطينية” و”حماس”.
وقال التقرير في مقدمته أنه ومنذ أن اكتسب الفلسطينيون درجة من الحكم الذاتي على الضفة الغربية وقطاع غزة قبل 25 عاما، أنشأت سلطاتهم آليات اضطهاد للقضاء على المعارضة، منها استخدام التعذيب.
ونفذت “السلطة الوطنية الفلسطينية” التي تسيطر عليها “فتح” في الضفة الغربية و”حركة المقاومة الإسلامية” (حماس) في قطاع غزة في السنوات الأخيرة عددا كبيرا من الاعتقالات التعسفية على خلفية النقد السلمي للسلطات، وخصوصا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بين صفوف الصحفيين المستقلين، وفي حرم الجامعات، وفي المظاهرات.
ومع ازدياد الخلافات بين فتح وحماس بالرغم من محاولات المصالحة، استهدفت قوى أمن السلطة الفلسطينية الموالين لحماس، والعكس صحيح. تعتمد السلطة الفلسطينية وحماس الاعتقال لمعاقبة النقاد وثنيهم هم والآخرين عن أي نشاطات بالاعتماد بشكل أساسي على القوانين الفضفاضة التي تجرّم أي نشاط، مثل التسبب “بالنعرات المذهبية” أو الإساءة إلى “مقامات عليا”. وخلال الاعتقال، تقوم القوى الأمنية بشكل روتيني بإهانة المعتقلين، وتهديدهم، وضربهم، وإجبارهم اتخاذ وضعيات مجهِدة لعدة ساعات في كل مرة.
ونتج هذا التقرير عن سنتين من التحقيقات التي أجرتها “هيومن رايتس ووتش” في أنماط الاعتقال وظروف الاحتجاز. ويعتمد على 86 حالة في الضفة الغربية وغزة، تبين أن السلطات الفلسطينية تعتقل بشكل روتيني الأشخاص الذين لا يعجبها تعبيرهم السلمي عن رأيهم وتعذب المعتقلين لديها.
كما راسلت هيومن رايتس ووتش الأجهزة الأمنية الرئيسية والسلطات الحكومية الضالعة في الضفة الغربية وغزة، وتلقت إجابات موضوعية من كل منها. وأنكرت جميعها أن الانتهاكات تشكّل أكثر من حالات معزولة يتم التحقيق فيها عندما يتم إعلام السلطات بها، والتي تسائل مرتكبيها. تناقض الأدلة التي جمعتها هيومن رايتس ووتش والمقدمة في هذا التقرير هذه الادعاءات.
وتشكل الاعتقالات على خلفية التعبير السلمي عن الرأي انتهاكات خطيرة لقانون حقوق الانسان، ما يخالف الالتزامات القانونية لانضمام فلسطين إلى اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية على مدى السنوات الخمس الماضية. قد يصل التعذيب الممارس من قبل السلطة الفلسطينية وحماس إلى مصاف جريمة ضد الإنسانية، على ضوء الممارسة المنتظمة للتعذيب على مدى عدة سنوات.
تشمل الأجهزة الأمنية الرئيسية الضالعة في الانتهاكات الموثقة في هذا التقرير “الأمن الداخلي” التابع لحماس و”الأمن الوقائي”، و”المخابرات”، و”اللجنة الأمنية المشتركة” التابعة للسلطة الفلسطينية. تعمل القوى الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية بدعم كبير من الولايات المتحدة وأوروبا، وبالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي. وتتلقى حماس بدورها مساعدة مالية من إيران، وقطر، وتركيا.
أوجدت السلطتان آليات لتلقي الشكاوى من المواطنين والمنظمات ذات الصلة والتحقيق في التجاوزات المحتملة المرتكبة من قبل القوى الأمنية. إلا أنه، وبحسب المعلومات المقدمة من الأجهزة الأمنية إلى هيومن رايتس واتش، نادرا ما تؤدي هذه الآليات إلى تثبيت أي اعتداء، ناهيك عن الإجراءات التأديبية أو المحاسبة على الانتهاكات الخطيرة.

الاعتقالات التعسفية

ضيقت السلطة الفلسطينية وحماس على المصادر الرئيسية للمعارضة المتوفرة للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، إلا أن السلطتين تنفيان بشكل قاطع تنفيذهما للاعتقالات التعسفية، وتصران على أنهما تتبعان القانون. إلا أن توثيق هيومن رايتس ووتش يظهر اعتقالهما المنتظم للنقاد بدون أساس معقول للشك في ارتكابهم جريمة ممكن تمييزها، وتعتمدان على التهم الملتبسة أو المصاغة بطريقة فضفاضة لتبرير اعتقالهم والضغط عليهم لوقف نشاطاتهم. ومع أن التفاصيل تختلف بين الضفة الغربية وغزة، فالنتيجة في المنطقتين هي تقليص مساحة حريات التعبير، وتكوين الجمعيات، والتجمع.

المعارضة السياسية

قامت السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة فتح باعتقال النشطاء والموالين لحماس أو الجماعات الموالية لحماس بشكل منتظم على أساس انتمائهم أو تعبيرهم السياسي، بالاضافة إلى ارتكاب حماس انتهاكات مشابهة ضد أعضاء فتح أو مسؤوليها الذين كانوا جزءا من الحكومة بقيادة السلطة الفلسطينية، والقوى الأمنية، قبل تولي حماس زمام الأمور عام 2007.
في الضفة الغربية، على سبيل المثال، اعتقلت قوات السلطة الفلسطينية أسامة النبريصي (38 عاما) 15 مرة منذ أن أنهى حكما بالسجن 12 عاما في إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 2014، كانت أولها بعد يومين فقط من إطلاق سراحه، على ما يبدو بسبب مشاركته في كتلة حماس السياسية أثناء وجوده بالسجن. احتجزته القوات بناء على أوامر مسؤولين محليين بموجب شكل من أشكال الاعتقال الإداري المستخدم بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، والذي لا يُخضع هذا الشكل إلى الإجراءات القانونية المحددة في قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني.
في غزة، اعتقلت سلطات حماس عبد الباسط أموم، موظف سابق في الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية، في يناير/كانون الثاني 2017 على خلفية مشاركته في احتجاج على انقطاع التيار الكهربائي. وقال المحقق لأموم، “إنتو تعون فتح بدكم تعملو فوضى وبدكم تزعزعو الامن” (أنتم أعضاء فتح تفتعلون الفوضى وتريدون زعزعة الأمن)، إلا أنه لم يتقدم بأي تهم محددة تتعلق بنشاطات غير قانونية تتعدى التظاهر بدون إذن.

وسائل التواصل الاجتماعي

نفذت السلطات الفلسطينية عشرات الاعتقالات بسبب الانتقاد على منصات التواصل الاجتماعي، والتي يعتمد عليها الفلسطينيون بشكل متزايد لمشاركة آرائهم، والتواصل مع بعضهم البعض، وتنظيم النشاطات.
في الضفة الغربية، على سبيل المثال، أرسلت قوى الأمن التابع للسلطة الفلسطينية 10 أفراد أمن إلى منزل الناشط عيسى عمرو في الخليل في سبتمبر/أيلول 2017، بعد ساعة من استخدامه “فيسبوك” لانتقاد اعتقال صحفي ودعوته السلطة الفلسطينية إلى احترام حرية التعبير. احتجز عمرو لمدة أسبوع، حيث اتهم بالتخطيط لانقلاب، واتهم على أساس ما كتبه على فيسبوك، من بين أمور أخرى، “إثارة النعرات المذهبية”، و”إطالة اللسان على مقامات عليا”، وتهديد “النظام العام للدولة”. في مايو/أيار 2016، قال حمزة زبيدات، الذي يعمل لصالح منظمة تنموية غير حكومية، ان عناصر احتجزوه يومين وسألوه عن دعوته الفلسطينيين في منشور الذي قال فيه، “سنناضل ضد السلطة كما نناضل ضد الاحتلال” وسألوه عن انتقاده للسلطة وليس حماس.
في غزة، احتجزت شرطة حماس أخصائيا اجتماعيا عمره 28 عاما في أبريل/نيسان 2017، بعد نشره اقتباس على فيسبوك من كتاب للمؤلف الفلسطيني غسان كنفاني. حققت الشرطة معه عن الكتب الأخرى التي قرأها، واتهمته بـ “إهانة الشعور الديني” من بين أمور أخرى، وأطلقت سراحه فقط بعد أن وقع تعهدا بعدم “إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”. كما احتجزت العناصر عامر بعلوشة 15 يوما في يوليو/تموز 2017 بعد أن كتب على فيسبوك “هل ينام أطفالكم [في إشارة إلى قادة حماس] على الأرض مثل أطفالنا؟”، واتهموه بأنه “رأس الفتنة”، وأدعى بأنهم قالوا له “ممنوع تكتب ضد حماس، رح نطخك” (سنطلق النار عليك)، واتهموه “بإساءة استخدام التكنولوجيا”.

الصحفيون

استهدفت كل من السلطة الفلسطينية، التي تسيطر عليها فتح، وحماس الصحفيين، إما الموالين للطرف الآخر أو المحايدين المنتجين للتقارير التي تنتقد سياساتهم.
عام 2017، اعتقلت قوى السلطة الصحفي جهاد بركات، الذي التقط صورة لرئيس الوزراء رامي الحمدالله على أحد الحواجز الاسرائيلية، والصحفي سامي الساعي، الذي شارك قائمة بأسماء الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية مع عضو من حماس في غزة. وفي غزة، اعتقلت شرطة حماس في سبتمبر/أيلول 2016 الصحفي محمد عثمان بسبب نشره وثيقة مسربة تبين استمرار رئيس وزراء سابق للسلطة في غزة باتخاذ قرارات حكومية، واتهمت صحفية أخرى، هاجر حرب، في أغسطس/آب 2016 “بالتشهير” و”عدم توخي الدقة”فيما يتعلق بتحقيق صحفي ادعت فيه الفساد في وزارة الصحة التي تديرها حماس في غزة.
واحتجزت قوات حماس في يونيو/حزيران 2017 الصحفي فؤاد جرادة من “هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية” وحققت معه حول سلسلة من التقارير الاخبارية الناقدة ومنشور على فيسبوك انتقد فيها قطر، والتي كانت حليفة حماس في ذلك الوقت. ثم اعتقلت ابن عمه أشرف في نفس الفترة تقريبا واحتجزتهم الاثنين لأكثر من شهرين واتهمتهم أمام محكمة عسكرية بـ “النيل من الوحدة الثورية”. بعد وقت وجيز، في أغسطس/آب 2017، اعتقلت قوى السلطة 5 صحفيين في الضفة الغربية والذين اعتبرتهم متعاطفين مع حماس. وأخبر المدعون العامون أحدهم، ممدوح حمامرة من بيت لحم، إن مصيره مرتبط بمصير جرادة. أطلقت حماس سراح جرادة يوم 13 أغسطس/آب 2017، وأطلقت السلطة سراح الصحفيين الخمسة في اليوم التالي.

المظاهرات

لدى الفلسطينيون حرية محدودة للمشاركة في المظاهرات السياسية ضد الحكومة في الضفة الغربية وغزة. في الضفة الغربية، اعتقلت قوات السلطة العشرات من أعضاء “حزب التحرير” الإسلامي على خلفية المظاهرات السلمية التي نظمها الحزب في فبراير/شباط 2017 ضد بيع أراضي وقف في الخليل.
في غزة، احتجزت شرطة حماس مئات المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع في يناير/كانون الثاني 2017 للاعتراض على أزمة الكهرباء، ومنهم محمد لافي، ناشط عمره 25 عاما نشر أيضا فيديو موسيقي في اليوم السابق للمظاهرة دعا فيه الناس إلى التظاهر. اتهمت السلطات لافي “بالتحريض ضد الحكومة، والإضرار بالممتلكات العامة، والدعوة للشغب”، بناء على مشاركته في المظاهرات، وأطلقت سراحه فقط بعد أن وقع تعهد بعدم “المشاركة بأي مظاهرات غير مرخصة”. بعد بضعة أسابيع، اعتقلت شرطة حماس الناشط من فتح ياسر وشاح لمدة 7 أيام وحققت معه عن إجراء اتخذه تضامنا مع المتظاهرين المحتجزين على خلفية الكهرباء. كان قد حمل يافطة في شارع رئيسي يقول فيها “لا للاعتقالات السياسية. لا لتكميم الافواه “.

في حرم الجامعات

تراقب أجهزة السلطة الفلسطينية عن كثب الانتقادات الموجهة إلى السلطة في الجامعات. في يناير/كانون الثاني 2017، احتجزت قوى السلطة الأمنية فارس جبور، طالب الهندسة الكهربائية في الخليل، وحققت معه حول مشاركته في حملة الكتاب المنظمة من قبل “الكتلة الإسلامية” الموالية لحماس في حرم الجامعة. وقال جبور لـ هيومن رايتس وواتش إن قوى السلطة اعتقلته 5 مرات سابقة على خلفية نشاطاته السلمية مع الكتلة، وأضاف أن النيابة العامة اتهمته “بحيازة الأسلحة” و”تشكيل الميليشيات” و”ترؤّس عصابة مسلحة” و”غسيل الأموال” إلا أنها أطلقت سراحه بدون إحالته إلى المحكمة. في فبراير/شباط 2017، احتجزت شرطة حماس يوسف عمر، الذي يدرّس التاريخ في “جامعة الأقصى” في غزة، مع 4 أساتذة آخرين بسبب نشاطهم مع نقابة موظفي الجامعة، والتي قاومت محاولة حماس لتعيين رئيس جامعة جديد بدون التشاور مع السلطة الفلسطينية.

معاقل المعارضة

تمارس الشرطة الفلسطينية سلطاتها الأمنية بعدوانية أكبر في المناطق داخل الضفة الغربية وغزة التي تعتبر معاقل المعارضة السياسية. في الضفة الغربية، استهدفت أقسى الأعمال الانتقامية منطقة نابلس، وخصوصا مخيم بلاطة للاجئين، والذي يعتبر قاعدة لمنافس الرئيس محمود عباس الأول محمد دحلان، ومدينة نابلس القديمة، حيث نشأ التوتر في السنوات الأخيرة بين الموالين والمعارضين للسلطة الفلسطينية. وفي غزة، ركزت أعمال القمع أثناء فترة مظاهرات الكهرباء في يناير/كانون الثاني 2017 على مخيمات اللجوء، وخصوصا في البريج وجباليا، حيث تمركزت معظم أعمال التنظيم.

التعذيب والانتهاكات أثناء الاحتجاز

يشير تحقيق هيومن رايتس ووتش المبني على 147 مقابلة أيضا إلى أن إساءة معاملة وتعذيب المحتجزين الفلسطينيين أمر روتيني، وخصوصا المحتجزين من قبل قوات الأمن الداخلي التابعة لحماس في غزة ومراكز الاحتجاز التي تديرها المخابرات، والأمن الوقائي، واللجنة الأمنية المشتركة التابعة للسلطة في أريحا. ويعني الاستخدام المنتظم، والمتعمد، والمعروف على نطاق واسع للتعذيب، باستعمال تكتيكات مشابهة على مدى عدة سنوات، بدون أي إجراءات متخذة من قبل المسؤولين رفيعي المستوى في أي من السلطتين، أن الانتهاكات المذكورة تجعل هذه الممارسات أمرا منهجيا. كما تشير إلى أن التعذيب سياسة حكومية لدى كل من السلطة وحماس.
يمكن أن تشكل الانتهاكات الموضعية أو الشَّبِح، التكتيك الأكثر شيوعا المعتمد من قبل السلطة وحماس، والذي يوازي سنوات من الممارسة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، تعذيبا عندما يتسبب بضرر كبير متعمد. ومع أن السلطة وحماس تنفيان اعتماد وضعية الشبح، إلا أن عشرات المحتجزين قالوا لـ هيومن رايتس ووتش ان العناصر أجبروهم على الخضوع لوضعيات مؤلمة تتسبب بالإجهاد لعدة ساعات في كل مرة، باستعمال خليط من التقنيات التي غالبا ما لا تترك الآثار أو تترك آثارا بسيطة على الجسد.
في الضفة الغربية، غالبا ما تمارس المخابرات، والأمن الوقائي، واللجنة الأمنية المشتركة وضعية الشبح في مراكز الاحتجاز في أريحا، حيث يرسلون المحتجزين السياسيين بشكل منتظم. قال علاء زعاقيق، المحتجز في أبريل/نيسان 2017 على خلفية نشاطاته الجامعية مع الكتلة الإسلامية، إن عناصر المخابرات أجبروه على الوقوف لفترات زمنية طويلة مع فتح ساقيه في وضعية شبه القرفصاء، وفي وقت لاحق، على أصابع قدميه، مع حبل يشد يديه إلى الخلف. وقال إن أحد المحققين المعروف باسم “العصار” قال له “راح تطلع من هون على كرسي مشلول” و”راح ندفّعك ثمن الانقلاب الي بصير في غزة”. وفي نفس مركز الاحتجاز، قبل ذلك بشهرين، قال الصحفي سامي الساعي إن العناصر رحبوا به بقولهم، “ولك عضلات كان يجوا عنا ونفّسوا” (كان لدينا أشخاص دخلوا إلى هنا مع عضلات وخرجوا بدونها). ربطوا يديه بحبل معلق في سقف غرفة التحقيق وبدأوا بسحب الحبل تدريجيا للضغط على يديه، ما تسبب له بالكثير من الألم لدرجة أنه اضطر لأن يطلب من أحد العناصر أن يرفع له بنطاله بعد استعمال الحمام لأنه لم يتمكن من فعل ذلك بنفسه.
في غزة، وضع عناصر الأمن الداخلي المحتجزين في غرفة تسمى “الباص”، حيث يجبر العناصر المحتجزين على الوقوف أو الجلوس في كرسي أطفال صغير لعدة ساعات أو حتى أيام، مع استراحات قليلة. أمضى موظف حكومي في السلطة الفلسطينية، اعتقل بعد أن وسم أحد أصدقائه اسمه في منشور على فيسبوك يدعو للمظاهرات على أثر أزمة الكهرباء، معظم أيامه في مركز احتجاز مدينة غزة للأمن الداخلي يتعرض للإساءة الموضعية في الباص، ما تسبب بشعوره “بألم شديد في الكلى والعمود الفقري” وكأن عنقه “سينكسر” و”جسده يتمزق من الداخل”. أما الصحفيان أشرف وفؤاد جرادة فأمضيا معظم شهرهما الأول في الباص، حيث أجبرا من قبل عناصر الأمن على التناوب بين الوقوف والكرسي.
تعتمد القوى الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة بشكل منتظم التهديد بالعنف، والإهانة، والحجز الانفرادي، والضرب، ويشمل هذا جَلْد المعتقلين والفَلَقة على أقدامهم، لحثهم على الاعتراف، ومعاقبة وتخويف النشطاء. عندما رفض عضو حزب التحرير فواز الحرباوي الإجابة على الأسئلة خلال التحقيق، هدده أحد المحققين بكسر ساقيه. وجلد العناصر في مركز احتجاز المخابرات في أريحا طالب الهندسة الجبور وضربوه على جنبه بالخرطوم، أثناء تعريضه لوضعية الشبح وقالوا له، “إذا ما اعترفت في الخليل، راح تعترف هون”. وفي جلسة لاحقة، تناوب العناصر بين ركله وضربه بالهراوة، وهم يقولون له، “إنتو بتتبعوا حماس، وهم بيضحكوا عليك. جاييك يوم. إذا ما حكيت راح تشوف إلي عمرك ما شفتو” (أنت من الموالين لحماس وهم يخدعونك. سيأتي يومك إذا لم تتكلم سترى ما لم تره في حياتك). ووضعوه في زنزانة انفرادية، وعزلوه عن باقي السجناء لمدة أسبوع.
في غزة، وبخ أحد العناصر وشاح، الناشط في فتح، بسبب كتابته عن “المواضيع الحساسة” مثل البطالة والإهمال الطبي. قال له، “المرة القادمة، سأسبب لك إعاقة دائمة”، ووضعوه في الباص 3 أيام. وقال أموم، الموالي لدحلان، إن العناصر ضربوا قدميه وصدره بسلك حتى شعر أنه “يفقد الوعي”. وقال العناصر لعثمان، الصحفي، إنهم “سينهون مستقبله الصحفي” إذا “انتقد الحكومة أو الجهاز الأمني”، ووضعوه في الباص. بعد شهرين من إطلاق سراحه، غادر عثمان غزة نتيجة لمضايقات ويقول إنه لا ينوي العودة.
كما تعتمد السلطات بشكل منتظم تكتيكات مشابهة، وفي بعض الأحيان مع درجة أكبر من الحدة، مع المحتجزين على خلفية تهم تتعلق بالمخدرات أو جرم آخر بهدف انتزاع اعترافات. في الضفة الغربية، قال صبي عمره 17 عاما إن القوى الأمنية اعتقلته لمدة أسبوع وعذبته بشكل متكرر في أبريل/نيسان 2017. ربط عناصر الشرطة يديه خلف ظهره ورفعوهما ببطء ثم ضربوا أقدامه وساقيه بشكل متكرر بالهراوة. وعندما لم يعد بإمكانه تحمل الألم، اعترف بسرقة بعض المعدات الزراعية. قال ساري سماندر، مقدسي فلسطيني احتجز بعد شجار في الشارع في يونيو/حزيران 2017، إن عناصر شرطة السلطة الفلسطينية نعتوه بـ “المسيحي الخنزير” وقالوا “إنتم بدكم داعش يجيكم”، ولكموه وركلوه وضربوا جسمه بالحائط بشكل متكرر.
في غزة، قال عماد الشاعر، مزارع محتجز بتهمة حيازة المخدرات، إن الشرطة ربطت يديه بسلك موصول بالسقف وأقدامه بالشباك، وتركوه معلق مع جلد أقدامه وجسده بشكل متكرر بسلك، قائلين له، “ستموت هنا إذا لم تتكلم”. واعترف الشاعر. رغم قضائه يوم واحد في الاحتجاز فقط، أمضى 5 أيام في المستشفيات وهو ينتقل بين الوعي واللاوعي ويتلقى العلاج لإصابات ارتبطت بمعاملته خلال الاحتجاز، شملت بصق الدم، والفشل الكلوي، وانسداد في وعاء دموي رئيسي، بحسب التقارير الطبية والصور التي راجعتها هيومن رايتس ووتش.
في الضفة الغربية، تجري أصعب حالات المعاملة التي تحدث عنها المحتجزين في مركز الاحتجاز التابع للجنة الأمنية المشتركة في أريحا، حيث يُجبر العناصر المحتجزين على الخضوع لوضعية الشبح بشكل منتظم ويضعونهم لفترات طويلة في زنازين انفرادية صغيرة معزولين عن الآخرين.[3] وقال شاب من بلاطة إن العناصر عرضوه مرتين للصدمات الكهربائية وفي مرة ربطوا سلك حول قضيبه، وإنه شاهد العناصر يخلعون كتف محتجز آخر، بينما كانت يدا هذا المحتجز مربوطتين خلف ظهره، أثناء ضربه بكرسي، وهي رواية أكدتها أسرة المحتجز الآخر بعد أن زارته في مقر الاعتقال.

أثر مخيف

عدا عن الاعتقال والتعذيب، تعتمد السلطات عدة تكتيكات أخرى لمعاقبة وثني النشطاء الآخرين، ومنها مصادرة أجهزتهم الالكترونية، وترك التحقيقات مفتوحة، وإجبار المحتجزين على التعهد بعدم المشاركة في نشاطات معارضة مستقبلية. وغالبا ما يضغط محققو السلطة الفلسطينية وحماس على المحتجزين لتمكينهم من الدخول إلى هواتفهم النقالة وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم. يمكن للحكومات بسهولة استعمال التكنولوجيا لنسخ كافة التفاصيل من الهواتف النقالة المصادرة، وتشمل قوائم الاتصال. قال الصحفي من نابلس طارق أبو زيد إنه أعطى كلمة سر حسابه على فيسبوك لكي يتوقف العناصر عن تعريضه لوضعية الشبح وضربه في مايو/أيار 2016، عندما احتجزوه بسبب نشره تقرير حول تعذيب السلطة الفلسطينية. وبعد أن اعتقلته المخابرات مرة أخرى في أغسطس/آب 2017، حققوا معه حول عدة منشورات على فيسبوك كانوا قد طبعوها. في غزة، منح معلم الرياضيات في “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى” (الأونروا) عبدالله أبو شرخ (54 عاما)، المحتجز بسبب انتقاده تعليقات لقائد حماس تفيد بأن غزة مستقرة ومزدهرة، كلمة السر الخاصة بحسابه على فيسبوك بعد أن هددت السلطات بسجنه 6 أشهر في حال رفض ذلك. بعد 4 اعتقالات بين يناير/كانون الثاني 2017 و يناير/كانون الثاني 2018، وفترات طويلة أمضاها في الباص، قال، “قررت أن أتركهم لوحدهم، حتى يتركوني لوحدي”.
في الضفة الغربية، كثيرا ما تطلق السلطة الفلسطينية سراح المحتجزين بدون إسقاط التهم عنهم، حتى تبقى التهم تهدد المحتجزين السابقين وتستعمل كذريعة محتملة للاستدعاءات أو الاعتقالات المستقبلية. تُصعب اللغة المبهمة في أجزاء من قانون العقوبات وقانون الجرائم الالكترونية، الصادر في 2017 والمعدل في 2018، والذي يمنح السلطات صلاحيات واسعة لرصد وتقويض النشاطات الالكترونية، من معرفة الناس أي نوع من التعبير يشكل جريمة. كما تحتجز بشكل مستمر المعارضين أو تستدعيهم إلى التحقيق كإجراء عقابي أو لإسكاتهم.
في غزة، تشترط السلطات باستمرار توقيع تعهد بعدم المشاركة في نوع التعبير السلمي الذي أدى إلى احتجازهم لإطلاق سراح المحتجزين.

انعدام المساءلة

في غزة والضفة الغربية، تمتنع السلطات الفلسطينية روتينيا عن مساءلة القوى الأمنية بشأن الاعتقالات التعسفية أو استعمال القوة المفرطة، أو سوء المعاملة، أو تعذيب المحتجزين. ولم تؤد الرقابة الخارجية إلى وقف الانتهاكات الروتينية، مع أن الرقابة كان ينبغي أن تصبح أقوى بعد انضمام فلسطين في ديسمبر/كانون الأول 2017 إلى البروتوكول الاختياري لـ “اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة” (اتفاقية مناهضة التعذيب) وبعد بِدأ السلطات بالمداولات حول كيفية إيجاد نظام رقابة يشمل الزيارات الفجائية، كما يتطلب البروتوكول. سجل المواطنون ومجموعات حقوق الإنسان مئات الشكاوى من خلال آليات تظلّم داخلية ضمن كل جهاز. إلا أن السلطات لم تتخذ إجراءات تأديبية في غالبية الحالات، حيث أدى عدد قليل منها إلى عقوبات إدارية أو إحالات إلى الادعاء الجنائي. بالرغم من قدرة المدعين العامين العسكريين على مقاضاة الانتهاكات المرتكبة من قبل أفراد القوى الأمنية بشكل مستقل بغض النظر عن رتبتهم، لم تجد هيومن رايتس ووتش حالة واحدة أدين فيها أحد أعضاء القوى الأمنية بالاحتجاز التعسفي أو إساءة معاملة المحتجزين.
تعني حالات الاعتقالات التعسفية والتعذيب المنتشرة أن السلطات الفلسطينية تنتهك مجموعة من اتفاقيات حقوق الإنسان التي انضمت إليها خلال السنوات الخمس الأخيرة. قالت سلطات حماس في رسالة إلى هيومن رايتس ووتش إنها تلتزم بالتمسك بجميع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها السلطة الفلسطينية. تحدد المعايير القانونية الدولية حقا قويا في حرية التعبير؛ وتمنع التعذيب منعا باتا، بالإضافة إلى منعها للمعاملة القاسية، اللاإنسانية أو المهينة. ويعكس القانون الأساسي الفلسطيني هذه الالتزامات، حيث ينص على أن “لكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام القانون”. يقيد القانون الأساسي السلطات في الاحتجاز التعسفي وتعذيب المحتجزين.
قالت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب أن “التعذيب يمارس بصورة منتظمة حين يكون من الواضح أن حالات التعذيب المبلغ عنها لم تحصل مصادفة في مكان معين أو في وقت معين، بل يتبين أنها اعتيادية ومنتشرة ومتعمدة في جزء كبير من أراضي البلد المعني على الأقل”. بصفتها جريمة تخضع للولاية القضائية العالمية، تلزَم الدول باعتقال والتحقيق مع أي شخص على أراضيها يشتبه بمصداقية في مشاركته في التعذيب في أي مكان ومقاضاته أو تسليمه للعدالة. وتوضح اتفاقية مناهضة التعذيب أن “الممارسين للسلطات العليا – وتشمل المسؤولين العامين – لا يمكنهم تجنب المساءلة أو تجنب المسؤولية الجنائية للتعذيب أو المعاملة المسيئة المرتكبة من قبل المرؤوسين حيثما كانوا يعلمون أو كان عليهم أن يعلموا بأن هذا السلوك غير المقبول كان يحصل، أو كان من المرجح أن يحصل، أو لم يتخذوا الإجراءات الرادعة المعقولة والضرورية”.
يشكل التعذيب جريمة ضد الانسانية عندما يكون جزءا من “اعتداء على السكان المدنيين” بطريقة واسعة النطاق أو منظمة، ما يعني أن ارتكاب الجريمة يشكل جزءا من التخطيط الخاص بالدولة أو المنظمة، أو سياسة متبعة من قبلها، وهي قابلة للتقاضي أمام “المحكمة الجنائية الدولية”.
تدعو هيومن رايتس ووتش الرئيس عباس إلى التعهد علنا بوضع حد للاعتقالات التعسفية، والتعذيب، وحصانة القوى الأمنية. كما تدعوه إلى تمكين هيئة حكومية مستقبلة من تفتيش أماكن الاحتجاز والتحقيق وملاحقة ادعاءات سوء المعاملة. وينبغي للمدعين العامين الامتناع عن اتهام المدعى عليهم بناء على أقسام مبهمة الصياغة في قانون العقوبات والمستخدمة لتنفيذ الاعتقالات على خلفية النقد السلمي للسلطات، وينبغي للقوى الأمنية التوقف عن اعتقال، واحتجاز، واتهام الأشخاص بسبب المعارضة السلمية.
ينبغي لسلطات حماس أيضا التعهد بوضع حد للاحتجاز التعسفي والتعذيب، وإيجاد آلية للإشراف على ممارسات الاحتجاز لديها. وينبغي للمدعين العامين الامتناع عن توجيه تهم “النيل من الوحدة الثورية” أو “إساءة استخدام التكنولوجيا” لملاحقة الأشخاص على خلفية التعبير النقدي السلمي. كما ينبغي لهم التحقيق بطريقة شاملة، ومحايدة، وسريعة في جميع ادعاءات الانتهاكات، وملاحقة أفراد القوى الأمنية الذين تتوفر أدلة على مسؤوليتهم الجنائية.
ينبغي للسلطات الفلسطينية تنفيذ الاتفاقيات التي صادقت عليها فلسطين، وخصوصا اتفاقية مناهضة التعذيب والبروتوكول الاختياري، وتأسيس هيئة وطنية للإشراف على مواقع الاحتجاز.
تعتمد السلطة الفلسطينية وحماس بشكل كبير على الدعم الخارجي. خصصت الولايات المتحدة 60 مليون دولار أمريكي سنويا على شكل مساعدات غير قاتلة لـ “ضبط المخدرات وإنفاذ القانون” للقوى الأمنية في السلطة الفلسطينية للعام المالي 2018 و35 مليون دولار أمريكي للعام المالي 2019 بهدف “دعم استدامة وفعالية القوى الأمنية في السلطة الفلسطينية ووزارة الداخلية على المدى البعيد”. استثنى الكونغرس هذه الأموال من قيود مارس/آذار 2018 على مساعدات الولايات المتحدة إلى السلطة الفلسطينية. تقدم الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وعدد من الدول الأوروبية التدريب وأنواع دعم أخرى لقوى السلطة الأمنية. بالنسبة لحماس، سلط يحيى سنوار في مايو/أيار 2018 الضوء على دعم إيران، مشيرا إلى أنها “قدمت لنا الكثير من الموارد، التي ساعدتنا على تنمية قدراتنا”. كما قدمت قطر وتركيا الدعم المالي لسلطات حماس. ينبغي على هذه الدول تعليق مساعدتها لقوى الأمن المتورطة في الاعتقالات التعسفية والتعذيب على نطاق واسع، منها جهازا الأمن الوقائي والمخابرات العامة واللجنة الأمنية المشتركة، التابعة للسلطة الفلسطينية، وجهاز الأمن الداخلي التابع لحماس، إلى أن تأخذ السلطات خطوات ملموسة لإنهاء الاعتقالات التعسفية والتعذيب. الانخراط مع أجهزة الأمن الفلسطينية يجب أن يركز على إنهاء الاعتقالات التعسفية والتعذيب، وضمان المحاسبة على التعذيب، والاعتقالات التعسفية، والجرائم الخطيرة الأخرى.
ينبغي للمدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا اعتبار الاعتقالات ومعاملة المحتجزين من قبل السلطة الفلسطينية وحماس كجزء من أي تحقيق مستقبلي في الوضع القائم في فلسطين. وبسبب الأدلة القوية التي تشير إلى ارتكاب الجرائم في فلسطين منذ العام 2014، دعت هيومن رايتس ووتش بنسودا إلى فتح تحقيق رسمي تماشيا مع “نظام روما الأساسي” الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية.
كما ينبغي أن تدقق منصات التواصل الاجتماعي في الطلبات الحكومية للحصول على بيانات المستخدمين، وتشمل تلك الواردة من السلطة الفلسطينية، وأن تمتنع عن الإفصاح عن البيانات للحكومات عندما قد يساهم الإفصاح في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
تتحدث السلطة وحماس بشكل منتظم عن الاستقلال الفلسطيني والوحدة الفلسطينية، إلا أن احتجاز الخصوم والنقاد وتعذيبهم يقوض أفضل حجة تستخدمانها: الوعد بحرية أكبر. ستتطلب المصالحة الوطنية التعامل مع هذه الانتهاكات الخطيرة، ومساءلة مرتكبيها، وتفكيك آليات الاضطهاد التي تعتمدانها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق