السلايدر الرئيسيحقوق إنسان

غالبية قوانين الكنيست الأخيرة تم سنّها بغرض قمع الحريات والملاحقات السياسية والعقوبات الجماعية

فادي ابو سعدى

– رام الله – من فادي ابو سعدى – أقرت اللجنة الوزارية لشؤون التشريعات في الحكومة الإسرائيلية، 21 تشرين الأول الجاري، مشروع قانون سعت له وزيرة الثقافة منذ نحو عامين، يجيز للوزيرة حجب ميزانيات عن مؤسسات ومراكز ثقافية، إذا كان ضمن نشاطاتها ما يتعارض مع السياسات الإسرائيلية، وما ينقض تعريف إسرائيل لذاتها. وهو قانون يستهدف أساسا مؤسسات فلسطينيي الداخل، ولكن أيضا مؤسسات وفنانين إسرائيليين من ذوي التوجهات اليسارية والديمقراطية .

ويندرج هذا القانون، وفق مركز مدار للدراسات الإسرائيلية، ضمن سلسلة طويلة، من القوانين تضرب حقوق الإنسان، وحرية التعبير والعمل السياسي، محليا وعالميا، وأيضا تفرض عقوبات جماعية، وتزيد عقوبات على قضايا بشكل حاد.

ويقضي قانون الثقافة الجديد، بمنح صلاحية للوزير بحجب ميزانيات ثقافة عن مؤسسات إذا كان ضمن نشاطاتها، ما يتعارض مع تعريف إسرائيل كدولة “يهودية وديمقراطية”، أو أن تعتبر “يوم الاستقلال” الإسرائيلي، ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني، أو فيها ما يمس بشعارات الدولة، أو ما يعتبر تحريضا عنصريا، أو تحريضا على العنف والإرهاب، بموجب التعريف الإسرائيلي للإرهاب، بمعنى مقاومة الاحتلال المشروعة.

هذا القانون سيضاف إلى سجل ضخم من القوانين التي أقرها الكنيست في ولايته الـ20 الحالية، أو أنها في مسار التشريع، أو مدرجة على جدول الأعمال، تهدف إلى تقييد حرية التعبير، ومنح غطاء للملاحقات السياسية، وأيضا فرض عقوبات جماعية، على أفراد من دون قيامهم بعمل ما. وهذه القوانين التي أقرت تباعا، بدأنا نلمسها على أرض الواقع، بشكل خاص في السنوات الثلاث الأخيرة. ونحن نستعرضها هنا.

وبالإمكان القول، إن هذه القوانين، هي غالبية القوانين التي أقرها الكنيست بشكل نهائي، ضمن فئة القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان، التي يرصدها مركز “مدار” للدراسات والأبحاث الإسرائيلية، في رام الله، منذ بدء الولاية البرلمانية الحالية.

فالملاحقات السياسية، والاعتقالات الانتقامية، كانت جارية على مدار العقود السبعة الماضية، وما كانت بحاجة لوابل القوانين، التي سنستعرضها في هذا التقرير. ولكن هناك من سعى في المؤسسة الحاكمة، والدوائر الحزبية والسياسية المرافقة لعملها، إلى سد ما اعتبروه “ثغرات” في القوانين القائمة، سمحت لضحايا هذه السياسات، بأن يفلتوا من عقوبات، وأثمان سياسية، أرادتها المؤسسة، من خلال جهاز النيابة.

كذلك، فإن هذه السياسة العنصرية والقمعية، باتت أيضا سياسة انتقامية، خرجت عن حدود البلاد، مثل ملاحقة ناشطين حقوقيين وسلاميين، داعمين لحقوق الشعب الفلسطيني. كما طالت أيضا بشكل خاص، ملاحقة مراكز إسرائيلية، وناشطي سلام إسرائيليين، من خلال قوانين وأنظمة تهدف إلى تقييد حركتهم، وحتى شل عملهم، بعقوبات مالية وضريبية.

ففي العام الأخير، كثرت الملاحقات السياسية ضد ناشطين وقيادات من فلسطينيي 48، على خلفية منشورات وخطابات، عدا عن اعتقالات لمجرد تنظيم نقل مصلين إلى المسجد الأقصى. وكثرت الحالات التي يتم فيها منع ناشطين من العالم، مناصرين لحقوق الشعب الفلسطيني، من دخول البلاد. في حين تعرّض ناشطون إسرائيليون، وأيضا أميركان يهود في المطار الدولي لاستجوابات طويلة، على يد المخابرات الإسرائيلية، على خلفية نشاطهم السياسي. وتم فرض قيود تمنع دخول ممثلي منظمات حقوقية إسرائيلية، تلك التي تلاحق جرائم الاحتلال وجيشه، إلى المدارس لتقديم محاضرات، في إطار التعددية السياسية، بمعنى أنه بات محظورا في المدارس الإسرائيلية، ظهور أشخاص مناهضين للاحتلال الإسرائيلي، وللجرائم التي يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني.

كذلك، فإن وتيرة التضييق على النشاط البرلماني آخذة بالازدياد، وكثرت وتيرة إبعاد النواب عن أيام عمل الكنيست، من بضعة أسابيع إلى بضعة أشهر.

ومنذ بدء عمل الولاية البرلمانية الـ 20، في أيار 2015، وحتى الآن، تم سن 23 قانونا بشكل نهائي، وخمسة قوانين منها، تضم بنودا، هي بالأصل 6 مشاريع قوانين، قدمت لذات الغرض، وجرى دمجها في مشاريع قوانين حكومية. كذلك هناك قانونان اثنان، تم إقرارهما بالقراءة الأولى، وهما في مرحلة الإعداد للمرحلة النهائية من التشريع، وأحدهما جاهز للتصويت عليه. كما أن الولاية البرلمانية أقرت حتى بالقراءة التمهيدية 9 قوانين من ذات فئة القوانين القمعية. في حين أنه مدرج على جدول الأعمال أكثر من 20 مشروع قانون، آخرها ما تم تقديمه مع بدء الدورة الشتوية الحالية، في منتصف تشرين الأول الجاري، ويحظر رفع العلم الفلسطيني في المظاهرات والاجتماعات الشعبية.

والقانون القمعي الأوسع والأشمل، كان قانون ما يسمى “مكافحة الإرهاب”، وهو قانون واسع جدا ومتشعب، استغرق تشريعه 7 سنوات. وإحدى العقبات التي وقفت أمام تمريره في سنوات مضت، كان تعريف الإرهاب، ففي صياغات سابقة، سعت إسرائيل إلى أن يكون مفهوم الإرهاب من طرفها، هو كل عمل يستهدف إسرائيل ومواطنيها، لكون إسرائيل “دولة يهودية”. وأدركت إسرائيل لاحقا إن هذه الصيغة ستلقى معارضة دولية. وكان الهدف الإسرائيلي، عدم شمل عصابات مستوطنين، واليمين الإرهابي، في محاكمات على خلفية جرائمهم الإرهابية.

وللخروج مما هذا “المأزق”، فقد اختلقت إسرائيل جُرم الكراهية، بمعنى جرائم ترتكب على خلفية كراهية، وهي جرائم لا تسري عليها أحكام وقيود جرائم “الإرهاب”. وبطبيعة الحال، فإن من يقرر نوعية الجريمة ضد المتهم هي النيابة العامة، ما يعني ضمان عدم توجيه تهم ارتكاب جرائم إرهابية ضد المجرمين الإسرائيليين.

ومفهوم الإرهاب هذا تغلغل في العديد من القوانين، لغرض القمع والحد من حرية التعبير، وتمكين الملاحقات السياسية. وهكذا بات الكفاح الفلسطيني، وكل أشكال المقاومة، من المقاومة الشعبية وحتى المسلحة، هي إرهاب. فمثلا سنرى لاحقا، حظر ترشيح شخص للانتخابات البرلمانية، في حال كان “داعما للإرهاب”. بمعنى أنه يكفي للشخص أن يعلن دعمه للنضال الفلسطيني، كي يكون معرضا لحرمانه من الترشح للكنيست.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق