سمير عطا الله
هاجرنا إلى بريطانيا منذ أربعين عاماً على وجه الضبط. وأمضينا في لندن نحو ربع قرنٍ إقامة متواصلة وقد رُزِقنا بتلك المدينة التي لا شبيه لها بابني وابنتي وأُعطينا جميعاً الجنسية البريطانية. وقد وصلتنا الجنسية بالبريد عام 1989 مع تحيات الملكة، من دون أن نقابلَ أحداً أو نقف على باب أحد أو في طابور أحد. وخلال ربع قرن لم يدخل بريطاني إلى بيتي ولا دخلت إلى منزل بريطاني. عملت كلياً بموجب المثل الإنجليزي القائل «اهتم بشؤونك ودعك من شؤون الآخرين». السعادة هي أكثر الأشياء نسبيةً في الحياة، ولكن بمقاييس كثيرة كانت إقامتي في لندن الأكثر هناءً بهذا العمر. ولست أعرف لماذا، ولا أريد أن أحدد سبب هذا الشيء الثمين. فقد كانت السعادة مثلاً المشي لساعات طويلة في «الهايد بارك» أو في «البال مال». بل كانت ثمة سعادة أو متعة في التسكع في شوارع شرق لندن الذي كان بائساً ذات زمن ومليئاً بالحكايات التعيسة، وفيه كتب تشارلز ديكنز وغيره تلك الأعمال العظيمة والمحزنة.
وبعد ربع قرن صرت إذا سُئِلتُ ما هو موطني أجيب بعفوية سريعة إنه لندن. فقد أنستني سحر بيروت وشبابها، وأنستني خصوصاً أوهام باريس التي كانت تُغري وتغمُرُ القادمين من أنحاء العالم. لذلك طالما كتبت في هذه الزاوية خلال 33 عاماً عن الوفاء للمدينة التي جعلت من نفسها موطناً لنا من دون أي تمييز أو شروط أو متطلبات. كلُ ما في الأمر أننا ذهبنا إلى أقرب مكتب محاماة لكي نقسم يمين المواطنة، وكلّفنا الأمر يومها ليرتين عن الشخص أي أقل من 5 ليرات للعائلة.
أرسلنا ابني وابنتي إلى المدرسة الفرنسية التي كانت الأقرب إلينا والأقل كلفةً بين جميع المدارس الخاصة. ولأن الدنيا أقدار، فقد برع الابن في الكتابة في الإنجليزية والفرنسية معاً، ونجحت الابنة الحبيبة في الفرنسية وكأنها لم تولد في لندن ولا تقيم فيها. وعندما كَبُرَ الابن انصرف إلى الكتابة والتأليف والعمل في مجال النشر. وبما أنني منذ اللحظة الأولى لا أتدخل في أي شأنٍ من شؤونه، إن لم يختر هو أن يطلعني عليه، فإنني لا أُتابع «البلوغ» الذي يكتبه إلا لماماً. الأسبوع الماضي أعاد في زاويته نشرَ مقالٍ كتبه في مجلة «ج ك» التي تصدر في نيويورك ولها طبعات كثيرة حول العالم. وقد أحزنني أن ابني يتحدّث عن لندن أخرى غير تلك التي ولد فيها أو التي عشنا فيها. إنها لندن يُصادف فيها الشبان مواقف عنصرية. بل هو يروي كيف اعترضته مجموعةٌ من الشبان ذات مساء لأنه كان يتحدّث العربية مع زوجته، إضافة إلى أنه يُرخي منذ أول سنوات البلوغ، لحيةً كثة.
إلى اللقاء..
وبعد ربع قرن صرت إذا سُئِلتُ ما هو موطني أجيب بعفوية سريعة إنه لندن. فقد أنستني سحر بيروت وشبابها، وأنستني خصوصاً أوهام باريس التي كانت تُغري وتغمُرُ القادمين من أنحاء العالم. لذلك طالما كتبت في هذه الزاوية خلال 33 عاماً عن الوفاء للمدينة التي جعلت من نفسها موطناً لنا من دون أي تمييز أو شروط أو متطلبات. كلُ ما في الأمر أننا ذهبنا إلى أقرب مكتب محاماة لكي نقسم يمين المواطنة، وكلّفنا الأمر يومها ليرتين عن الشخص أي أقل من 5 ليرات للعائلة.
أرسلنا ابني وابنتي إلى المدرسة الفرنسية التي كانت الأقرب إلينا والأقل كلفةً بين جميع المدارس الخاصة. ولأن الدنيا أقدار، فقد برع الابن في الكتابة في الإنجليزية والفرنسية معاً، ونجحت الابنة الحبيبة في الفرنسية وكأنها لم تولد في لندن ولا تقيم فيها. وعندما كَبُرَ الابن انصرف إلى الكتابة والتأليف والعمل في مجال النشر. وبما أنني منذ اللحظة الأولى لا أتدخل في أي شأنٍ من شؤونه، إن لم يختر هو أن يطلعني عليه، فإنني لا أُتابع «البلوغ» الذي يكتبه إلا لماماً. الأسبوع الماضي أعاد في زاويته نشرَ مقالٍ كتبه في مجلة «ج ك» التي تصدر في نيويورك ولها طبعات كثيرة حول العالم. وقد أحزنني أن ابني يتحدّث عن لندن أخرى غير تلك التي ولد فيها أو التي عشنا فيها. إنها لندن يُصادف فيها الشبان مواقف عنصرية. بل هو يروي كيف اعترضته مجموعةٌ من الشبان ذات مساء لأنه كان يتحدّث العربية مع زوجته، إضافة إلى أنه يُرخي منذ أول سنوات البلوغ، لحيةً كثة.
إلى اللقاء..
الشرق الأوسط اللندنية