أقلام يورابيا
من حق الأردن إنهاء مُلحَقي الباقورة والغمر… ولكن كيف سيواجه الخيارات الأسرائيلية؟
د. موسى الرحامنة
د. موسى الرحامنة
من المعلوم بأن أراضي الباقورة والغمر هي أراضي أردنية تم استعادتها بعد اتفاقية السلام المعقودة مع اسرائيل، وبالرغم من خضوعهما للسيادة الاردنية، الا أنه قد تم تطبيق نظام خاص بهما بموجب الملحق (1 / ب ) الخاص بمنطقة الباقورة والملحق (1/ج) الخاص بمنطقة الغمر، واللذين يعتبران جزءاً لا يتجزأ من معاهدة السلام بين الاردن واسرائيل، والتي جرى توقيعها رسمياً وبرعاية امريكية في وادي عربة جنوب الاردن بتاريخ 26/10/1994.
هذه المقالة تأتي عقب التصريح الملكي، وتوجيه الحكومة لإبلاغ الجانب الإسرائيلي لانهاء العمل بهذين الملحقين، وفقاً لما هو منصوص عليه فيهما، ولكي تبدو الصورة جلية واضحة فلا بد من تناول مضمون هذين الملحقين أولاً، ثم الحديث عن الخيارات المتاحة أما الطرفين .
أولاً : تنص المادة الثالثة من اتفاقية السلام المعقودة بين الطرفين في بندها الثامن والتاسع على الاخذ بعين الاعتبار الاوضاع الخاصة بمنطقة الباقورة والتي هي تحت السيادة الاردنية وفيها حقوق امتلاك اسرائيلية ويقرر الطرفان تطبيق الاحكام المنصوص عليها في الملحق 1(ب) وأما فيما يتعلق بمنطقة الغمر تطبق أحكام الملحق 1(ج).
ثانياً : يتحدث الملحق الاول الخاص باراضي الباقورة عن حقوق التصرف لملاك الاراضي من الاسرائيليين ومصالح مملوكة لدولة إسرائيل وقد اطلق عليهم الملحق وصف (المتصرفون بالارض)، بينما يتحدث الملحق الثاني الخاص باراضي الغمر عن حقوق استعمال للاراضي من قبل الاسرائيليين .
ثالثاً : يفرض الملحقان على الاردن باعتباره صاحب السيادة الاصيل على هذه الاراضي جملة من الالتزامات والتعهدات :
أ- عدم تقييد حرية المتصرفين بالارض او مستعميلها وضيوفهم أو مستخدميهم، والسماح بالدخول إليها والخروج منها واستعمالها والحركة ضمن حدودها والسماح بالتخلي بحرية عن حقوقهم بالتصرف بالأرض او باستعمالها وفق القانون الأردني المعمول به.
ب – عدم تطبيق التشريعات الاردنية المتعلقة بالهجرة والجمارك على المتصرفين بالأرض أو ضيوفهم أو مستخدميهم الذين يعبرون من إسرائيل إلى المنطقة بهدف الوصول إلى الأرض لغرضي الزراعة أو السياحة أو أي غرض آخر يتفق عليه.
ج – عدم فرض ضرائب تمييزية أو رسوم تمييزية على الأرض أو الأنشطة ضمنها.
د – اتخاذ الاجراءات اللازمة لحماية أي شخص يدخل المنطقة وعدم مضايقته أو إيذائه.
هـ – السماح لرجال الشرطة الإسرائيلية الدخول بلباسهم الرسمي، إلى المنطقة للتحقيق في الجرائم أو معالجة الحوادث ذات الصلة حصرا بالمتصرفين بالأرض او مستعميلها أو ضيوفهم أو مستخدميهم.
رابعاً : يفرض هذان الملحقان على دولة إسرائيل جملة من الالتزامات تنبع من إعتراف اسرائيل بالسيادة الاردنية على هذه الاراضي وتُجملُ فيما يلي :
أ – عدم القيام أو السماح بقيام أية نشاطات في المنطقة من شأنها الإضرار بأمن الأردن أو سلامته.
ب – عدم السماح لأي شخص يدخل المنطقة بحمل أية أسلحة من أي نوع، ما لم يُرخص له بذلك من قبل السلطات الأردنية المختصة، وذلك بعد أن يتم النظر بطلبه من قبل لجنة الارتباط .
ج – عدم السماح بإلقاء الفضلات من خارج المنطقة إلى داخلها.
خامساً : هذان الملحقان ينصان صراحة على خضوع هاتين المنطقتين للقانون الأردني باستثناء الحالتين التاليتين :
أ – القوانين الإسرائيلية التي تنطبق على أنشطة إسرائيليين خارج حدودها يمكن أن تنطبق على الإسرائيليين وأنشطتهم في المنطقة، ولإسرائيل اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتطبيق مثل هذه القوانين.
ب – لا تُطبق القوانين الجنائية الاردنية على الأنشطة في المنطقة، المحصورة بأشخاص من التابعية الإسرائيلية.
سادساً : – دون المساس بالحقوق الخاصة بالتصرف بالأرض في المنطقة يستمر نفاذ هذان الملحقان لمدة خمس وعشرين عاماً، ويجددان تلقائيا لفترات مماثلة، ما لم يخطر أحد الطرفين الطرف الآخر بنيته بإنهاء العمل بهما قبل سنة من انتهائه، وفي هذه الحالة يدخل الطرفان في مشاورات حيالها بناء على طلب أي منهما.
هذه هي المفاصل الاساسية في ملحقي الباقورة والغمر، ولكن السؤال الذي يلقي بظلاله هل قرار الاردن بإنهاء العمل بهذين الملحقين، وعدم رغبته تجديد العمل بهما فعلاً سيطوي هذين الملحقين من سجل معاهدة السلام ؟ وهل ستنزل إسرائيل عند هذه الرغبة الاردنية ؟ من الناحية القانونية وكما يشير البند سادساً وهو النص الحرفي الذي ورد في كلا الملحقين، فإن الأردن له حق خيار إنهاء العمل بالملحق، طالما تحقق الشرط الزمني الذي يسبقه إخطارٌ قبل المدة بعام، وهو ما فعله الاردن وأبلغ اسرائيل رسمياً نيته بعدم التجديد.
إن تصريح الملك بإنهاء العمل بملحقي الباقورة والغمر، لن يقطع الطريق أمام إسرائيل في الدخول في مشاورات مع الجانب الاردني لتجديد العمل بالملحق الخاص بهما مدة مماثلة، لا سيما وأن نص الملحق في هذا السياق يشير الى ان الدخول في المشاورات هو استحقاق يترتب على الاخطار بانهاء العمل بالمُلحَقَين بناء على طلب أحد الاطراف، وهذا الذي حدا برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي صرَّح مباشرة بأن الحكومة الاسرائيلية ستشرع بمشاورات مع الجانب الاردني لتجديد العمل بهذين الملحقين مدة مماثلة، وهذه المشارورات هي النافذة التي تركها الملحق أصلاً مفتوحة لمثل هذا اليوم. فمن ذا الذي سيستفيد من هذه المشاورات ؟ إسرائيل أم الاردن ؟ وهل يستطيع الاردن أن يرفض الدخول في مشاورات مع اسرائيل وفق مقتضى أحكام هذين الملحقين ؟ ويكتفي بالقول أن قرار الانهاء وعدم التجديد نهائي ولا داعي للدخول في هذه المشاورات، قطعاً سيكون الاردن في وضع لا يُحسد عليه في مواجهة ضغوط إسرائيل وحلفائها الاقوياء من جهة، والضغوط الشعبية الداخلية من جهة أخرى، فقد تعالت الاصوات الشعبية والنقابية للدفع باتجاه إنهاء الوضع الخاص بالباقورة والغمر وعودتهما الى السيادة الاردنية الفعلية .
أخطر ردود الافعال على هذا القرار الاردني ذلك الذي ورد على لسان وزير الزراعة الاسرائيلي أوري أريئيل الذي هدد بأن الحكومة الاسرائيلية ستقوم بقطع المياه عن العاصمة عمان، وسيتم تقليص تزويد المياه من اربعة أيام الى يومين في الاسبوع، وهذه أكبر ورقة ضغط من الممكن أن تستخدمها إسرائيل على الاردن الذي يُصنف حالياً بأنه من أفقر ثلاث دول في العالم في مصادر المياه، ومن المعلوم ان هناك ملحقاً باتفاقية السلام بخصوص المياه وهو ما تتحكم به إسرائيل التي تزود بموجبه العاصمة الاردنية عمان بكميات من مياه الشرب .
إذاً، الاردن بيده ملحق الباقورة والغمر، وإسرائيل بيدها ملحق المياه وأدوات ضغط أخرى متعددة ومنها اصدقاء اسرائيل الجدد الذين يملكون التأثير ايضاً على القرار الاردني والذين سيهرعون لنصرتها من غير طلبها . ستشرع أسرائيل بمشاوراتها مع الاردن وستلوح باوراق الضغط التي تملكها، فليس سهلاً أن تقبل إسرائيل بانهاء العمل بهذين الملحقين، لاسباب منها ضغوط المزارعين على الحكومة الاسرائيلية والتي اصبحت هذه الاراضي جزءاً من مسيرة حياتهم لا سيما بأن إسرائيل دولة تقدس الزراعة وتشكل بالنسبة لها رافداً مهماً من روافد الدخل القومي، والأمر الآخر أن منطقة الباقورة تشكل أهمية بالنسبة لأسرائيل لأنها تقع عند ملتقى نهري الاردن واليرموك ولذلك سمتها نهاريم أي النهرين، أما منطقة الغمر فتشكل إمتداداً لاهم المستوطنات الزراعية في إسرائيل وهي مستوطنة تسوفار وقد أطلقت إسرائيل على منطقة الغمر إسم تسوفار نسبة لهذه المستوطنة الزراعية.
فمن حق الاردن إنهاء العمل بهذين الملحقين، ولكن ماذا أعد لمواجهة الخيارات الأسرائيلية ؟