أدهم عامر
على الأرجح .. نعم.
اسأل أي سؤال في محيطك، وستجد فوراً من سيتطوع للإجابة، حتى ولو لم يكن متيقناً من صحة الجواب.
يشعر العربي عموماً بالخجل والحرج من استخدام لفظة : ” لا أعلم ” ولهذا تجده مستعداً دائماً للدفع – حتى ولو بمعلومة خاطئة – لقناعته بأنها أفضل من عدم الإجابة.
كم مرة تابعتم المقابلات واستطلاعات الرأي التي تسبر المعلومات في الشارع؟ وماذا كانت النتائج؟
مُعدّو هذه البرامج يعلمون سلفاً بأن النتائج ستكون ” كارثية ” و يتم بثها كنوع من الترفيه والكوميديا السوداء !
للشائعات التي تنتشر انتشار النار في الهشيم في مجتمعاتنا أيضاً حظوة لا يستهان بها، فهي قائمة على نفس المبدأ، بالإضافة إلى “رشّة ” من الخبث و النوايا السيئة من مروجيها.
نادراً جداً ما تجد شخصاً مستعداً لقول ” لست أدري ” بالفم الملآن دون مواربة أو خجل.
ولهذا غالباً ما نجد العربي متأبطاً استسهال الإجابة تحت إبطه الأيسر، واليقين تحت إبطه الأيمن.
هذه الكارثة المزمنة رسختها الأديان، لأنها حمت اليقين بسياج المقدس.
هذا اليقين كان ولم يزل في معظمه مبنياً على غيبيات وافتراضات، والتاريخ وثّق مجازر مرعبة ارتكبها رجال الدين وحُماته، ضد كل من دافع عن العقل أو تجرّأ على إيقاد شمعة الشك.
تشاركت غادة السمان مقعداً في حافلة مع رجل عجوز في أحد الصباحات الشتوية في مدينة لندن، قالت غادة :
كانت الشمس تتخلّل النافذة، فتبعث دفئاً لذيذاً في أوصالي، قلت لجاري العجوز : إنها مشمسة، فنظر العجوز نحو الشمس بعيون نصف مغمضة وقال : أظن هذا … I guess so
وأضافت: لقد نظر بكلتا عينيه إلى الشمس بنصف إغماضة، ورآها وأحسّ بدفئها، ومع ذلك كانت إجابته خالية من اليقين المغرور الفارغ الذي يتلبسنا نحن العرب إزاء مختلف الأمور، فيجعلنا نطلق أحكاماً نهائية غير قابلة للطعن أو للنقض، ومعظم اليقين الذي تشربناه على مهل منذ طفولتنا، هو يقين بالغيبيات والخرافة، فتعلمت من هذا العجوز بألاّ أنحاز لليقين الأحمق لأنه مقبرة العقل والفكر، وبأن علي أن أُبقي جميع نوافذ الإدراك مفتوحة للشك، ومُطلّة على كل الإحتمالات.