صحف
صحيفة اسرائيلية: بالنسبة لأردوغان.. خاشقجي الميت يجب أن يبقى حيا سياسيا حتى الانتخابات فقط
– رام الله – يكتب تسفي برئيل في صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية، أن الرواية الأخيرة وغير النهائية لـ “التضليل الأكبر” كما وصف الرئيس الأمريكي ترامب التفسيرات السعودية لقتل الخاشقجي، تم إطلاقها أمس من قبل النائب العام السعودي. “القتل تم التخطيط له مسبقا”، قال النائب العام الذي قال إن هذه النتيجة تستند إلى المعلومات التي حصلت عليها لجنة التحقيق السعودية – التركية المشتركة. هذه هي الصيغة الرابعة التي تصدرها السعودية للعالم، حيث تتناقض كل رواية مع الأخرى. يجب أن نتأثر من الصيغة المحدثة للنائب الذي يعرف أن اللجنة المشتركة هي ليست مشتركة. بالتأكيد لا تتعاون وهي مثل يافطة على مكتب غير موجود.
لقد سمحت السعودية للمحققين الأتراك بالدخول إلى ساحة الجريمة فقط بعد أن أزالت منها كل البينات، وقد نفت أي علاقة بالقتل، لهذا لم يكن من ناحيتها أي سبب للتحقيق المشترك. ولكن الآن، حين تتلقى جزء من التوصيات من مكاتب العلاقات العامة الفاخرة التي تشغلها، تحاول العائلة المالكة تقليص الأضرار. الاعتراف بالمسؤولية مطلوب في هذا الوقت لأن من شأنه أن يمنع اتهام أمريكي مباشر والذي كان من شأنه أن ينشر مع انتهاء زيارة رئيسة ألـ سي. أي. إي جينا هابيل في تركيا، حيث استمعت إلى تسجيلات جمعتها الاستخبارات التركية من داخل القنصلية في إسطنبول. طالما أن السعودية هي التي تعترف بالتهمة، فهي تستطيع حسب رأيها أن تصد رد أمريكي بقيامها بمعاقبة المتورطين، وبالأساس تبرئة من يحظر طرحه كمتهم، ولي العهد محمد بن سلمان.
اردوغان لم يكن يستطيع أن يعرف – وأن يأمل – أنه ستسقط بين يديه هدية سياسية جميلة وثمينة جدا، بالتحديد من يدي عدوته السعودية. يمكن التخمين أنه كان يفضل تفجر هذه القضية في وقت أقرب للانتخابات المحلية وأن تغطي على الفشل والانتقاد الذي رافقه في السنة الأخيرة، لكن ما زال بإمكانه لعب هذا الدور في الانتخابات المحلية القادمة. الانخفاض الدراماتيكي للعملة التركية وهروب رؤوس الأموال من تركيا والشرخ في العلاقة مع الولايات المتحدة والذي لم ينته بعد، وأجبر اردوغان على الخضوع لمطلب ترامب بإطلاق سراح القس أندرو برونسون – وكذلك قراره تأييد قطر الذي أدى إلى قطيعة مع السعودية – لكل ذلك انضمت الأمراض الدائمة ومنها نسبة البطالة التي ارتفعت إلى 10.2 في المئة والتضخم والدَين الوطني، التي كان يمكن استخدامها كذخيرة ناجعة جدا من قبل خصومه السياسيين في الانتخابات. هذه لم تختف حقا تماما من الساحة السياسية. ولكن قضية الخاشقجي احتلت معظم الخطاب العام عندما اضطر خصومه للاعتراف بأن اردوغان أدارها بحكمة.
انه يمسك بيديه المعلومات الحاسمة التي يمكن أن تخرب العلاقات بين ترامب والسعودية، لقد قام اردوغان بتقطير الحقائق لقناة “الجزيرة” ووسائل الإعلام الغربية، دون أن يتطاول ويشتم ملك السعودية وابنه الذي يدير الدولة. بهذا نجح اردوغان في تحويل القضية ليس فقط إلى موضوع دولي ابعده عن الانتقاد بسبب قمع حقوق المواطن ووسائل الإعلام في بلاده، بل حوله إلى بؤرة للملاحقة لكسب وده. المكالمات المتواصلة من ترامب، زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو، إرسال هسبيل إلى انقره وتصريح أنجيلا ميركل التي قالت إن تركيا هي حليفة هامة، لم تحل حقا الأزمة الاقتصادية، لكنها حولت اردوغان إلى محور رئيسي في الساحة الدولية. الآن هو أيضا يريد من واشنطن إنهاء العقوبات المفروضة على تركيا، وبذلك مساعدة علاقات تركيا الاقتصادية المتشعبة مع ايران، وأن يحظى بنقاط من موسكو التي تستفيد من الورطة التي وجد ترامب نفسه فيها في علاقته مع السعودية. وهو يستطيع أن يبشر بأن أنظمة صواريخ الـ اس400 التي اشتراها من روسيا وأثارت هزة في الناتو سيتم نصبها في تشرين الأول 2019.
استغلال الموقف
مشكلة اردوغان هي كيف يمكنه الحفاظ على بقاء القضية حية لفترة طويلة كافية لكيلا تسمح لأمور أخرى بتشويش حملته الانتخابية. احدى الطرق هي الدفع من اجل إقامة لجنة تحقيق دولية، تواصل إشغال وسائل الإعلام، وفيها تكون تركيا اللاعب الرئيسي. هنا هو من شأنه حقا أن يصطدم بجدار أمريكي اذا قرر ترامب دفن القضية والاكتفاء بمعاقبة المتورطين المباشرين في عملية القتل. ولكن في حينه يستطيع أن يركب على موجة الانتقاد ضد ترامب.
اردوغان ينوي استغلال هذا الموقف الدولي جيدا في الحملة الانتخابية التي ستجرى في آذار القادم، وهذه لن تكون عملية سهلة، خاصة عندما قرر شريكه في الائتلاف حل وحدة الصف بينهما، وهو ينوي التنافس بصورة مستقلة. الدلائل الأولية تشير إلى شرخ ظهر في خلاف، كما يبدو هامشي، على إعادة “قَسم الطالب” إلى النقاش العام:
“أنا تركي، مستقيم وأعمل بجدية، مبدئي هو الدفاع عن الشباب، وأنا أحترم الكبار، وأحب الوطن والأمة أكثر من نفسي. مبدئي هو أن ارتفع وأتقدم. يا أتاتورك العظيم. الطريق الذي مهدته أنا أقسم بأن أسير فيه بإخلاص من اجل تحقيق الهدف الذي وضعته. وجودي سيكرس لوجود تركيا. كم هو سعيد الشخص الذي يقول أنا تركي”. هذه هي صيغة القسم الذي يطلب من طلاب المدارس الأساسية قوله في طابور الصباح. لقد صاغه وزير التعليم رشيت غاليف في العام 1933، ومنذ ذلك الحين حظي بصيغتين أخريين إلى أن أمر اردوغان في العام 2013 بإلغاء القسم كجزء مما اعتبره “الرزمة الديمقراطية” التي تضمنت إصلاحات في التعليم وسمحت للنساء في البرلمان بارتداء غطاء الرأس.
على مدار خمس سنوات كان طلاب المدارس معفيين من القسم الذي ذكرهم وذكر اردوغان من هو مؤسس الجمهورية ولمن تدين تركيا باستقلالها وقومتيها. غضب الجهات القومية والعلمانية على إلغاء القسم غذى فقط تمسك اردوغان الذي يريد التعتيم على الذاكرة الجماعية للأتراك بخصوص أتاتورك. في الشهر الماضي قدمت الحركات القومية وعدد من منظمات العمال التماسا إلى مجلس الدولة الذي يشكل هيئة قانونية إدارية، طالبوا فيه بتجديد القسم. مجلس الدولة قبل الالتماس رغم التبريرات التي طرحتها الدولة والتي تقول إن القسم يتضمن إشارات عنصرية حيث أنه يضع الروح التركية فوق الجميع، وبالأساس فوق الأكراد. قرار مجلس الدولة هو “جائزة للطلاب الوطنيين”، قال المتحدثون باسم الحركة القومية “إم. إتش. بي”، الذي يترأسه دولت بهتشيلي، الذي دفع من اجل إعادة القسم. بهتشيلي الذي انضم إلى كتلة سياسية مع حزب العدالة والتنمية لأردوغان قبيل الانتخابات للبرلمان والرئاسة التي جرت في حزيران الماضي، اكتشف خلال اسابيع معدودة أن الحلف السياسي هذا الذي ضمن فوز اردوغان وحزبه وفي نفس الوقت أنقذ “إم. إتش. بي” من إمكانية ألا يجتاز نسبة الحسم المرعبة التي تصل إلى 10 في المئة، لا تساوي الكثير من وجهة نظره.
بين اردوغان ونتنياهو
ليس فقط معارضة اردوغان لإحياء قسم الطالب اغضب بهتشيلي. فمؤخرا عرض مبادرة جديدة بحسبها يجب العفو وإطلاق سراح عشرات آلاف السجناء غير السياسيين من السجون من اجل تخفيف الاكتظاظ غير المحتمل في هذه المؤسسات. وغض اردوغان، الذي لا يستطيع، مثل نتنياهو، احتمال مبادرات شعوبية حتى من حلفائه السياسيين. مبادرة كهذه يمكن أن تعطي صاحبها نقاط في الانتخابات في الأوساط القومية وتقليص حجم فوز حزبه. كما أن إطلاق سراح أسري سياسيين ليس موضوعا شعوبيا في تركيا، خاصة عندما يكون من الواضح أن من بين المرشحين لإطلاق سراحهم سيكون حوالي 50 ألف شخص من تجار المخدرات، أعضاء في عصابات ورؤساء مافيا مثل قريب بهتشيلي، الاتين جاكيجي، الذي يقضي عقوبة 19 سنة سجن على أعمال قتل. “الدولة يمكنها الإعفاء فقط عن جرائم ضدها (وليس على جرائم ضد مواطنين آخرين)”، رد اردوغان على المبادرة، في حين أنه بالنسبة لقسم الطالب قرر اردوغان أن رئيس الدولة يعترف فقط بالنشيد الوطني التركي وليس بأي قسم أو تصريح آخر.
هذا ليس فقط بيان أيديولوجي، انه يتعلق بنية اردوغان إرضاء جمهور أكثر في الانتخابات للسلطات، وبالأساس الأكراد الذين يرون في قسم الطالب إقصاء وتمييز على خلفية عرقية. عداوة اردوغان للأقلية الكردية لا تحتاج إلى إثبات ولكن عندما يخاف من الحزب الكردي يحاول أن يسحب إلى جانبه وعلى الأقل الحفاظ على الناخبين الأكراد الذين صوتوا لحزبه في الانتخابات. ومثل هؤلاء لم يكونوا قليلين.
بهتشيلي الذي يعرف جيدا خطوات اردوغان قرر شد الحبل حتى النهاية وأعلن أنه لن يتعاون مع حزب العدالة والتنمية في انتخابات السلطات المحلية وحتى أنه سيعرض مرشحين خاصين به في المدن الأهم، إسطنبول وأنقرة. وفسر بهتشيلي قراره قائلا إن “الشراكة لا يمكن أن تجري عن طريق الإكراه من طرف واحد، التحالف انتهى”. بهتشيلي محق في ادعائه أن اردوغان لم يحسب له حساب بعد الانتخابات الأخيرة: لا أحد من حزبه تم تعيينه في وزارة، وكل مبادرة منه تم الرد عليها بالرفض من اردوغان. اردوغان الرئيس القادر على كل شيء لم يعمل في إطار ائتلافي منذ فوز حزبه في الانتخابات في 2002، وليس في نيته تغيير سلوكه الآن أيضا. انه ينوي طرح الانتخابات المحلية كانتخابات للثقة به وبسياسته. إذا كان شريكه في الائتلاف يريد أن يظهر عضلاته فلن يتردد في سحقه هو أيضا. لهذا السبب فان الخاشقجي الميت سيُطلب منه البقاء حيا سياسيا كي يلعب الدور الذي خصصه له اردوغان.