– باريس – من أحمد كيلاني – في ظل انخفاض سقف التوقعات بإمكانية تحقيق اختراقات جوهرية بشأن وضع حد للحرب الدائرة في سورية، جاءت نتائج قمة اسطنبول الرباعية لتعبر عن إمكانية الوصول إلى أرضية تفاهمات وتوافقات مشتركة بين القادة الأربعة وذلك على الرغم من اختلاف رؤى وأولويات وأهداف كل دولة من الدول المشاركة في القمة.
ومع غياب طرفين بارزين وفاعلين في الأزمة السورية وهما الولايات المتحدة الأمريكية وإيران عن القمة، أظهرت نتائج القمة الحد الأقصى للتوافق الذي استطاع القادة الأربعة تحقيقه والخروج به، وسط تشابك المصالح وتعقيدات الحرب الدائرة منذ أكثر من 7 سنوات، إذ دعا البيان الختامي للقمة إلى الحفاظ على وقف إطلاق النار في محافظة إدلب مع التشديد على مواصلة المعركة ضد الإرهاب، وإلى “حل سياسي” للنزاع في سوريا.
وأكد القادة الأربعة في البيان ضرورة “تشكيل اللجنة الدستورية واجتماعها في جنيف قبل نهاية السنة في حال سمحت الظروف بذلك”، وشددوا على “ضرورة تهيئة الظروف التي تتيح العودة الطوعية والآمنة للاجئين” السوريين.
وقال الرئيس السابق لـ”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، هادي البحرة في تصريح لـ””، إن “فكرة الدعوة لهذه القمة انطلقت من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ فترة، وإن إقناع الدول الثلاثة للمشاركة فيها لم يكن أمراً سهلاً نظراً لاختلاف رؤاها وتخوف كل طرف من استغلالها لصالح الطرف الآخر، وتشتت الجهود الدولية المنصبة نحو انهاء العنف وتثبيت اتفاق سوتشي بخصوص شمال سوريا الذي وقع بين روسيا وتركيا، وتفعيل العملية السياسية في جنيف انطلاقاً من تشكيل اللجنة الدستورية، مما أقتضى جهداً كبيراً من الدولة التركية لإقناع الدول الثلاثة بالمشاركة فيها”.
وأضاف البحرة أنه “سبق القمة عقد اجتماعات لممثلي الدول الأربعة على المستوى التقني لتحديد جدول أعمالها والأهداف المرجوة منها، قبل ان تعطي الدول الثلاثة موافقتها النهائية على المشاركة فيها وتحديد موعدها”.
وأوضح البحرة أنه “وفق البيان الختامي نجد أن القمة كانت شاملة لأهم المواضيع والقضايا المتعلقة بالأوضاع في سوريا وتناولتها من زاوية موضوعية، ولم تمثل أي تراجع في المواقف المبدئية التي تهمنا كسوريين، وتناولت القضايا التي تهم كل الدول المشاركة وخرجت بمواقف مشتركة بخصوصها”.
وأشار إلى أنه “للوصول إلى هذه المواقف المشتركة كان لا بد للأطراف المشاركة أن تقبل بالحدود الممكن التوافق عليها بخصوص كل بند تناولته، وأن تقبل بشمولية البيان وعدم اسقاطه لأي عنصر من عناصر الأزمة، ونلحظ ذلك في مقدمة البيان وبنوده، حيث ركزت المقدمة على التزام الدول الأربعة بالسيادة والاستقلال والوحدة والسلامة الإقليمية للجمهورية العربية السورية، ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة”.
ولفتت البحرة إلى أن القمة أقرت “بأنه لا حل عسكري للأزمة وأن الحل الوحيد الممكن هو عبر عملية سياسية تفاوضية بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، وركزت على ضرورة زيادة التنسيق بين كل المبادرات الدولية التي تهدف لحل مستدام وذو مصداقية للأزمة السورية، في إشارة واضحة إلى ضرورة التنسيق بين جهود مجموعة آستانة والمجموعة المصغرة, وهذا مطلب روسيا حيث تسعى لتحقيقه منذ فترة طويلة”.
وأكد أن البيان الختامي للقمة عبر عن “عزم الدول الأربعة على رفض الأجندات الانفصالية التي تهدف إلى تقويض سيادة سوريا وسلامة أراضيها وكذلك الأمن القومي للدول المجاورة، في استجابة واضحة لمخاوف السوريين والدولة التركية ودول الجوار”.
وقال البحرة: ” إن الدول الأربعة رحبت بمذكرة التفاهم المتعلقة بتحقيق الاستقرار في منطقة خفض التصعيد في إدلب، التي وقعتها تركيا وروسيا في سوتشي في 17 أيلول/سبتمبر، وأثنت الدول على التقدم الذي تم في تنفيذها، وأكدت أهمية تحقيق وقف اطلاق نار مستدام، مع اشارتها إلى ضرورة استمرار محاربة الإرهاب وفق ما حدده التفاهم، وضرورة التزام كافة الأطراف بتنفيذه”.
وأوضح أن “في ذلك طمأنة للسوريين في منطقة ادلب وشمال سوريا، ودعماً لتركيا وتشجيعاً لروسيا للمحافظة على التزاماتهما في ذلك التفاهم وضماناً لاستمراره بما يجنب الدول الأوروبية موجات جديدة من اللاجئين، كما أعادت القمة تأكيد رفضها المطلق لاستخدام الأسلحة الكيميائية من قبل أي طرف كان، ودون الإشارة مباشرة للنظام وفي ذلك مسايرة لروسيا”.
وأضاف البحرة أن “القمة عبرت عن دعمها للعملية السياسية التي يقودها ويملكها السوريين والتي تسهلها الأمم المتحدة وناشدت الأطراف السورية للمشاركة النشطة فيها، ويتضح هنا من الصياغة تجنب ذكر النظام بشكل محدد على الرغم من كونه الطرف المعطل”.
وأكد أن دعوة القمة “لتشكيل اللجنة الدستورية وانعقادها المبكر في جنيف، مع مراعاة الظروف، بحلول نهاية العام الحالي من شأنها أن تحقق الإصلاح الدستوري، ويمهد الطريق لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة بما يتماشى مع أعلى المعايير الدولية للشفافية والمساءلة، بمشاركة جميع السوريين، بما في ذلك اللاجئين المؤهلين للمشاركة، وفي ذلك دعماً لجهود الوسيط الدولي وللأمم المتحدة، وبشكل أكبر لمطالب السوريين”.
وأشار البحرة إلى أن القمة “أكدت أهمية تنفيذ إجراءات بناء الثقة للإسهام في تفعيل العملية السياسية وإنجاز وقف دائم لإطلاق النار، وأعربت عن دعمها للإفراج عن المحتجزين والمختطفين وتسليم الجثامين وكذلك تحديد هوية الأشخاص المفقودين، كما تقوم بها مجموعة العمل المعنية بمشاركة خبراء من الأمم المتحدة ولجنة الصليب الأحمر الدولية، الأمر الذي يبقي هذه القضية في مقدمة القضايا التي يهتم بها السوريون والمجتمع الدولي، وتشكل رسالة واضحة لروسيا بأهمية إيجاد حل لها. وشددت القمة على الحاجة إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية بسرعة وأمان ودون عوائق إلى جميع أنحاء سوريا للوصول إلى جميع المحتاجين, ودعت المجتمع الدولي والأمم المتحدة ووكالاتها الإنسانية لزيادة مساعداتها إلى سوريا”.
ولفت إلى أن القمة “أعادت التأكيد على تضامنها مع البلدان المضيفة للاجئين السوريين، ولا سيما تركيا ولبنان والأردن، وأشارت إلى كونها ما زالت ملتزمة بالعودة الآمنة والطوعية للاجئين إلى سوريا بشروط تتفق مع القانون الدولي، وفي ذلك ثبات على الموقف الدولي بعدم دعم عودة اللاجئين الطوعية دون تحقيق المعايير الدولية الخاصة بذلك، والتي حددتها الدول الأربعة بشكل واضح وشامل، كما أكدت على ضرورة التنسيق في ذلك بين كافة الأطراف بما فيها مؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ذات العلاقة، وهذا يعتبر تراجعاً عن مواقف روسيا السابقة بهذه القضية”.
وقال البحرة إن “الدول الأربعة أعربت عن التزامها بالعمل سوية من أجل تهيئة الظروف للسلام والاستقرار في سوريا، وتشجيع الحل السياسي وتعزيز الاجماع الدولي في هذا الشأن، في إشارة واضحة إلى تعهدهم لمحاولة الوصول إلى توافقات ما بين مجموعة آستانة والمجموعة المصغرة وبشكل خاص مع الولايات المتحدة الأمريكية”.
وأكد البحرة أن “هذه القمة كانت فاعلة وناجحة في الوصول إلى توافقات هامة مع بقاء الاختلافات في وجهات النظر ولا سيما بخصوص الموقف من النظام ومسؤوليته عما حدث في سوريا ما بين التصنيف الروسي وتصنيف الدول الثلاثة الأخرى له، والذي تجلى بوضوح في المؤتمر الصحفي، ويبقى معيار النجاح الحقيقي في الآثار الفعلية التي ستحدثها القمة خلال الشهرين المقبلين”.