السلايدر الرئيسيشرق أوسط

الحكومة اللبنانيّة العتيدة: إحراجٌ من أجل الإخراج أم إطالةٌ من أجل الاستقالة؟

جمال دملج

– بيروت – من جمال دملج – في مؤشِّرٍ جديدٍ يدلّ إلى أنّ مغامرات اللعب على حافّة الهاوية في أزمنة الاستحقاقات اللبنانيّة الحاسمة لم تعُد مجرَّدَ هوايةٍ مسلِّيةٍ لغالبيّة مكوِّنات “الصيغة التوافقيّة” في البلد بقدْر ما أصبحت حِرفةً مربِحةً تدرّ على اللاعبين ما يتيسِّر من مداخيلَ معنويّةٍ توفِّر لهم المحافظة على استمراريّة حضورهم في الحياة السياسيّة، حتّى ولو تمّ ذلك على حساب معنويّات الناس، جاء الإعلان عن بروز ما يُسمّى بـ “عُقدة النوّاب السُنّة المستقلّين” في ربع الساعة الأخير من مخاض تشكيل حكومة الرئيس المكلَّف سعد الحريري ليُعبِّر عن تجلّيات الأوجُه المتأرجِحة ما بين الفجاجة وما بين البشاعة لتلك المغامرات، ولا سيّما أنّ تزامُن الإصرار على “استحداث” هذه العُقدة باعتبارها العقبة الأخيرة التي ما زالت تحول دون ولادة الحكومة العتيدة مع “حلحلة” ما كان يُسمّى حتّى نهار أمس الاثنين بـ “العُقدة المسيحيّة” في أعقاب إعلان رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” الدكتور سمير جعجع عن قبوله بالحقائب الوزاريّة الأربع المعروضة عليه وفقًا لمبدأ “جود من الموجود”، بات يؤشِّر في الموازاة إلى أنّ اللعب على حافّة الهاوية يكاد يدخل هذه المرّة في طور التهوُّر الشديد، وذلك على خلفيّة الظنّ، وإنّ بعض الظنّ إثم، بأنّ مسألة بقاء اسم الرئيس سعد الحريري على رأس الحكومة الأولى في عهد رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون هي التي لا تزال تتسبَّب باستحداث العُقدة تلو الأخرى، وبوضع المطبّ تلو الآخَر، أمام اكتمال تشكيلته الوزاريّة، بحيث تصبح إطالة مخاض الولادة في نهاية المطاف مبرِّرًا للاستقالة.

“الأشخاص الحقيرون”

وإذا كانت التسريبات الإعلاميّة قد أشارت في وقتٍ سابقٍ من الشهر الجاري إلى أنّ رئيس “التيّار الوطنيّ الحرّ” الوزير جبران باسيل بذل ما قُدِّر له أن يبذله من جهودٍ في مجال التأثير بشكلٍ سلبيٍّ على مجرى توزيع الحقائب الوزاريّة، وخصوصًا تلك المتعلِّقة بحصّة “القوّات اللبنانيّة”، أملًا في إحراجها من أجل إخراجها، وبالتاليّ في الإعلان عن تشكيلةٍ حكوميّةٍ ناقصةٍ لا تنال ثقة مجلس النوّاب، ما يعني استقالة الرئيس الحريري وتكليف شخصيّةٍ سُنّيّةٍ أخرى بشكلٍ تلقائيٍّ، فإنّ إشارة الدكتور سمير جعجع خلال مؤتمره الصحافيّ البارحة في “معراب” إلى أنّه “لا توجد حقائبُ حقيرةٌ بل يوجد أشخاصٌ حقيرون”، على حدِّ تعبيره، حملت في طيّاتها الكثير من المعاني، ولا سيّما أنّها جاءت بعدما كان الدكتور جعجع قد أوفد إلى “بيت الوسط” وزير الإعلام ملحم الرياشي لكي يُسلِّم الرئيس الحريري أسماء الوزراء الأربعة الذين سيمثِّلون حصّة “القوّات اللبنانيّة” في التشكيلة الحكوميّة العتيدة وفقًا لمبدأ “جود من الموجود” الآنف الذكر، وهم: غسّان حاصباني (يحتفظ بمنصبه نائبًا لرئيس مجلس الوزراء)، مي ‏شدياق (وزيرة الثقافة)، كميل أبو سليمان (وزير العمل)، وريشار قيومجيان (وزير الشؤون الاجتماعيّة).

“فتْشوا عن غيري”

وسط هذه الأجواء، وبينما كان الوزير الرياشي يؤكِّد على أنّ حزب “القوّات اللبنانيّة” دائمًا ما يكون في موقع المسهِّل والمضحّي من أجل مصلحة لبنان، وأنّ الفرقاء السياسيّين الذين عملوا على محاولة تحجيم الحزب بشكلٍ أو بآخَر يعرفون أنفسهم وماذا فعلوا، “ونحن أيضًا نعرف ماذا سنفعل”، على حدِّ تعبيره، فإنّ الأنظار سرعان ما اتّجهَت إلى العُقدة المتعلِّقة بتوزير سُنّيٍّ من خارج “تيّار المستقبل”، أيْ من النوّاب السِتّة المحسوبين على “فريق 8 آذار” والمنضويين تحت لواء ما يُعرَف بـ “اللقاء التشاوريّ للنوّاب السُنّة المستقلّين” وهم: عبد الرحيم مراد، الوليد سكريّة، قاسم هاشم، فيصل كرامي، جهاد الصمد، وعدنان طرابلسي، ولا سيّما بعدما دلَّت الأجواء التي عمَّمها “حزب الله” إلى وجودِ تشدُّدٍ إزاء ضرورة توزير أحدهم في الحكومة، “وإلّا فالحزب لن يتخلّى عن حلفائه”، وهو التشدُّد الذي ترافَق مع تلويح الحزب بأنّه لن يقدِّم أسماء وزرائه إلى الحريري “في حال لم تلحظ تركيبته مقعدًا للسُنّة المستقلين”، علمًا أنّ الرئيس المكلَّف، وإنْ كان لا يُعارِض في الأصل فكرة توزير أحد هؤلاء من حيث المبدأ، ولكنّه يرفض الاقتطاع من حصَّته الوزاريّة لمصلحتهم جملةً وتفصيلًا، الأمر الذي يضع كرة هذه المعضلة إمّا في مرمى “حزب الله” وإمّا في مرمى رئيس الجمهوريّة، بحيث يُصار إلى إعطاء مقعدٍ شيعيٍّ من حصّة الحزب للرئيس مقابل توزير سُنّيٍّ في إطار هذه الحصّة… وحسبي أنّ الأمور إذا لم يُقدَّر لها أن تُسوَّى على هذا النحو، فإنّ ربع الساعة الأخير في المخاض الحكوميّ المتعثِّر أصلًا منذ ما يزيد عن الخمسةِ أشهرٍ قد يحتاج إلى ساعاتٍ أو أيّامٍ إضافيّةٍ، وربّما قد يعود إلى مربَّع الصفر… وحسبي أنّ عبارة “فتْشوا عن غيري” التي وضعها الرئيس الحريري كخيارٍ أمام اللبنانيّين إذا ما تواصل الإصرار على انتزاعِ حقيبةٍ من حصّته لصالح أحد خصومه من “سُنّة 8 آذار” تحمل في طيّاتها الكثير من المعاني… والخير دائمًا في النوايا الحسنة التي يُفترَض أن تُجنِّب البلد مخاطر مواصلة اللعب على حافّة الهاوية من وراء القصد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق