– باريس – من أحمد كيلاني – بعد مرور أكثر من نصف قرن على أساليب النضال المتعددة التي جربها الشعب الفلسطيني بهدف استرداد حقوقه، وما تضمنته تلك المدة من أساليب الكفاح المسلح وصولاً إلى اتخاد السلام كخيار استراتيجي منذ توقيع اتفاق أوسلو الذي مضى عليه 25 عاماً، يجد الشعب الفلسطيني نفسه اليوم أمام خيارات صعبة ومريرة.
ونتيجة لما آلت إليه الأوضاع الفلسطينية مؤخراً منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة وقراراته المتلاحقة بهدف تصفية القضية الفلسطينية ومنها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وقطع المساعدات عن وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين الأونروا، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، تمهيداً لتمرير ما يسمى صفقة القرن، تزداد أحوال الفلسطينيين سوءاً يوماً بعد آخر، خصوصاً مع استمرار حالة الانقسام التي ما يعاني منها البيت الفلسطيني الداخلي منذ 11 عاماً، إذ لا تزال جهود المصالحة تتعثر بين حركتي “فتح” و”حماس” في مشهد يختزل مسألة الصراع على السلطة المتواصلة بين الطرفين، حيث يتمسك كل طرف بمصالحه الخاصة، دون الالتفات إلى المصالح الوطنية الفلسطينية، وذلك في ظل غياب شبه تام لباقي الفصائل عن الساحة الفلسطينية.
ووسط هذه الأجواء القاتمة لحاضر الفلسطيني ومستقبله، تداعى العديد من المفكرين والأكاديميين والكتاب والمثقفين والصحفيين إلى البحث في ضرورة الخروج من حالة الركود التي أصيب بها البيت الفلسطيني الداخلي، الأمر الذي دفعهم لإنشاء “ملتقى فلسطين” بهدف إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، وتحريك المياه الراكدة بالدعوة إلى إجراء مراجعات نقدية لمسيرة كفاح امتدت على مدى أكثر من نصف قرن، وطرح الأسئلة الضرورية التي تتعلق بما آلت إليه الأوضاع الفلسطينية وضرورة العمل من أجل المستقبل، والخروج من الفكر الفصائلي الضيق إلى آفاق أرحب بهدف مشاركة الفلسطينيين بإعادة بناء حاضرهم ومستقبلهم بأفضل الوسائل الممكنة.
وفي شهر أبريل/نيسان الماضي انطلقت فكرة “ملتقى فلسطين” عبر صفحة على موقع “فيسبوك” ضمن مجموعة مغلقة ضمت العديد من المفكرين والأكاديميين والكتاب، وقبل أيام أصبح الملتقى صفحة عامة على موقع “فيسبوك” بهدف الوصول لأكبر مشاركة من الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي 48 والشتات الفلسطيني.
ومنذ الإعلان عن تأسيسه، أصدر الملتقى العديد من البيانات وعقد عدداً من ورشات العمل في حيفا والقدس ورام الله واسطنبول، وأصدر قبل أيام بياناً بمناسبة انعقاد دورة المجلس المركزي الفلسطيني، أكد فيه على ضرورة إجراء انتخابات فلسطينية لكل الشعب الفلسطيني وإعادة بناء منظمة التحرير، وحذر من الوقوع في “شراك أوسلو جديد”.
ودعا البيان أعضاء المجلس المركزي إلى إغفال الدعوة المتسرعة إلى حل المجلس التشريعي وتمنى على أعضاء المجلس ألا يقدموا على اتخاذ قرارات من شأنها تكريس الانقسام، وأوصى الملتقى بأن يقترن أي قرار بحل المجلس التشريعي بتوفر إمكانية فعلية لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، ديمقراطية ونزيهة وشفافة.
كما أوصى الملتقى بالعمل على إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وهيكلتها، وتفعيلها، وتجديد حيويتها، وتعزيز حضورها بوصفها الكيان السياسي الجامع لشعب فلسطين في شتى أماكن وجوده.
وشدد على الضرورة الوطنية الملحة لفك الارتباط الوظيفي والإداري بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية لأن لكل من هذين الكيانين متطلباته المتباينة، ووظائفه المحددة، وأكد على الحاجة الوطنية الملحة إلى عدم إتاحة الفرصة لأي طرف من الأطراف، بالانفراد في التحكم بالنظام السياسي الفلسطيني.
ودعا الملتقى للتوقف الفوري عن تضييع الوقت وهدر الطاقات وبيع الأوهام للشعب وتعريضه لمزيد من الأذى، في ملاحقة مصالحات فصائلية وهمية تبث عبثها المزمن وعقمها، وإلى الذهاب، عوضاً عن ذلك وعلى الفور، لتركيز الجهد والوقت على إعادة بناء المنظمة والسلطة عبر الشروع الفوري بتنظيم انتخابات عامة لشعب فلسطين بأسره.
وطالب الملتقى بعدم الإقدام على إبرام أي اتفاقات، أو الانخراط في أي تفاهمات مكتوبة أو غير مكتوبة، مع حكومة إسرائيل، ولا سيما ان تضمنت هذه الاتفاقات والتفاهمات، ما قد يكون من شأنه أن يصب، بأي نحو أو حال، في مجرى تحويل الانقسام القائم الآن بين قطاع غزة من جهة، والضفة الغربية وضمنها مدينة القدس الشرقية من جهة ثانية، إلى انفصال جغرافي وسياسي، سيسهم، في تمزيق وحدة فلسطين أرضاً، وشعباً، وقضيَّة.
وأوصى بأن يتكفل المجلس المركزي الفلسطيني بإصدار قرار قاطع ونهائي وحاسم، وذي آليات تنفيذية عاجلة، بشأن التحرك الفلسطيني الهادف إلى رفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، وعمل كل ما من شأنه إنهاء هيمنة سلطة حركة حماس الأحادية والإقصائية عليه (وكلا هذين الوصفين يصحا على حال سلطة حركة فتح في الضفة الغربية). وذلك في تواكب وثيق مع إلغاء جميع القرارات والإجراءات الإدارية والمالية، وغيرها من العقوبات، غير المبررة إنسانياً ووطنياً، التي اتخذتها، أو مارستها، حكومة السلطة الفلسطينية بحقه، والتي لم يكن من شأنها إلا أنْ تزيد حياة الأعم الأغلب من أهله فقراً على فقر، وبؤساً على بؤس.
وفي حوار لـ”” مع الكاتب ماجد كيالي أحد المؤسسين للملتقى، قال إن “الملتقى لا زال في طور الاختبار والتبلور من ناحيتين الأولى من ناحية المشاركين فيه، إذ أن الملتقى ليس حزباً ولا فصيلاً ولا كياناً سياسياً وإنما هو نوع من تجمع وبمثابة شبكة تضم مجموعة من الأفراد والشركاء في مبادرة، والناحية الثانية وهي مرحلة تبلور وانضاج الأفكار السياسية ومحاولة الإجابة على التساؤلات الكثيرة والمعقدة التي طرحتها التجربة الوطنية الفلسطينية على امتداد أكثر من نصف قرن”.
وأوضح أن تلك الأسئلة تتركز “حول ماهية المشروع الوطني الفلسطيني وأساليب الكفاح الفلسطينية المجدية وأشكال الكيانات السياسية التي تسهم في تعزيز وحدة الشعب الفلسطيني أو اعادة الاعتبار لمفهوم الشعب الفلسطيني باعتباره شعب واحد بغض النظر عن مكان تواجده”.
وأضاف كيالي لقد “شهدنا ان الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة منذ البداية لم تستوعب الجزء الغالي من شعبنا الذي يوجد في أراضي 48، حيث كان أولئك خارج المعادلات الفلسطينية”، متسائلاً كيف من الممكن القول أن منظمة التحرير الفلسطينية تمثل الشعب الفلسطيني في ظل وجود نحو مليونين من الفلسطينيين خارج الشعب الفلسطيني ؟.
وأكد أن “هذه الأسئلة لا زالت في طور النقاش ومحاولة الإجابة عنها”، مستدركاً بأن “المشاركين في الملتقى لا ينطلقون من نقطة الصفر لأن معظمهم من السياسيين والأكاديميين والباحثين الذين أسهموا بمراكمة التراث النظري والسياسي لدى الشعب الفلسطيني”.
وأشار كيالي إلى أنه “بدلاً من ان يكون صوت كل باحث أو كاتب أو مثقف في نقده للتجربة الفلسطينية ومحاولة الإجابة عن التساؤلات صوتاً فردياً، تأتي هنا ميزة الملتقى بتحويل هذا الصوت الفردي إلى صوت جماعي يعبر عن قطاع واسع من الشعب الفلسطيني الذي وجد نفسه خارج العملية السياسية بشكل أو بآخر”.
ولفت إلى أن “الإطارات السياسية الفلسطينية لم تعد جاذبة بقدر ما هي نابذة للمثقفين والأكاديميين”، مشيراً إلى أن “خطاب الملتقى هو خطاب خارج الفصائل وخارج الكيانات السياسية حيث نحاول جمع واستعادة الطاقات المهمة ورأس المال المعنوي الكبير للشعب الفلسطيني، لقلب العملية الوطنية الفلسطينية بحيث يكون له صوته، وهذا الصوت هو أهم بكثير من الفصائل الموجودة اليوم في الساحة الفلسطينية”، مضيفاً أن “الميزة الأخرى للملتقى تتمثل بأنه يتحدث عن الفلسطينيين في أراضي 48 وفي الضفة الغربية وقطاع غزة وبلدان اللجوء والشتات، حيث يضم الملتقى كل الفلسطينيين في كل الأماكن”.
ورداً على سؤال حول سبب فتح صفحة الملتقى للعامة بعدما كانت مجموعة مغلقة لعدة أشهر، قال كيالي إن “هذه المبادرة هي جزء من عشرات المبادرات الموجودة اليوم في كل أماكن الشعب الفلسطيني، والتي تحاول ترميم النقص الحاصل في الساحة الفلسطينية”، موضحاً أن “الصفحة كانت مغلقة بسبب كونها مجموعة تحاول إثارة النقاش والتوصل لتفاهمات، إذ لأول مرة تضع فلسطينيين من اللاجئين أمام فلسطينيين من 48 وأمام فلسطينيين من الضفة وغزة، وكل شخص وتجمع لديه أولوياته وحاجاته وتساؤلاته وحساسياته، لذلك كانت الصفحة مغلقة كمرحلة أولى لايجاد نوع من المفاتحة، وليرى كل شخص زاوية الأمور من زاوية الآخر”.
وأضاف كيالي أنه “تم فتح الصفحة بعد ذلك للعامة للانتقال للمرحلة الثانية من النقاش والحوار ولنرى رأي الناس وتعليقاتهم”، لافتاً إلى “ورشة العمل التي أقيمت في مدينة اسطنبول وشارك فيها حوالي 20 شخصية من أعضاء الملتقى”، مؤكداً أن “العمل لا يزال في طور البداية وأنه لا نستطيع القول أو حتى التوهم باننا عملنا شيء كبير، ولكننا نسير بخطوات بطيئة ومتدرجة مع وعي ينبذ أي وهم باننا قادرين على فعل شيء في هذه الظروف العربية والدولية التي لا يمكن فيها أن يكون هناك شرعية لأي معطى أو وضع فلسطيني بدون وجود وضع عربي أو دولي يسمح بذلك”.
وحول إمكانية إجراء حوار وطني فلسطيني اليوم في ظل الأوضاع الراهنة، قال كيالي إن “فكرة المصالحة فكرة ليست صحيحة وليست دقيقة، وهي تبيع أوهام، لأنها تصور الشعب الفلسطيني وكأن لديه مشكلة أو كأن الشعب الفلسطيني غير متصالح مع نفسه”، مشيراً إلى أن “المشكلة الحقيقة هي بين فصيلين تحولوا من حركة تحرر إلى سلطة، وهنا نتحدث عن سلطتين تريدان التصالح مع بعضهم”، مضيفاً “هناك سلطتين كل واحدة لديها قوى أمنية وموارد مالية وامتيازات سلطوية، وهذا الوضع لا يحل شيء”.
وأوضح أن “مصالحة فتح وحماس اليوم تعني أنهم يريدون أن يكونوا شركاء في الهيمنة على الوضع الفلسطيني، واننا سنبقى نراوح في المكان نفسه”، لافتاً إلى أن “ذلك لن يحل الأزمة الفلسطينية لأنها أزمة في الرؤى والكيانات وأشكال العمل، لا تحلها مجرد مصالحة بين فصيلين، وإذا أردنا الحديث عن حل وطني يجب أن نذهب إلى انتخابات تشريعية ورئاسية وانتخابات لعموم الشعب الفلسطيني لانتخاب أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني”.
وأكد كيالي “ضرورة إعادة تعريف الفصائل الفلسطينية أو الكيانات السياسية، بسبب وجود فصائل ليس لها أي مكانة في المجتمعات الفلسطينية في الداخل والخارج، وليس لها أي مكانة في الصراع ضد إسرائيل، وليس لها أي هوية فكرية”، مضيفاً أن “هذه الفصائل موجودة لأن حماس تريدها أو لأن فتح تريدها، وقد رأينا في انتخابات المجلس التشريعي أن 3 فصائل لم تستطع الحصول إلا على مقعدين، وهم الجبهة الديمقراطية وفدا وحزب الشعب، بمعنى كل فصيل لم يستطيع الحصول على مقعد، بينما الجبهة الشعبية حصلت على مقعدين فقط”.
ورداً على سؤال حول إمكانية إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية اليوم، قال كيالي إن “الحل هو الانتخابات ولكن علينا أن نرى أين توجد إمكانية لإجراء الانتخابات”، موضحاً أنه “جرى انتخابات في الضفة الغربية وجرى انتخابات في غزة وحتى في أراضي 48، ومن الممكن إجراء انتخابات بطريقة أو بأخرى”، مشيراً إلى أنه “في الأماكن التي يتعذر عمل انتخابات فيها من ممكن أن نلجأ إلى الوسائل التكنولوجية”.
ولفت إلى “إمكانية عمل كود لأي شخص حيث توجد طرق وبرامج تعمل على وضع بصمة لكل شخص، بحيث يمكن لهذا الشخص لدى حصوله على الكود أن يشارك في عملية التصويت بالطرق الالكترونية من خلال وسائل الاتصال، وبذلك يستطيع الشعب الفلسطيني بكل الأماكن المتواجد فيها أن يشارك بالعملية، في حال توفرت الإرادة لإجراء مثل هذه الانتخابات والتصويت”.
وحول قدرة الملتقى على اعادة الاعتبار لدور المثقف الفلسطيني وامتلاكه زمام المبادرة وتفعيل التواصل والحوار بين جميع الشرائح الفلسطينية بهدف مواجهة التحدّيات الراهنة التي تهدّد حاضر ومستقبل القضية الفلسطينية، قال كيالي إن “هناك 3 مهمات أساسية يجب على الملتقى أن يأخذها على عاتقه، أولاً استعادة هذا القطاع من الشعب الفلسطيني الذي يمتلك رأس المال المعنوي، استعادته للعملية الوطنية الفلسطينية بحيث يكون له صوته ورأيه، ثانياً ومن خلال هذا الملتقى نريد القول أن الفلسطينيين شعب واحد لذلك يجب ان تطرح في الملتقى مختلف الأسئلة المتعلقة بتجمعات شعبنا أينما كان، ثالثاً محاولة تقديم صياغة جديدة للأجوبة على الأسئلة التي تطرحها القضية الفلسطينية بكافة جوانبها”.