أحمد المصري
يكتب الملك الأردني مقالا وينشره على صفحة موقع ديوانه الملكي، فتتلقفه كل الصحف والمواقع الأردنية لأن الكاتب ليس كاتبا عاديا، فالكاتب هو الملك نفسه، رأس الدولة ورأس السلطات الدستوية الثلاث.
يكتب الملك عن وسائل التواصل الاجتماعي، وبلغة غاضبة من استخدام تلك الوسائل “أردنيا” كمنصة للإشاعات واغتيال الشخصية، وهو ما يضع الملك وهو رأس الدولة في خضم الجدل الدائر منذ زمن في الأردن حول موضوع مسؤولية النشر وحرية التعبير.
لكل مقام مقال، كما قيل قديما، والملك الأردني اختار هذا المقام ليكتب عنه مقاله، وكم تمنيت شخصيا لو لم يفعل. على الأقل كنت أنتظر من الملك مقالا أو تصريحا مباشرا عن الوضع الإقليمي، تفنيدا او تأكيدا باسمه إزاء كل حديث يتعلق بما يسمى بـ”صفقة القرن”، خصوصا ان مملكته هي خط التماس الأول في كل إحداثيات أي حل مفترض أو غير مفترض للنزاع العربي ـ الإسرائيلي، وللقضية الفلسطينية المرتبطة عضويا بالمملكة الأردنية الهاشمية، جغرافيا وسياسيا وتاريخيا وديموغرافيا واقتصاديا.
قضية حرية التعبير في الأردن، ووسائل التواصل الاجتماعي في فضائها الأردني قضية جدلية فعلا، لكنها قضية شائكة ومحلية فيها مصالح وأصحاب مصالح ومراكز قوى تتضرر أو تنتفع بمعطياتها أيا كانت، وعليه فإن تدخل الملك الأردني مباشرة في حسمها عبر مقال للوقوف في خندق محدد، يعني أن رأس الدولة الأردنية يمنح الضوء الأخضر لمراكز القوى المحلية بالتغول على حرية التعبير تحت مظلة ملكية تم صياغتها في مقال ملكي.
المملكة الأردنية في وضع لا تحسد عليه، وهي في منتصف الإعصار الإقليمي وعين العاصفة التي تهب على الشرق الأوسط، وفي ظل توسع إسرائيلي يتمدد في تطبيع العلاقات مع العالم العربي، فإن ورقة الأردن التقليدية كأطول خط “مواجهة او تماس” مع إسرائيل لم يعد لها وجود، فالقفز من فوق الأجواء الأردنية بدون حتى التواصل مع برج مراقبة أردني، يعني أن إسرائيل نفسها وجدت طريقها الخاص نحو العالم العربي من خلال ممرات آمنة في أزمات العالم العربي نفسه.
الأردن، الذي تحول من لاعب إقليمي أساسي إلى قوقعة أمنية بمهمات محدودة تنفيذية خصوصا في الأزمة السورية يكاد يفقد مكانه على الطاولة بسبب تغليب الدور الأمني على الدور السياسي، والدبلوماسية الأردنية انكمشت في السنوات الأخيرة إلى حد أصبح فيه وزير خارجية الأردن سفيرا مفوضا باسم الملك برتبة وزير لا أكثر.
والملك، المحاصر داخليا وخارجيا بحزمة ازمات لا تنتهي، يبحث عن مخارج آمنة لمملكته ضمن خيارات تضيق يوما بعد يوم، وفي ظل إقتصاد “ريعي” لا إنتاج فيه متهالك نخر فيه الفساد وأطبق على الأردنيين ضيق الحال إلى حد القهر الشعبي، وتلك مناخات خصبة لاستنبات الشائعات والقصص الملفقة، وهي أيضا مناخات خصبة لتسريب الحقائق كذلك، خصوصا مع فقدان الثقة بالمطلق بين المحكومين والطبقة الحاكمة.
لا نكتب إلا من باب المحبة نحو الأردن، مؤمنين في المحصلة أن المملكة يجب ان تقوم بدورها الحقيقي والفاعل في كل متغيرات الإقليم، وضد تقزيم أدوارها، بل اعتبارها اللاعب الرئيس الأول في القضية الفلسطينية، فمنطق الجغرافيا والتاريخ والطبيعة كلها لا يقبل أن يجري نهر… بضفة واحدة.