أقلام مختارة

العقدة التي تخدم حتى 6 تشرين الثاني

طوني فرنسيس

طوني فرنسيس

جدية العقدة المستحدثة في طريق ولادة الحكومة اللبنانية لا يوازيها في الغرابة سوى مقدار الهزل السياسي الذي تستثيره. وتعود هذه العقدة الصفراء في بداياتها إلى تلاعب هو الأوقح من نوعه في نتائج الانتخابات النيابية، وقد سبقها نموذج آخر مماثل مع النائب طلال أرسلان. في حالة أرسلان جرت إعارة نائب عاليه الدرزي ثلاثة نواب مسيحيين من الذين فازوا معه على اللوائح نفسها في انتخابات دائرة الشوف– عاليه، ليشكل معهم كتلة تسمح بمجيئه وزيراً ممثلاً للطائفة الدرزية إلى جانب وزيرين درزيين آخرين ينتميان إلى كتلة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. كانت الكتلة هذه تلتئم برئاسة أرسلان عند الحاجة ثم تلتحق بعد قليل بكتلتها الأصلية ورئيسها الأصيل. كان الهدف من كل هذا الفيلم السيء الإخراج تحجيم تمثيل جنبلاط لمصلحة تمثيل الآخرين ممن ينتمون إلى الخط المعارض لفريق 14 آذار حتى لو أصبح هذا الفريق فرقاً شتى.

التقط جنبلاط وبعده القوات اللبنانية معنى افتعال عقد التأليف، من «عقدة درزية» إلى «عقدة مسيحية» قواتية وجعلها أسباباً تعيق انطلاق الحريري في حكومته. سحب جنبلاط نفسه من مسرح العقد ثم تبعته القوات، فلجأ حزب الله إلى «عقدة السنة» المستقلين. وما كادت الحكومة تقترب من أن تولد حتى قطعت طريق الولادة عليها بسبب هذه العقدة المستحدثة وكتلتها المستحضرة. ففي الواقع أنها كل شيء إلا الكتلة. فمن مجموع 6 نواب تضمهم، واحد ينتمي إلى كتلة الرئيس نبيه بري ويواظب عليها، وآخر ينتمي إلى كتلة حزب الله ويلتزم مقرراتها وينطق باسمها، أضف إليهما نائبين ينتميان إلى كتلة النائب السابق سليمان فرنجية، وخامس وسادس يترأس كل منهما حزبه الخاص. تم تجميع هؤلاء السادة على عجل للقول إن معارضي سعد الحريري في الطائفة السنية يحق لهم تقاسم مقاعد الحكم والحكومة معه.

وتشكيل رديف لممثلي الحزب ينطق بما لا يريدون نطقه أو يهاجم حيث لا يريدون الهجوم «احتراماً» للمشاعر الطائفية والمذهبية. وأسلس النواب «السنة» الستة القيادة لحزب الله «الشيعي» فرشحهم وتمسك بحقوقهم وأوقف الخطوة الأخيرة من خطوات تشكيل الحكومة من أجلهم، وبسبب حجم الدعم غير المسبوق هذا نسي هؤلاء الأصول البسيطة في التمثيل المذهبي وطرق كسبه، فلم يلجأوا إلى شيخ مناطقي يلتمسون دعمه ولم يفكروا حتماً بزيارة دار الفتوى. ولا شك أن حزب الله يعرف لا جدوى خطته السنية هذه، صحيح أنه أساسي في موضوع تقاسم السلطة إلا أنه ليس هو من يشكل الحكومة، فالذي يشكلها هو الحريري بالاتفاق مع رئيس الجمهورية ميشال عون والذي رفض صراحة طروحات حزب الله حليفه الكبير في خصوص العقدة الوليدة. ولأن الحزب المذكور يعرف لا جدوى عقدته، فالأرجح أنه ارتأى تأخير ولادة الحكومة إلى ما بعد 6 تشرين الثاني، فبعد هذا التاريخ ستمتحن إيران العقوبات الأميركية الإضافية، وكيفية التعاطي الأوروبي مع هذه العقوبات، كما ستنتظر إيران ضربة تتمناها للرئيس ترامب في انتخابات الكونغرس…

صحيح أن إيران لا تتدخل في الشأن اللبناني، لكن الحلفاء لن يتركوها وحيدة وطهران يمكنها أن تنتظر مثلاً اتصالاً فرنسياً حول ما بعد العقوبات فتنحل العقد «السنية» وتولد الحكومة وتعود مياه النواب المتكتلين إلى مجاريها الأصلية.

الحياة اللندنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق