خالد القشطيني
ما إن أطلت الثلاثينات في العراق، إثر حصوله على الاستقلال، حتى واجه القوم حملات مختلفة من أجل التجديد والتطور. كان منها ما اتصل بالزي الوطني وشعار الرأس. خاض الملك فيصل الأول معركة طويلة من أجل إشاعة لبس السدارة، بدلاً من العقال والطاقية واليشماغ والطربوش. بيد أن ثياب المرأة وسترها أثبتت خطورتها ومشكلتها. تفجر في البلاد ما عرف بمعركة السفور في الثلاثينات، وانبرى الشعراء والكتاب والصحافيون لخوض المعركة. استطاعت أكثر النساء نبذ البوشية (الخمار)، وأسفرن عن وجوههن، بيد أن العباءة السوداء استعصت على أكثرهن.
اجتاحت البلاد في الأربعينات والخمسينات حركة اليسار، وما سمي فيما بعد بالخمسينات الذهبية التي يعتز أكثر المثقفين العراقيين بذكراها ومنجزاتها. كان من أول شعاراتها حث الفتيات على نبذ العباءة والحجاب والظهور سافرات.
عرفت شيئاً من ذلك في الأعظمية حول مسجد الأمام أبي حنيفة. قامت طالبات ومعلمات ثانوية الأعظمية للبنات بحملة لإقناع الفتيات بنبذ العباءة. وكلما استطعن إقناع إحداهن بالسفور، جرى تحديد يوم تنزع فيه العباءة وتظهر سافرة. وتجمعت الطالبات والمعلمات في مدخل المدرسة انتظاراً لها. كانت أحياناً تجبن الطالبة، وتخضع لضغط أبويها، فتخيب ظن زميلاتها وتحضر كما كانت ملتفة بالعباءة. يسخرن منها عندئذ ويعيرنها. ولكن من تنجح في عملية التحدي، وتجتاز باب المدرسة سافرة، كانت تقابل بالتصفيق والهتاف: «مبروك!». وهكذا كن يغمرنها بالعناق والقبل.
روت الرسامة نزيهة رشيد الحارثي، فوصفت كيف كن يتعرضن للضغوط العائلية التي وصلت أحياناً إلى ضربهن في البيت. كن يخرجن من البيت متسترات بالعباءة حتى إذا ما ابتعدن عن البيت لمسافة قصيرة كن ينزعن العباءة والحجاب، ويضعنها في حقيبة صغيرة، ثم يسرن سافرات هكذا في الشارع والأسواق. وعندما يعدن إلى البيت، يخرجن العباءة ويلبسنها قبيل دخولهن البيت. وكان الشباب يعرفون ذلك، فكانوا غالباً ما يعاكسون البنت، ويمازحونها فينادون عليها: «سميرة، فكي الشنطة وشوفينا عباتك!»
كان الأمر سهلاً بالنسبة للتلميذات الصبيات، ولكنه لم يكن كذلك بهذه السهولة بالنسبة للمعلمات. كيف يجوز للتلميذة الصبية أن تتحدى معلمتها وتعيرها على لبس العباءة؟ المفروض أن المعلمة هي التي تعلم التلميذات، وليس العكس. واجهت هذا المأزق معلمة اللغة العربية والأدب العربي، الأستاذة عاتكة وهبي الخزرجي، الشاعرة والأديبة المعروفة. كانت في عداد المحجبات. تحضر كل يوم للمدرسة بالعباءة، وواجهت ضغطاً كبيراً من زميلاتها، لا سيما أنها كانت تعتبر شاعرة متحررة وحداثية.
ظل الجميع يتساءلون متى تنبذ عاتكة عباءتها؟ ولكن السؤال لم يدم طويلاً. شاع الخبر بأن الأستاذة عاتكة قررت أخيراً أن تسفر. تروي نزيهة رشيد أنه كان يوماً مشهوداً في تاريخ المدرسة. تجمعت الطالبات انتظاراً لوصولها. فنح البواب لها الباب، فأمسكت الطالبات والمعلمات أنفاسهن، ثم دوت آهتهن «يا ويلي»، إذ دخلت عاتكة سافرة وبقبعة عصرية على رأسها! وكان آخر عهد لها بالعباءة.
اجتاحت البلاد في الأربعينات والخمسينات حركة اليسار، وما سمي فيما بعد بالخمسينات الذهبية التي يعتز أكثر المثقفين العراقيين بذكراها ومنجزاتها. كان من أول شعاراتها حث الفتيات على نبذ العباءة والحجاب والظهور سافرات.
عرفت شيئاً من ذلك في الأعظمية حول مسجد الأمام أبي حنيفة. قامت طالبات ومعلمات ثانوية الأعظمية للبنات بحملة لإقناع الفتيات بنبذ العباءة. وكلما استطعن إقناع إحداهن بالسفور، جرى تحديد يوم تنزع فيه العباءة وتظهر سافرة. وتجمعت الطالبات والمعلمات في مدخل المدرسة انتظاراً لها. كانت أحياناً تجبن الطالبة، وتخضع لضغط أبويها، فتخيب ظن زميلاتها وتحضر كما كانت ملتفة بالعباءة. يسخرن منها عندئذ ويعيرنها. ولكن من تنجح في عملية التحدي، وتجتاز باب المدرسة سافرة، كانت تقابل بالتصفيق والهتاف: «مبروك!». وهكذا كن يغمرنها بالعناق والقبل.
روت الرسامة نزيهة رشيد الحارثي، فوصفت كيف كن يتعرضن للضغوط العائلية التي وصلت أحياناً إلى ضربهن في البيت. كن يخرجن من البيت متسترات بالعباءة حتى إذا ما ابتعدن عن البيت لمسافة قصيرة كن ينزعن العباءة والحجاب، ويضعنها في حقيبة صغيرة، ثم يسرن سافرات هكذا في الشارع والأسواق. وعندما يعدن إلى البيت، يخرجن العباءة ويلبسنها قبيل دخولهن البيت. وكان الشباب يعرفون ذلك، فكانوا غالباً ما يعاكسون البنت، ويمازحونها فينادون عليها: «سميرة، فكي الشنطة وشوفينا عباتك!»
كان الأمر سهلاً بالنسبة للتلميذات الصبيات، ولكنه لم يكن كذلك بهذه السهولة بالنسبة للمعلمات. كيف يجوز للتلميذة الصبية أن تتحدى معلمتها وتعيرها على لبس العباءة؟ المفروض أن المعلمة هي التي تعلم التلميذات، وليس العكس. واجهت هذا المأزق معلمة اللغة العربية والأدب العربي، الأستاذة عاتكة وهبي الخزرجي، الشاعرة والأديبة المعروفة. كانت في عداد المحجبات. تحضر كل يوم للمدرسة بالعباءة، وواجهت ضغطاً كبيراً من زميلاتها، لا سيما أنها كانت تعتبر شاعرة متحررة وحداثية.
ظل الجميع يتساءلون متى تنبذ عاتكة عباءتها؟ ولكن السؤال لم يدم طويلاً. شاع الخبر بأن الأستاذة عاتكة قررت أخيراً أن تسفر. تروي نزيهة رشيد أنه كان يوماً مشهوداً في تاريخ المدرسة. تجمعت الطالبات انتظاراً لوصولها. فنح البواب لها الباب، فأمسكت الطالبات والمعلمات أنفاسهن، ثم دوت آهتهن «يا ويلي»، إذ دخلت عاتكة سافرة وبقبعة عصرية على رأسها! وكان آخر عهد لها بالعباءة.
الشرق الأوسط