جويس كرم
ما زال عد الأصوات مستمرا في انتخابات أميركا النصفية، التي أعادت خلط أوراق الحصص وتوزيع السلطات في واشنطن، وأعطت الديموقراطيين للمرة الأولى منذ 2010 المطرقة التشريعية وأكثرية في مجلس النواب، فيما حافظ الجمهوريون وعززوا إلى حد ما أكثريتهم في مجلس الشيوخ.
انتخابات الكونغرس لم تحمل الكثير من المفاجآت. ففوز الديموقراطيين كان مرجحا في مجلس النواب وحصنهم الهش كان مهددا في مجلس الشيوخ بسبب عدد المقاعد التي نافس عليها الحزب (3 أضعاف). المفاجأة كانت بوصول عدد قياسي من الأصوات المسلمة والعربية لمجلس النواب، وأسماء بمعظمها ليس لها تاريخ سياسي بل خاضت انتخابات محلية قبل أن تصعد على المستوى الوطني.
أبرز هذه الأسماء هي رشيدة طليب والتي فازت بمقعد في ميشيغان، وتنحدر من جذور عائلية فلسطينية متواضعة من بيت حنينا. طليب هي اليوم أول امرأة مسلمة تدخل الكونغرس، وسترافقها إلهان عمر كمسلمة أميركية شابة (من أصول صومالية) تفوز في مقعد عن ولاية مينيسوتا. طليب وعمر يرسخان السيرة الأميركية، ففوزهن بخلفية اجتماعية متواضعة وحملة مبنية على التبرعات الفردية ما كان ليتم في بلد آخر. فأوروبا قد تعترض على ارتداء عمر حجابها، أما العالم العربي فلن يسمح بأكثريته لنساء معارضة للحكم (في هذه الحالة دونالد ترامب) أن تصل البرلمان.
دونا شلالا اللبنانية -الأميركية، وهي مسؤولة سابقة في عهد بيل كلينتون ، أيضا فازت في مقعد عن ولاية فلوريدا، فيما فاز كريس سنونو الجمهوري بحاكمية ولاية نيو هامبشير.
عدا عن الأصوات العربية، سيكون للكونغرس الجديد حضور أقوى في ملفات إقليمية، ليس فقط بسبب الانقسام الحزبي وفوز الديموقراطيين بل أيضا بسبب الضغط الشعبي في بعض هذه القضايا. تأثير الكونغرس سيكون من خلال تولي الديموقراطيين في مجلس النواب رئاسة اللجان المختصة بوضع الموازنة، عقد جلسات الاستماع، الاستدعاءات، والقيام بتحقيقات قد تطال شركات ترامب بقدر ما قد تطال الصرف العسكري في حروب خارجية.
اليمن هو أول القضايا التي ستتأثر بانتصار الديموقراطيين في مجلس النواب. فالتأييد بين الأميركيين لأي دور لواشنطن في الحرب هو في أدنى مستوياته، وترامب ومايك بومبيو وجيمس ماتيس لا يمكنهم الاستمرار بتجاهل ومماطلة الكونغرس في هذا الملف. المتوقع أن يدفع مجلس النواب بتشريعات لوقف الدور الأميركي العسكري الداعم للتحالف في الحرب، ومحاولة الإدارة الدفع بالمحادثات السياسية لتنفيس هذا الضغط. ملف اليمن يرتبط أيضا بالضغوط على السعودية بعد مقتل جمال خاشقجي، وإمكانية حصد تنازل هناك إلى جانب مراجعة المبيعات العسكرية.
تغييرات الكونغرس ستضع ضغوطا أكبر على ترامب في ملف عملية السلام. فرغم دعم الحزبين لإسرائيل وتولي أليوت أنجل رئاسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الجديد، سيكون أصعب على ترامب معاقبة السلطة الفلسطينية لدفعها إلى المفاوضات. فالكونغرس قد يتجه لتبني سياسة أكثر تقليدية في ملف عملية السلام تؤيد إسرائيل، لكنها ترفض قطع التمويل عن السلطة.
أما في الملف الإيراني والذي يشكل أولوية لترامب، فالتغييرات لن تطال العقوبات المفروضة على طهران بل الموقف الدولي منها. أي أن الكونغرس الذي صوت بأكثريات ساحقة في مجلسي الشيوخ والنواب لمعاقبة حزب الله والحرس الثوري سيستمر في هذا النهج، إنما قد يدفع لمفاوضات مع الأوروبيين حول تعديل الاتفاق نووي أو غض النظر عن أوروبا في تطبيق العقوبات.
سورية ليست أولوية لترامب وبالتالي لن تكون أولوية للكونغرس، أما دعم حكومات العراق ومصر والأردن فالمرجح أن يستمر. وفي أزمة قطر، فالكونغرس قد يضغط مع الخارجية من دون أن يكون هناك حل قريب أو في الأفق.
تولي الديموقراطيين مطرقة مجلس النواب قد يعيد بعض الاتزان لسياسة ترامب في الشرق الأوسط من دون أن يطيح بأولوياتها. فالمعركة الأكبر هي على السلطة التنفيذية ومخاض الانتخابات الرئاسية في 2020 والتي بدأت فعليا اليوم.
الحرة