عثمان ميرغني
إذا كانت أميركا توجهت إلى معركة انتخابات التجديد النصفي للكونغرس أول من أمس منقسمة، فقد خرجت منها أكثر انقساماً. النتائج لم تأتِ بانتصار كامل وحاسم لأي طرف من الأطراف، بل وزعت المكاسب والخسائر على الديمقراطيين والجمهوريين، ووجهت رسالة للرئيس دونالد ترمب بأن يتوقع عامين صعبين، وطريقاً وعراً نحو انتخابات الرئاسة المقبلة في 2020 التي أعلن أنه سيخوضها بأمل البقاء في البيت الأبيض فترة ثانية. صحيح أن ترمب وصف النتائج بأنها «فوز هائل»؛ لأن الديمقراطيين لم يكتسحوا الكونغرس بمجلسيه مثلما كانوا يأملون، بل اقتصر نجاحهم على انتزاع السيطرة على مجلس النواب، بينما أفلح الجمهوريون في تعزيز قبضتهم على مجلس الشيوخ، لكن هذا جانب وحيد من صورة أكثر تعقيداً في قراءة نتائج الانتخابات.
أهمية الانتخابات النصفية أنها ترسم بعض الملامح لما يمكن توقعه في الطريق نحو معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهناك بالتأكيد رسائل غير مريحة لترمب في نتائجها، فهو سيواجه لأول مرة منذ دخوله البيت الأبيض، مجلس نواب يسيطر عليه خصومه الديمقراطيون الذين يبدون متحفزين لمساءلته ومحاسبته على كل كبيرة وصغيرة، ومستعدين لفتح تحقيقات حول بعض ملفاته للطعن في أدائه. وقد ذهبت بعض التوقعات إلى أن الديمقراطيين سيفتحون ملف محاسبة الرئيس لعزله، لكن الحقيقة أنهم لا يملكون السلطة الكافية لهذا الأمر ما دام مجلس الشيوخ في يد الجمهوريين. أضف إلى ذلك أن كثيراً في هذا الجانب لا يعتمد على حسابات الديمقراطيين، بل على نتائج التقرير الذي سيرفعه روبرت مولر رئيس مكتب المباحث الفيدرالي (إف بي آي) الأسبق بشأن التدخل الروسي في انتخابات 2016 وما إذا كان هناك تواطؤ من جانب حملة ترمب.
الديمقراطيون أيضاً سيلعبون أوراقهم بحذر وأعينهم على انتخابات 2020، إذ لا يريدون أن يظهروا وكأن كل همهم هو تصيد الرئيس لإسقاطه، ولا سيما أنهم يتوقعون أن يُحملهم الجمهوريون مسؤولية عرقلة الحكومة، وأن يستخدم ترمب معركتهم ضده لشحن قواعده الشعبية، مثلما حدث في قضية التصويت على ترشيح القاضي بريت كافانو للمحكمة الدستورية العليا. لهذا سيختارون معاركهم بعناية، مفضلين التركيز على برامجه المثيرة للجدل، وبعض ملفاته التي تستثير الناس ضده مثل ملفه الضريبي، تاركين ما تبقى لهفوات الرئيس وتغريداته المثيرة للجدل.
شخصية ترمب، كما سياساته، كانت عنصراً طاغياً في قرار غالبية الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات النصفية، والأرجح أن الأمر سيكون كذلك في انتخابات 2020. فوفقا لاستطلاعات الرأي التي سبقت انتخابات أول من أمس، أكد 65 في المائة من الناخبين أن موقفهم من ترمب وشخصيته وأدائه كان له أثر كبير في تصويتهم. 26 في المائة من هؤلاء قالوا إنهم صوتوا تعبيراً عن مساندتهم لترمب، بينما أكد 39 في المائة أنهم صوتوا للتعبير عن موقفهم الرافض لمواقفه وأسلوبه. ترمب نفسه شجع الناخبين على النظر للانتخابات باعتبارها استفتاء على رئاسته، ودعا أنصاره للحشد والمشاركة في التصويت لمنع فوز الديمقراطيين الذين قال إنهم يخططون لعزله، كما اتهمهم بأنهم يعرضون أمن البلد للخطر، بفتح الباب أمام قوافل المهاجرين التي «تغزو» الولايات المتحدة.
الواقع أن ترمب سعى لتكرار الوصفة التي حققت له الفوز في انتخابات الرئاسة قبل عامين، وهي وصفة تقوم على مغازلة اليمين المتطرف بشقيه الديني والعنصري، والنفخ في النعرة القومية برفع شعار «أميركا أولاً»، والمبالغة في استخدام ورقة الهجرة باعتبارها مهدداً لأمن أميركا واقتصادها وسلامة سكانها من «المجرمين والإرهابيين ومروجي المخدرات». لهذا جعل مسألة «قافلة المهاجرين» القادمة من هندوراس وغواتيمالا والسلفادور باتجاه الحدود الأميركية قضية أساسية في الانتخابات النصفية، رافضاً إعطاء أولوية للاقتصاد «لأنه مضجر»، حسب تعبيره.
غالبية قاعدة ترمب بقيت موالية له ومتجاوبة مع خطابه، خصوصاً بين «الرجال البيض الغاضبين» ممن هم فوق سن الستين. لكن ما يثير القلق في معسكره، هو ظاهرة الصوت النسائي الذي انفض من حوله. فالنساء اللائي شكلن نسبة 52 في المائة من الناخبين في انتخابات هذا الأسبوع، رجحن كفة الديمقراطيين في كثير من الدوائر، وأسهمن في فوز نحو 113 امرأة وهو أعلى عدد للنساء في تاريخ الكونغرس. وفي الوقت الذي صعّد فيه ترمب من حدة خطابه ضد المهاجرين، كان لافتاً أنه من ضمن الفائزات أول مسلمتين تدخلان الكونغرس، وكذلك أول امرأتين من الأميركيين الأصليين، إضافة إلى أصغر عضوتين.
بناء على هذه النتائج يتوقع أن يلعب الصوت النسائي دوراً كبيراً في انتخابات 2020، والديمقراطيون الذين راهنوا على المرأة وربحوا في انتخابات أول من أمس قد يفكرون في دعم ترشيح سيدة للمرة الثانية لمواجهة ترمب في المعركة الكبرى القادمة، وهناك عدد من الطامحات لذلك في صفوف الحزب.
الكثير يمكن أن يحدث في عالم السياسة المتقلب، وفترة عامين تعتبر زمناً طويلاً في عالم السياسة، لكن المؤكد أن ترمب سيبقى يثير الجدل والانقسامات والاستقطاب الشديد في أميركا. عدا ذلك لن يكون هناك تغيير جذري في السياسات، خصوصاً الخارجية، لكن ترمب سيواجه عراقيل في مجلس النواب «الديمقراطي»، وعقبات في الطريق نحو معركة صعبة في 2020.
أهمية الانتخابات النصفية أنها ترسم بعض الملامح لما يمكن توقعه في الطريق نحو معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهناك بالتأكيد رسائل غير مريحة لترمب في نتائجها، فهو سيواجه لأول مرة منذ دخوله البيت الأبيض، مجلس نواب يسيطر عليه خصومه الديمقراطيون الذين يبدون متحفزين لمساءلته ومحاسبته على كل كبيرة وصغيرة، ومستعدين لفتح تحقيقات حول بعض ملفاته للطعن في أدائه. وقد ذهبت بعض التوقعات إلى أن الديمقراطيين سيفتحون ملف محاسبة الرئيس لعزله، لكن الحقيقة أنهم لا يملكون السلطة الكافية لهذا الأمر ما دام مجلس الشيوخ في يد الجمهوريين. أضف إلى ذلك أن كثيراً في هذا الجانب لا يعتمد على حسابات الديمقراطيين، بل على نتائج التقرير الذي سيرفعه روبرت مولر رئيس مكتب المباحث الفيدرالي (إف بي آي) الأسبق بشأن التدخل الروسي في انتخابات 2016 وما إذا كان هناك تواطؤ من جانب حملة ترمب.
الديمقراطيون أيضاً سيلعبون أوراقهم بحذر وأعينهم على انتخابات 2020، إذ لا يريدون أن يظهروا وكأن كل همهم هو تصيد الرئيس لإسقاطه، ولا سيما أنهم يتوقعون أن يُحملهم الجمهوريون مسؤولية عرقلة الحكومة، وأن يستخدم ترمب معركتهم ضده لشحن قواعده الشعبية، مثلما حدث في قضية التصويت على ترشيح القاضي بريت كافانو للمحكمة الدستورية العليا. لهذا سيختارون معاركهم بعناية، مفضلين التركيز على برامجه المثيرة للجدل، وبعض ملفاته التي تستثير الناس ضده مثل ملفه الضريبي، تاركين ما تبقى لهفوات الرئيس وتغريداته المثيرة للجدل.
شخصية ترمب، كما سياساته، كانت عنصراً طاغياً في قرار غالبية الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات النصفية، والأرجح أن الأمر سيكون كذلك في انتخابات 2020. فوفقا لاستطلاعات الرأي التي سبقت انتخابات أول من أمس، أكد 65 في المائة من الناخبين أن موقفهم من ترمب وشخصيته وأدائه كان له أثر كبير في تصويتهم. 26 في المائة من هؤلاء قالوا إنهم صوتوا تعبيراً عن مساندتهم لترمب، بينما أكد 39 في المائة أنهم صوتوا للتعبير عن موقفهم الرافض لمواقفه وأسلوبه. ترمب نفسه شجع الناخبين على النظر للانتخابات باعتبارها استفتاء على رئاسته، ودعا أنصاره للحشد والمشاركة في التصويت لمنع فوز الديمقراطيين الذين قال إنهم يخططون لعزله، كما اتهمهم بأنهم يعرضون أمن البلد للخطر، بفتح الباب أمام قوافل المهاجرين التي «تغزو» الولايات المتحدة.
الواقع أن ترمب سعى لتكرار الوصفة التي حققت له الفوز في انتخابات الرئاسة قبل عامين، وهي وصفة تقوم على مغازلة اليمين المتطرف بشقيه الديني والعنصري، والنفخ في النعرة القومية برفع شعار «أميركا أولاً»، والمبالغة في استخدام ورقة الهجرة باعتبارها مهدداً لأمن أميركا واقتصادها وسلامة سكانها من «المجرمين والإرهابيين ومروجي المخدرات». لهذا جعل مسألة «قافلة المهاجرين» القادمة من هندوراس وغواتيمالا والسلفادور باتجاه الحدود الأميركية قضية أساسية في الانتخابات النصفية، رافضاً إعطاء أولوية للاقتصاد «لأنه مضجر»، حسب تعبيره.
غالبية قاعدة ترمب بقيت موالية له ومتجاوبة مع خطابه، خصوصاً بين «الرجال البيض الغاضبين» ممن هم فوق سن الستين. لكن ما يثير القلق في معسكره، هو ظاهرة الصوت النسائي الذي انفض من حوله. فالنساء اللائي شكلن نسبة 52 في المائة من الناخبين في انتخابات هذا الأسبوع، رجحن كفة الديمقراطيين في كثير من الدوائر، وأسهمن في فوز نحو 113 امرأة وهو أعلى عدد للنساء في تاريخ الكونغرس. وفي الوقت الذي صعّد فيه ترمب من حدة خطابه ضد المهاجرين، كان لافتاً أنه من ضمن الفائزات أول مسلمتين تدخلان الكونغرس، وكذلك أول امرأتين من الأميركيين الأصليين، إضافة إلى أصغر عضوتين.
بناء على هذه النتائج يتوقع أن يلعب الصوت النسائي دوراً كبيراً في انتخابات 2020، والديمقراطيون الذين راهنوا على المرأة وربحوا في انتخابات أول من أمس قد يفكرون في دعم ترشيح سيدة للمرة الثانية لمواجهة ترمب في المعركة الكبرى القادمة، وهناك عدد من الطامحات لذلك في صفوف الحزب.
الكثير يمكن أن يحدث في عالم السياسة المتقلب، وفترة عامين تعتبر زمناً طويلاً في عالم السياسة، لكن المؤكد أن ترمب سيبقى يثير الجدل والانقسامات والاستقطاب الشديد في أميركا. عدا ذلك لن يكون هناك تغيير جذري في السياسات، خصوصاً الخارجية، لكن ترمب سيواجه عراقيل في مجلس النواب «الديمقراطي»، وعقبات في الطريق نحو معركة صعبة في 2020.
الشرق الاوسط