أوروبا
روما “حالة من الاهمال” … وعمدة المدينة تواجه مهمة مستحيلة رغم البراءة
– لم تكن روما أبدا رمزا للحكم الرشيد منذ أفول إمبراطوريتها القديمة. ولكن كثيرا من سكان العاصمة الايطالية يرونها وقد انزلقت إلى حالة من الفوضى التامة خلال السنوات الاخيرة.
ويقول منشور ظهر مؤخرا على مدونة “روما فا شيفو” (روما تمتص)، وهي حملة مدنية ذات تأثير واسع، إن سكان المدينة “يرون شوارع متهالكة، وقمامة في كل مكان، وحركة مرورية تتسم بالجنون، وحافلات لا تصل أبدا، وحدائق ومتنزهات مهملة” .
وخلال الاشهر القليلة الماضية فقط ، اشتعلت النيران في 20 من الحافلات التي تسير في شوارع المدينة ، كما سقطت أشجار فوق سيارات، ومبان بفعل العواصف ، وانهار مصعد في قطار الانفاق ليتسبب في إصابات لأكثر من 20 شخصا ، كما ظهرت حفر بعمق أمتار في الشوارع السكنية .
وأصبحت المدينة ساحة لصيد للكائنات البرية التي تجذبها القمامة المتراكمة، بما في ذلك طيور النورس العملاقة التي تريد أن تنتزع الطعام من أيدي السائحين والخنزير البري الذي تم رصده وهو يتجول في الشوارع في الليل.
وقع كل هذا على مرأى ومسمع من عمدة المدينة فيرجينيا راجي التي تنتمي إلى حزب “حركة خمس نجوم” المناهض للمؤسسة.
وحققت راجي فوزا ساحقا في انتخابات عام 2016 على أساس بطاقة “سياسة نظيفة” في أعقاب فضيحة فساد كبيرة أحاطت بساسة من الأحزاب الحاكمة سابقا، ولكنها هي نفسها سقطت في فضيحة مماثلة، بسبب قضية محسوبية.
ولكن المحكمة برأت أمس السبت ساحة راجي من تهمة الإدلاء ببيانات كاذبة.
وكانت راجي اتهمت بالكذب عندما قالت إن رئيسها السابق ، رافاييل مارا ، لم يؤثر على اتخاذها قرارا بترقية شقيقه، ريناتو، إلى منصب كبير بالمجلس البلدي.
وكانت الاستقالة أقل شئ يمكن أن يتم في حال الادانة، على الأقل وفقا لمدونة قواعد الاخلاق الخاصة بالحزب التي تنتمي إليه .
وقالت راجي لتليفزيون “لا 7” في الثاني من تشرين ثان/نوفمبر الجاري إنها “مطمئنة تماما” فيما يتعلق بالحكم المرتقب، وذكرت أن “الكثير” من سكان روما يشجعونها على المضي قدما، واستبعدت إجراء انتخابات مبكرة على منصب عمدة روما. وقالت: “وفي نفس الوقت، نواصل عملنا”.
ولم يرق هذا لكثيرين.
وقالت فرانشيسكا بارزيني ،وهي من منظمي احتجاج “روما تقول كفى”، الذي جذب آلاف المشاركين، لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) :”نعتقد أن العمدة ليست قادرة على ذلك، وقد أثبتت إدارتها أنها غير كفية على الإطلاق”.
وفي يوم27 تشرين أول/أكتوبر الماضي، احتشد كثيرون أمام مكتب العمدة بساحة كابيتول، التي صممها مايكل أنجلو قبل قرون، حاملين لافتات عليها عبارات مثل “مقلب القمامة العظيم” ،في تقليد لاسم الفيلم الحائز على جائزة أوسكار عام 2014 “الجمال العظيم” .
وانتقدت راجي المتظاهرين ووصفتهم بأنهم “ليسوا على علاقة بالواقع” أو أنهم “مثقفون زائفون لم يسبق لهم قط أن استقلوا حافلة” ، مضيفة أنها قضت العامين الأخيرين وقد “سخرت نفسها وواصلت الليل بالنهار في محاولة لاصلاح مدينة مُدمَرة”.
وتواجه راجي مهمة شاقة. فعلى سبيل المثال لا الحصر ، ذكرت تقديرات جمعية المستهلكين “كوداكونز” في حزيران/يونيو الماضي أن روما بها 60 ألف حفرة. كما تجري الشركة المحلية للنقل العام “أتاك” إجراءات لإشهار إفلاسها بعد أن تراكمت ديونها لتصل إلى حوالي 3ر1 مليار يورو (5ر1 مليار دولار).
واليوم الأحد ، بعد يوم واحد من صدور الحكم ببراءة راجي ، يدلي سكان روما بأصواتهم في استفتاء من شأنه أن يمثل تهديدا للعمدة. ويتعلق الأمر بتحرير خدمات الحافلات وقطار الانفاق، على خلفية ما تمارسه شركة “أتاك” من احتكار.
وتعارض العمدة إجراء الاستفتاء لأنها تريد إبقاء الخدمات العامة في يد الحكومة، في حين يشير مؤيدو الاستفتاء إلى أن أي منافس خارجي لشركة “أتاك” سيتمكن من تحسين السجل الردئ لخدمات الشركة.
ومن المتوقع أن يفشل الاستفتاء بسبب انخفاض نسبة المشاركة ، ولكن حتى ذلك لن يزيل الضغوط عن راجي.
وتعرضت راجي في الآونة الأخيرة لهجوم من وزير الداخلية والزعيم اليميني المتطرف ماتيو سالفيني، الذي يقود حزبه “الرابطة” الائتلاف الحاكم مع “حركة خمس نجوم” .وقد استغل سالفيني حادث اغتصاب فتاة مراهقة، ثم قتلها، في وسط روما مؤخرا للتنديد بما وصفه بـ”الثقوب السوداء” في أمن المدينة ، وهي خطوة يعتقد أنها قد تمثل بداية لحملة ضد العمدة الحالية .
وقالت جوليا بونجورنو ،وزيرة الإدارة العامة، لصحيفة “لا ستامبا” الشهر الماضي :”لا أُدين أحدا (في مشكلات القانون والنظام في روما) ، لكنني أقول إن من يتولى منصب العمدة هو المسؤول بشكل موضوعي عن الاوضاع”.
ومن شأن الهجوم القوي ضد رئاسة بلدية روما أن يعزز من وضع سالفيني باعتباره السياسي الأكثر شعبية في إيطاليا.
ولكن، ووفقا لمحرر مدونة “روما تمتص” ماسيميليانو تونيلي، لن يكون تغيير القيادة مجددا علاجا لـ “المدينة الأبدية”. ويقول تونيلي إن الامر يتطلب تغيير عقلية سكان روما العاديين.
ويصف تونيلي السكان بأنهم “جهلاء” يتألمون من مظاهر الاخفاق في مدينتهم ، ولكنهم يعارضون الحلول، فهم يشكون، على سبيل المثال، من تراكم القمامة التي لا يجمعها أحد، ويشكون أيضا من وجود المرافق الجديدة معالجة القمامة الجديدة. (د ب أ)