السلايدر الرئيسيشرق أوسط

الحريري يردّ على “حزب الله” حول العُقدة السُنّيّة المفتعَلة.. والراعي يرفض ذهنيّة “ميليشيات” السياسة في لبنان

جمال دملج

– بيروت – من جمال دملج – بصرف النظر عن الجدل الدائر في الأوساط اللبنانيّة على خلفيّة تبايُن الآراء والتقديرات حول طبيعة المواقف التي أطلقَها الأمين العامّ لـ “حزب الله” السيّد حسن نصر الله خلال إطلالته الأخيرة في مناسبة “يوم الشهيد” نهار السبت الفائت بخصوص الولادة الحكوميّة المتعثِّرة، ولا سيّما من حيث تجلّيات ودلالات ما وصَفَه البعض بأنّه “نبرةٌ فوقيّةٌ” استُخدمَت لدى الإشارة إلى “عُقدة النوّاب السُنّة المستقلّين” بشكلٍ يُوحي بأنّ الحزب وحده أصبح الآمر الناهي في مجال تحريك مفاتيح الحلّ والربط لكافّة الملفّات والقضايا الداخليّة في البلد، بدءًا من الدساتير والقوانين التي يُفترَض مبدئيًّا أن تُنظِّم دورة الحياة السياسيّة وانتهاءً بمهمّة تشكيل الحكومة التي وضَعَها دستور “اتّفاق الطائف” في يد الرئيس المكلَّف بالتنسيق مع رئيس الجمهوريّة، فإنّ ما لا يقبَل الجدل هو أنّ الرئيس سعد الحريري قال في المحصِّلة النهائيّة كلمته الحاسِمة حول هذا الموضوع بصراحةٍ مطلقةٍ، ومن دون أيِّ لفٍّ أو دوران، واضعًا أثناء المؤتمر الصحافيّ الذي عقده في “بيت الوسط” بعد ظهر اليوم الثلاثاء “نقطةً على السطر” بعد تأكيده على أنّ “لا أحد غيره وغير رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون يملك الحقّ للتدخُّل في مسار التشكيلة الحكوميّة”، ومجدِّدًا رفضه لآليّة الأسلوب المستخدَم في “افتعال” عُقدة توزير أحد النوّاب من “سُنّة 8 آذار” من قِبَل السيّد نصر الله، وموضِحًا في هذا السياق أنّ هؤلاء النوّاب السِتّة لو بادروا إلى الإعلان عن تأليفِ كتلةٍ برلمانيّةٍ فيما بينهم قَبل بدء الاستشارات النيابيّة الملزِمة لتشكيل الحكومة، ولو أنّهم لم يُشاركوا أصلًا في تلك الاستشارات ضمن الكتل الأخرى لكلٍّ من “حزب الله” وحركة “أمل”، لكان قد أصبح “مجبرًا على عدم استبعادهم”، ومستهجِنًا في نهاية المطاف ما يُشاع عن أنّه يرغب في احتكار التمثيل السُنّيّ لصالح “تيّار المستقبل” الذي يتزعَّمه.

الاستلشاق المرفوض

وفي هذا السياق، أكَّد الرئيس الحريري على أنّه ينتمي إلى مدرسة والده الشهيد رفيق الحريري الذي قال يومًا “إنّ المسيحيّ المعتدِل أقرب إليَّ من المسلم المتطرِّف”، مشدِّدًا على أنّ “السُنّة طائفةٌ أساسيّةٌ في البلد، ولا يمكن أن نقبل بطغيان أيِّ طائفةٍ عليها، وليس صحيحًا أنّني أريد احتكار السُنّة في الحكومة”، ومذكِّرًا بأنّه كان قد اجتمع في إطار الاستشارات النيابيّة الملزِمة مع الرئيس نجيب ميقاتي على رغم التنافُس معه أثناء انتخابات شهر أيّار (مايو) الماضي في مدينة طرابلس وذلك بالنظر إلى أنّه “يترأّس كتلةً برلمانيّةً يحقُّ لها أن تتمثَّل في الحكومة”، ورافضًا ما يُقال عن “أنّنا أخذنا موضوع توزير النوّاب السِتّة باستلشاقٍ، وهذا غيرُ صحيحٍ، فأنا كنت جدّيًّا ومباشِرًا، ولم أكن أناور، وقلت لحزب الله وللجميع أنّ هذا الأمر لن يمرَّ منذ البداية”.

جهود باسيل

وإذا كان هذا الكلام يعني في إطار ما يعنيه أنّ “العُقدة السُنّيّة” لا تزال تُراوِح مكانها، وهو ما أشار إليه الرئيس الحريري في سياق إجابته عن سؤالٍ لأحد الصحافيّين عندما قال إنّه “لو كانت قد حُلَّت لكنتُ الآن في القصر الجمهوريّ” لتقديم التشكيلة الوزاريّة، فإنّ الأنظار لا بدَّ من أن تتركَّز في هذه الأثناء على الجهود التي يبذلها رئيس “التيّار الوطنيّ الحرّ” الوزير جبران باسيل، بتكليفٍ من الرئيس عون، مع الأفرقاء المعنيّين بهذه العُقدة أملًا في التوصُّل إلى حلحلتها، وهي الجهود التي بدأت البارحة مع كلٍّ من رئيس مجلس النوّاب نبيه بري والرئيس الحريري، ومن ثمّ باللقاء الذي جمع الوزير باسيل على هامش جلسة مساء أمس الاثنين في البرلمان مع النائب فيصل كرامي، وهو أحد النوّاب السُنّة السِتّة المستقلّين الذين تسبّبوا بافتعال العُقدة المذكورة، علمًا أنّ الإسراف في التفاؤل حيال إمكانيّةِ تحقيقِ تقدُّمٍ سريعٍ على هذا الصعيد لم يجِدْ بَعْد لغاية هذه اللحظة مبرِّراته الكافية في ظلّ إصرار “حزب الله” على عدم التخلّي عن حلفائه من النوّاب السِتّة وربطه مسألة تقديم أسماء وزرائه الثلاثة إلى الرئيس المكلَّف بمسألة قبول توزير أحد هؤلاء الحلفاء، حتّى ولو أنّ كلام السيّد حسن نصر الله نهار السبت الماضي، وعلى رغم سقفه العالي، ترك في المحصِّلة النهائيّة هامشًا لردم الهوّة مع الرئيس المكلَّف من خلال الدعوة إلى “الحديث مع السُنّة المستقلّين لمعرفة مطالبهم وماذا يريدون”.

الميليشيات السياسيّة

وسط هذه الأجواء، يُصبح في الإمكان القول إنّ المواقف الموازية التي أطلقها البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في سياق الردّ على “النبرة الفوقيّة” للأمين العامّ لـ “حزب الله”، والتي جاء فيها أنّه “من غير الممكن القبول بأن يُحكَم لبنان بذهنيّةِ ميليشياتٍ سياسيّةٍ بعد أن انتهى زمن الميليشيات العسكريّة”، وأنّ “ما يؤلم شعبنا ويؤلمنا هو إهمالُ المسؤولين في الدولة وحصرُ اهتمامهم بمصالحهم الخاصّة والظهورُ وكأنّهم لا يريدون بناءَ دولةِ قانونٍ لأنّها تتنافى ومكاسبهم ونفوذهم وزعاماتهم، ولهذا السبب ضعف الولاء للبنان”، على حدِّ تعبيره، جاءت لتُصنَّف باعتبارها المواقف الأكثر بلاغةً في التعبير عن واقع الحال الذي يعيشه اللبنانيّون في هذه المرحلة العصيبة من تاريخهم، الأمر الذي لم يكن مستغربًا على الإطلاق أن يخرج بهذا القدْر من الصراحة عن صَرْحٍ بطريركيٍّ عريقٍ لطالما جسَّد على مرِّ التاريخ لغة العقل في خضمّ نوبات جنون الجسَد اللبنانيّ فوق كامل مساحة العشرةِ آلافٍ وأربعمئةٍ واثنينِ وخمسينَ كيلومترًا مربَّعًا، من الشمال إلى الجنوب، ومن اليمين إلى اليسار… والخير دائمًا من وراء القصد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق