أقلام يورابيا

العشاء الأخير في مسيرة زيهوفر السياسية

زاهي علاوي

زاهي علاوي

وزير الداخلية الألماني، هورست زيهوفر يعلن رسمياً تنازله عن رئاسة الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، ولكنه يحتفظ في نفس الوقت بحقيبة الداخلية. انسحاب تكتيكي لحفظ ماء الوجه للسياسي الذي عرف بعناده ومناكفته الدائمة للمستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل. مناكفة كادت أن تطيح حتى بالمستشارة نفسها في الانتخابات الأخيرة، إلا أنها تمكنت بشق الأنفس من تشكيل حكومة، أقل ما يمكن وصفها بأنها عرجاء.

انسحاب تكتيكي، ولكنه إجباري، فقد خرج وزير الداخلية من اجتماع قيادة حزبه مطأطئ الرأس ولا يقوى على التقاط الأنفاس، قائلاً للصحفيين بأنه سيعود للمنزل للتفكير في القرارات التي سيعلنها الأسبوع المقبل. لكن المؤشرات كانت واضحة إلى أين ستأخذه هذه القرارات، وهي إجباره على التنحي عن رئاسة الحزب. فقد تعرض زيهوفر لضغوطات كبيرة في الأشهر الأخيرة، خاصة من قيادة حزبه في بافاريا.

زيهوفر الذي تمكن قبل أربع سنوات من جلب الأغلبية المطلقة لحزبه في الويلاية، هو نفسه يتحمل مسؤولية الانتكاسة الكبيرة، التي منهي المسيحي الاجتماعي في انتخابات هذا العام، بعد أن أخفق في بلوغ نسبة 39 في انتخابات عام 2017.

عرف زيهوفر بسيد التناقضات والعناد، حتى مع نفسه. ولكنه لطالما اعتبر ذلك بأنه تلبية لمطالب الشعب وأنه حليف مع المواطنين، قبل أن يكون جزءاً من الحكومة. هذا التصور دفع به لمعاندة رئيسته في الترتيب الهرمي الحكومي، ميركل ودخل معها في سجالات لم تقتصر على الاجتماعات المغلقة، بل خرجت أيضاً إلى وسائل الاعلام، كان أهمها قراره بفرض رقابة على الحدود الألمانية مع النمسا، لمنع تدفق اللاجئين إليها، دون الرجوع قبل ذلك إلى المستشارة ميركل. هذا إضافة إلى إجبار أحزاب الائتلاف على تحديد سقف أعلى لاستقبال اللاجئين، على أن لا يزيد عن 200 ألف شخص في العام.

زيهوفر العنيد يخنع أخيراً للضغوط الداخلية، ليس من أعضاء الحكومة، بل من أبناء جلدته، الذين أعاد لهم الأغلبية المطلقة في بافاريا، ولكن هؤلاء انقلبوا عليه واختاروا العمل بدونه، لا بل الإطاحة به. فقد أذعن وزير الداخلية الألماني لمطالب حزبه بضرورة التنازل على رئاسة الحزب طواعية، قبل الإطاحة به بؤتمر استثنائي للحزب.  رفاق الدرب اتهموه بل وحملوه مسؤولية الهزيمة الموجعة، التي مني بها الحزب في انتخابات شهر أكتوبر وأسفرت عن خسارة الأغلبية المطلقة في بافاريا.

ورغم تنازل زيهوفر عن رئاسة الحزب وتمسكه بحقيبة الداخلية، إلا أن كثيرين توقعوا بل ويكاذ البعض يجزم بقرب السقوط الأخير للوزير هورست زيهوفر خلال الأشهر القليلة المقبلة. فقد رشحت بعض الأسماء من داخل الحزب لخلافته في وزارة الداخلية، أهما اسم وزير داخلية ولاية بافاريا، يوآخيم هيرمان.

ومع كل ذلك وتسارع هذه الأحداث في الأسابيع القليلة الماضية، إلا أن بداية السقوط للسياسي العنيد بدأت بتجريده من رئاسة وزراء الولاية، والتي لم يتمكن زيهوفر من نسيانها بسرعة، ولطالما عبر عن ذلك صراحة، مؤكداً أنه فقد أجمل المهام في مسيرته السياسية. والآن توالت الهزائم ليبدأ العد التنازلي لسدل الستار عن مسيرة شخصية كافحت للصعود، وهوت أسرع مما كانت تتوقع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق