أقلام مختارة

‘انتصار’ جديد يسقط على رؤوسنا

حازم الأمين

حازم الأمين

“النصر في غزة أطاح أفيغدور ليبرمان”! لقد أصبحت العبارة مملة ومبتذلة، إلا أنها ما زالت تجد من لا يتردد في إشهارها بوجوهنا، نحن الذين ومنذ عقود طويلة مستمرون في امتصاص الهزائم. والحال أن “الانتصارات” إذا ما قيض للمرء أن يحصيها وأن يجمع نتائجها فمن المفرض أن نكون اليوم على أبواب روما. لكن ليس هذا جزءا من حساب المنتصرين، ولا من طموحاتهم، فوظيفة الانتصار مرة أخرى ليس التقدم خطوة نحو الدولة الفلسطينية، بل هي جزء من حسابات المحاور التي أعادت حركة “حماس” “المنتصرة” التموضع فيها إلى جانب طهران ودمشق وبيروت.

حركة “حماس” تعريفا هي نصر إسرائيلي. يوم قتل رابين، أعلن أن لا دولة فلسطينية، وبوشر العمل على تعطيل أي احتمال لقيام هذه الدولة. كانتون “حماس” في غزة حقق لإسرائيل جزءا كبيرا من هذه المهمة. “غياب الشريك”، و”دولة الإخوان”، هما ذريعتا تل أبيب في وجه أي محاولة لاستئناف أوسلو. واليوم يُتوج المشهد بنصر لحماس يعزز انعدام فرص السلام واختناق الدولة.

لطالما كانت هذه وظيفة “الانتصارات”، في لبنان وفي سوريا وفي فلسطين؛ “الانتصار” سعيا وراء شرعية للمستبد وللمستَتْبَع، لا بصفته حدثا سياسيا يُبنى على أساسه واقع، ويتقدم في ظله مشروع الخلاص. “الانتصار” بصفته خطوتان إلى الوراء، وبصفته تكريسا للانفصال. وهو تماما ما ينهي فرص قيام الدولة. على هذا النحو انتصر “حزب الله” في لبنان في العام 2006، وها هو بشار الأسد منتصرا في سياق ثقافة “الانتصار” الرائجة هذه.

والحال أن لا أحد منتصر باستثناء بنيامين نتانياهو الذي أتى به “انتصارنا” الأول في العام 1996، يوم أطحنا بشمعون بيريز بعد “حرب نيسان” وأتينا بنتانياهو. تخيلوا دلالات هذا الانتصار! حرب أطاحت ببيريس وكرست نتانياهو. لنتأمل بمعنى هذا “الانتصار” وبهوية المنتصرين.

ونتانياهو انتصر في هذه الحروب على إسرائيل قبل أن ينتصر علينا. إذا هو “منتصر” بدوره، والدليل أنه على رأس الحكومة من دون منافس. فالرجل بدد كل ادعاءات المؤسسين، وهشم صورة كانوا نجحوا في تسويقها عن أنفسهم وعن دولتهم.

لكن هل يمكننا أن نواجه إسرائيل بحقيقتها الجديدة؟ هل يمكننا أن نقول لها إنك لست شريكا في عملية السلام؟ وإن خيار نتانياهو الذي انخرطت به هو إعلان عن نهاية أي فرصة للسلام. كلا، لسنا في هذا الموقع، ذاك أن طموح “منتصرينا” في مكان آخر تماما. إسرائيل التي نجحت سابقا في تسويق صورة عن نفسها بصفتها نموذج خلاص للناجين اليهود، تغيرت، وهناك فرصة فعلية للمبادرة ولاستهداف “الشرعية الأخلاقية” التي أقنعت العالم بها. إنها إسرائيل نتنياهو وشاس واليمين المتطرف، وليست “دولة الناجين”. دولة المستوطنين، ودولة ضم القدس، ودولة محاولة حماية قتلة جمال خاشقجي. وهذا ما يمكن أن يضعنا في موقع أخلاقي يتيح لنا استئناف حلمنا بالدولة وبالقدس.

لسنا في هذا الموقع على الإطلاق، ذاك أننا شركاء في طموح نتانياهو المتمثل في القضاء على الحلم. ضم القدس ليس حلم نتانياهو فقط، إنه حلم “المنتصرين” في ديارنا أيضا، ذاك أنه يؤمن لهم فرص مواصلة حروبهم علينا. ثم أن المبادرة لاستهداف إسرائيل من هذا الموقع، يحتاج إلى قناعة بأن السلام، وفق شرط قيام دولة عاصمتها القدس، هو الهدف الذي يتقدم كل الحسابات، وهذا ليس محل ابتلائنا ولا طموحاتنا. فكل ما نريده هو الحروب، وهذه حال شريكنا نتانياهو. نسجل “انتصارات”، ويسجل هو بدوره تقدما في مشروعه المتمثل في منعنا من قيام الدولة.

إسرائيل لن تدخل إلى قطاع غزة، خلافا لما يروج له “إعلام الانتصارات”، فكانتون “حماس” هناك يؤمن لتل أبيب فرصة كبيرة لإفشال التسوية لغياب الشريك، ناهيك عن أعباء حكم القطاع وأكلاف احتلاله. الأثمان المطلوبة لتعليق السلام وللحروب المتقطعة في شمال القطاع ليست بالحجم الضاغط، وضبط الحرب بحدود هذه الأكلاف ما زال ممكنا. وأن يستقيل ليبرمان لأنه يريد للقبضة أن تكون أكثر صلابة وأن لا يستجيب نتانياهو لرغبته هذه، فهذا ما يجب أن يرفع من وتيرة شكوكنا بـ”حماس”، وبوظيفة كانتونها في القطاع. فرئيس الحكومة الإسرائيلي لا يريد أن يقضي على الرئة التي تؤمن له فرصة فشل أوسلو ومدريد، ولا يريد لأحد من على يمينه أن يغامر بالإنجاز.

لنعترف لـ”حماس” بأنها سجلت انتصارا في الحرب الأخيرة، أفضى إلى استقالة أفيغدور ليبرمان من حكومة نتانياهو! ولنحاول أن نضع هذا “الانتصار” في سياق تحقيق حلم قيام الدولة. لن نجد علاقة بين “النصر” وبين “الحلم” على الإطلاق. في إسرائيل سيتولى نتانياهو الحقيبة، أو ربما وزير من اليمين الأكثر تطرفا، بينما ستعزز “حماس” صورة “المنتصر” وستنتزع مزيدا من الدعم من إيران وقطر، وربما من الرياض هذه المرة، ذاك أن الأخيرة في سعيها لرأب الصدع الذي أحدثته جريمة إسطنبول، ستسعى لعقد تسويات قد تكون إحداها الموقف من “حماس”. لن نعثر على وظيفة أخرى لـ”الانتصار”. إنه انتصار علينا وليس على نتانياهو، وهذا ما سنعاينه قريبا، وهذا ما لن نقوى على أن نتعِظ منه.

الحرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق