– واشنطن -ناتالي فايزر – مرّ عام على طرد داعش من الرقة ولا يزال سكان شمال شرق سوريا يجاهدون من أجل الوقوف على أقدامهم. ولكن واحدة من أكبر العقبات التي يواجهونها هي التلوث الكبير من العبوات الناسفة وغيرها من مخلفات الحرب المتفجرة التي خلفتها داعش وراءها في كلّ مكان بما في ذلك عدد لا يحصى من المنازل والمحلات والمستشفيات والمدارس والطرق ومحطات ضخ المياه والكهرباء مرافق الطاقة. ولا يقتصر خطر هذه المخلّفات القابلة للانفجار على تهديد سكان شمال شرق سوريا أثناء محاولتهم التعافي من حكم داعش الوحشي، ولكنه يمنع منظمات الإغاثة الإنسانية وممثلي الاستقرار من الوصول إلى المناطق الرئيسية وتوفير المساعدة التي يحتاجها هؤلاء السكان بشدة.
يعمل مكتب إزالة وتخفيض الأسلحة التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، وهو جزء من مكتب الشؤون السياسية والعسكرية، على إزالة المتفجرات من مخلفات الحرب والعبوات الناسفة بدائية الصنع من البنية التحتية الحيوية في الأجزاء من شمال شرق سوريا التي تحررت من سيطرة تنظيم داعش، كما تعمل في الوقت نفسه على تثقيف الناس الذين يعيشون في تلك المناطق بشكل يومي على كيفية البقاء سالمين عند مواجهة خطر المتفجّرات. إن إزالة إرث داعش من المتفجرات من مخلّفات الحرب المتفجرة يساعد، من خلال تهيئة البيئات الآمنة للأسر ومنظمات المعونة الإنسانية، في إعادة الخدمات الأساسية في أماكن مثل الرقة، في الوقت الذي يعود فيه المهجّرون داخل سوريا واللاجئون طواعية إلى ديارهم وسبل عيشهم. وإنما من خلال هذه الجهود، تعمل الولايات المتحدة على توفير الاستقرار والأمن في المناطق المحررة.
بتمويل من الولايات المتحدة ومساهمات من الدنمارك وألمانيا وكوسوفو ولاتفيا والنرويج وتايوان، تقوم شركة تيترا تيك، الشريك الرئيسي لمكتب إزالة وتخفيض الأسلحة التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، ومقرها الولايات المتحدة بالأنشطة التالية:
· إجراء مسوحات لتعيين مواقع الخطر وتحديد مصادر الخطر القابلة للانفجار؛
· إزالة جميع أشكال مخاطر المتفجرات، بما في ذلك المتفجرات من مخلفات الحرب والعبوات الناسفة من مواقع البنية التحتية الحيوية مثل المدارس والمستشفيات ومرافق المياه النظيفة؛
· بناء القدرات المحلية من خلال تدريب المواطنين السوريين في المنطقة على إزالة مخاطر المتفجرات وفقا للمعايير الدولية؛ وأخيرا
· تثقيف السكان المحليين والعائدين حول مخاطر المتفجرات من خلال التوعية الرسمية بالمخاطر.
وتحظى الخطوة الأولى والحاسمة في إزالة مخاطر المتفجرات بقبول المجتمع المحلّي للوصول إلى الموقع. وتعمل شبكة الاتصال بالمجتمعات المحلية مع المجالس المحلية وقادة المجتمع لبناء الثقة واكتساب معلومات قيّمة حول المواقع المعروفة بأنها أكثر عرضة للمخاطر من أجل زيادة فعالية فرق المسح. بعد ذلك يقوم فريق خبراء التخلص من الذخائر المتفجرة بتفتيش المواقع المشتبه بها بطريقة منهجية لتقرير ما إذا كانت هناك مواد قابلة للتفجر. ويتمّ إجراء المسوحات من قبل موظفين مدربين سواء من خلال الزيارات الميدانية أم المراقبة الجوية عن بعد. وعلى مدى الأشهر الـ 19 الماضية، أعطيت الأولوية للبنية التحتية الحيوية، مثل الطاقة والمياه ومرافق النقل التي تعتبر حيوية بالنسبة للعودة الآمنة والطوعية للاجئين. منذ تحرير الرقة في أكتوبر 2017، أكملت شركة تيترا تيك أكثر من 400 دراسة استقصائية للبنية التحتية الحيوية.
عندما تشير الاستطلاعات إلى وجود مخاطر موادّ متفجرة، يبدأ فريق مؤلف من خبراء دوليين في التخلّص من المتفجرات وموظفين تقنيين محليين مدربين بالعمل معا. ويوجد لدى قادة الفرق أدوات عديدة للمساعدة في جعل عملهم أكثر كفاءة وفعالية وأمانًا، بما في ذلك المعدات الثقيلة المدرّعة، والكلاب البوليسية المدرّبة على الكشف عن المواد المتفجرة، وروبوتات مجهّزة بأسلحة ميكانيكية. وبعد تحييد جميع مخاطر التفجير المعروفة، يتمّ إخطار المجلس المدني المحلي، حيث يمكن بعدها أن يعود الموقع مرة أخرى لخدمة السكان المحليين. وقد تمّت عملية مسح وإزالة لأكثر من 300 موقع في مدينة الرقة، اعتبارا من سبتمبر 2018، بما في ذلك 9 مستشفيات و66 مدرسة و76 منشأة للبنية التحتية، بينها منشآت معالجة المياه والضخ، وتوليد الطاقة، ومحطات النقل.
ويطلب المجتمع المحلي أو قوات التحالف الدولي من فرق التطهير دعم “المهام الفورية”. وتشمل هذه الجهود التدخلات الطارئة لتحييد مخابئ المتفجرات والأسلحة الأخرى الموجودة في المناطق العامة. تقوم فرق الإزالة بتدمير هذه المواد للقضاء على التهديدات التي يتعرض لها المدنيون الذين لا يدركون خطرها ومنع الأطراف الفاعلة الخبيثة من جني ثمار مخاطر التفجير وإعادة تطويعها. حتى الآن، قامت فرق تطهير تيترا تيك بإزالة أكثر من 6000 من المتفجرات من الرقة والطبقة والمناطق المحيطة بهما. وبشكل عام، فإن التمويل من الولايات المتحدة ومساهمين دوليين آخرين قد تمكن من إزالة أكثر من 24,000 من الأخطار المتفجرة من نحو 150 ألف متر مربع من الأراضي، وهذا ما ساهم في تسهيل عودة أكثر من 160 ألف نازح إلى مناطقهم.
وقد قامت تيترا تيك، في محاولة منها للمساعدة في بناء قدرة دائمة ومستدامة للتخلص من الذخائر المتفجرة لما فيه خير لسكان شمال شرق سوريا، بتدريب 125 من السكان المحليين على تقنيات البحث عن المتفجرات وإزالتها والتخلص منها. بعد إكمال الطلاب تدريبهم، يتعاونون مع خبراء دوليين ويُجرون بأنفسهم عمليات مسح ومعالجة مخاطر التفجيرات الحقيقية. بل أن خمسة وعشرين مواطنا سوريا آخرين عملوا على توسيع قدراتهم، حيث حصلوا على تدريب متقدّم وشهادات بذلك. وبعد العديد من عمليات التقييم ومن ممارسة التدريب ومعالجة المتفجرات المتقدمة، يتمّ تأهيل هؤلاء الأفراد لتولّي مهام قادة الفرق الذين سيكونون مسؤولين عن عمليات إزالة الألغام اليومية في المواقع الرئيسية. وسوف يشكلّون نواة قدرة محلية جديدة لتوسيع عمليات التطهير عبر شمال شرق سوريا.
إن إبقاء سكان شمال شرق سوريا في مأمن من مخاطر التفجيرات يتطلب أيضًا عملية تعليمية. وتشمل جهود تيترا تيك للتوعية بمخاطر الألغام (MRE) فريقين يتفاعلان مع المجتمع يوميًا لإعلام المواطنين في الرقة والطبقة، والمجتمعات النائية ومخيمات النازحين حول مخاطر التفجير. وتلتقي هذه الفرق مع المجالس المدنية المحلية للحصول على دعمها وتحديد أفضل المواقع لتقديم دروس التوعية من مخاطر الألغام، غالبًا في المدارس وغيرها من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية. كما تضع الفرق ملصقات السلامة ولوحات الإعلانات في المناطق التي تنشط فيها حركة مرور عالية. وقد أكملت فرق تعليم مخاطر الألغام، لغاية الآن، 515 جلسة للتوعية من مخاطر الألغام، مما رفع مستويات الوعي لدى 70 ألف مواطن سوري، بينهم 65 ألف طفل.
وتهدف جهود مكتب إزالة وتخفيض الأسلحة التابع لوزارة الخارجية الأمريكية في شمال سوريا أولاً وقبل كل شيء إلى إنقاذ الأرواح وإيجاد مساحات آمنة للشعب السوري لإعادة بناء مجتمعاته. وقد تمّت إعادة الكهرباء الان للعديد من هذه المناطق، وعاد الماء يتدفّق فيها، وبات الوصول إلى احتياجات الرعاية الصحية الأساسية والطارئة ممكنا. واستأنف أكثر من 45000 طالب دراستهم، مع تأمين سلامة الوصول إلى المدارس والملاعب. والأهم من ذلك أن الوفيات الناجمة عن المخاطر القابلة للانفجار تتناقص بشكل كبير مع استمرار منظمة تيترا تيك وغيرها من منظمات مكافحة الألغام في تطهير الأخطار من المتفجرات، وتوعية السكان العائدين، وبناء القدرات المحلية للحفاظ على هذه الجهود.
ناتالي فايزر: مديرة برنامج سوريا في مكتب إزالة الأسلحة التابع لمكتب الشؤون السياسية والعسكرية.
* تنشر بالتزامن مع المكتب الإعلامي لوزارة الخارجية الأمريكية