صحف
“هآرتس:حماس ونتنياهو يلتقيان في مفترق مصالح مشتركة: استمرار سيطرة المنظمة في غزة
– رام الله – تكتب عميرة هسن في صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية”، أن حماس أعلنت عن انتصار عظيم بعد كل واحدة من الهجمات الإسرائيلية الثلاث الكبرى منذ العام 2008 التي خلفت الكثير من القتلى والدمار الكبير في القطاع. إذا كيف لا تعلن عن الانتصار في الوقت الذي لم تنته فيه ألـ 400 صاروخ التي أطلقتها (وقتل شخص بصواريخها، وهو عامل فلسطيني أصلا) بحرب رابعة؟
إن استعراض الانتصار يشير إلى الازدواجية في رؤية حماس الذاتية، كما تظهرها للخارج: مقاومة، منظمة تقاوم الاحتلال الكولونيالي من جهة، ومن جهة أخرى صاحبة السيادة في قطاع غزة التي تعبر عن إرادة الله والشعب (في انتخابات 2006، لكن من يحسب) والتي تخطو نحو قيادة الشعب الفلسطيني كله. كمقاومة، تفاخر حماس بانتصارات حقيقية أو مزيفة. وكصاحبة سيادة، يوجد لديها موظفين يجب أن تدفع لهم الرواتب، وشوارع يجب أن تشقها، سعت بنفسها إلى وقف إطلاق النار.
هنا، كما في حقائب الأموال القطرية، التقت حماس في مفترق طرق المصالح المشتركة مع بنيامين نتنياهو: ضمان استمرار سلطة حماس في القطاع، شريطة أن يكون هذا فقط في القطاع، أي بشرط أن يستمر الانقسام الفلسطيني الداخلي، الذي يعني استمرار الضعف السياسي الفلسطيني العام.
إن كشف الوحدة الإسرائيلية التي تسللت للقطاع لتنفيذ عملية هناك (والتي، كالعادة، لا يتم كشفها) هو حقا إنجاز لمقاتلي عز الدين القسام. وهو دليل آخر (مثل الصواريخ) على زيادة مهنية حماس العسكرية. هذه ليست مهنية لمجموعة عصابات في الغابة، بل منظمة تعتبر نفسها رأس دولة عليه الدفاع عن سيادتها والرد على كل اختراق. الإعلام الإسرائيلي صنع قصة كبيرة من شاب غزي نجح في الوصول إلى دفيئة في مستوطنة نتيف هعسرا، واعتبر ذلك بمثابة فشل أمنى فظيع. لماذا يتوقع الإسرائيليون من حماس أن تتعامل مع التسلل العسكري المعادي الذي تم اكتشافه على أنه أمر ليس مهما، فقط لأنه أمر معتاد وبشكل عام لا يتم كشفه؟ حتى حماس التي يتعامل معها نتنياهو كرأس شبه دولة لا يمكنها أن ترى في التسلل الدائم حقا ثابتا لإسرائيل، حتى لو كان هذا أمر يقوم به الجيش الإسرائيلي كل يوم بشكل علني في الجيوب الفلسطينية في الضفة الغربية ودون أي رد.
جزء حيوي لشق طريق حماس في المستقبل نحو قيادة فلسطينية شاملة، وربما معترف بها (سواء في م. ت. ف غير القائمة التي ستحظى بالتنفس الاصطناعي أو تحت مظلة جديدة) هو الإعلان عن انتصارات عسكرية كبرى لها في الحرب. ياسر عرفات عرف في السابق كيف يحول معارك دموية أو فاشلة إلى انتصارات في الوعي، والى مسارات نحو قيادة النضال من أجل الاستقلال.
هذا الأسبوع، تم عرض خوف الإسرائيليين في غلاف غزة من الصواريخ، كانتصار، وكذلك الأمر بالنسبة للحافلة العسكرية التي احترقت والتقارير عن الخسائر في الاقتصاد الإسرائيلي، كل ذلك هو كؤوس أو ميداليات لحماس. المنافسة ليس فقط مع إسرائيل، بل بالأساس مع حركة فتح. استقالة ليبرمان هي الذروة، كأس بلاتيني. والكأس الأكبر منه والحقيقي، على سبيل التغيير، هو التأثر والتأييد لحماس من قبل الفلسطينيين في الضفة وفي الشتات، المتعطشين إلى إنجازات وإثباتات بأن إسرائيل ليست قادرة على عمل كل شيء (من خلال مقارنة غير لطيفة، على الأقل، كع أداء السلطة الفلسطينية في رام الله وقيادتها، التي تزيد في كل يوم من كراهية الجمهور لها).
ولكن لو تم ملء الكؤوس بمياه الحنفيات في غزة فإنها لن تكون صالحة للشرب. هذا هو التعبير المختصر لسيطرة إسرائيل على الفلسطينيين (في القطاع وأيضا في الضفة الغربية): في نهاية الأمر هي المقررة الأولى والأخيرة لكمية المياه التي ستتوفر لهم، وما هو مستوى التلوث الموجود فيها. هذه سيطرة مؤلمة أكثر، وهي أكثر تدميرا على المدى البعيد من القدرة على إعطاء أو عدم إعطاء خمسة آلاف تصريح عمل في إسرائيل، التي ستؤدي إلى زيادة الدخل في غزة بآلاف النسب المئوية خلال شهر. لذلك، يجب علينا تصديق نتنياهو عندما يقول إن حماس توسلت من اجل وقف إطلاق النار حتى لو كان هذا التوسل قد تم نقله عبر مبعوثين. لأن قيادة حماس لا تعيش فقط صورتها، الصورة ثلاثية الأبعاد التي تضخم صورة الفلسطينيين الذين يعيشون خارج القطاع – بل تعيش الواقع، أيضا.
في الحقيقة لا يوجد أي فلسطيني في غزة (باستثناء من تدرب بإرادته ليكون جنديا ومقاتلا، ومن يستطيع الوصول إلى الملجأ المليء بالتموين) يمكن أن يتحمل مرة أخرى فظائع كابوس الهجوم الإسرائيلي الجديد، بكل ما سيحمله من قتلى وجرحى ينزفون تحت الأنقاض، لأن إسرائيل لا تسمح لطواقم الإنقاذ في الوصول إليهم. في الواقع، فإن الأونروا، قليلة الموارد، ستجد صعوبة أكبر من الصعوبة التي واجهتها خلال الهجمات الإسرائيلية السابقة، في توفير حاجات الطوارئ للسكان الذين هربوا من بيوتهم وأحيائهم بسبب القصف. في هذا الواقع لن يجد أحدا العزاء في معرفة أنه سيجد مرة أخرى، بالتأكيد ببطء أكبر بكثير من السابق، الأموال الدولية لإعمار الدمار والبنى التحتية للمرة السادسة أو العاشرة منذ العام 2000، وأنه مرة أخرى سيأتي متطوعون دوليون ويقدمون العلاج النفسي للأطفال المصابين بالصدمة.
إن رغبة حماس شبه الخفية بوقف إطلاق النار، هي أيضا الإثبات لسلطتها ونضوجها كقيادة مسيطرة، وكما يبدو أيضا، لسيطرة يحيى السنوار على طموحات الذراع العسكري. الحسابات لم تعد حسابات تنظيم عصابات حصي عدد القتلى الذين أوقعهم في الطرف الآخر، لكن ليس لديها الأدوات لصد التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، وهي أيضا لا تحاول القيام بذلك. اعتباراتها ليست اعتبارات منظمة معنية بتدمير عمل السلطة الفلسطينية وإحراج الحركة الخصم (فتح)، من خلال دفع نشطائها في كتائب شهداء الأقصى إلى المنافسة على من ينجح في قتل عدد أكبر من الإسرائيليين. الحسابات هي لقيادة مدنية تعيش داخل شعبها وتصغي إليه بهذه الدرجة أو تلك، حتى لو أنه يخاف في ظلها من أن يقول أمام العدسات إنه يخاف وأنه قد مل من الحروب الشاملة، والقيادة تعرف ذلك. وتعرف أيضا أن كل السلاح الإيراني والموجود لديها والحماسة العصابية لمقاتلي عز الدين القسام لا تعادل القوة العسكرية المدمرة التي يمكن أن تديرها غرفة العمليات الإسرائيلية على جبهة واحدة. والقيادة تتذكر أنه يجب حل مشكلة المياه والمجاري والكهرباء.
رغم تصريحاتها حول استعدادها لإجراء انتخابات حتى في الغد، تعرف حماس جيدا أنه لو فازت فيها مرة أخرى فهي لا تستطيع أن تحكم للحظة واحدة في جيوب الضفة الغربية. إسرائيل ستعتقل على الفور منتخبيها، وستجمد مرة أخرى نقل الضرائب، وستصادر الأموال من البنوك. ولكن مشكوك فيه إذا كانت معنية بذلك: ستظهر في حينه عاجزة حقا مثل السلطة الفلسطينية إزاء تعمق السيطرة الإسرائيلية في معظم مناطق الضفة الغربية وشرقي القدس، وتوسيع المستوطنات.
لا تستطيع حماس العودة لتكون منظمة عصابات، بعد أن بنت قوة تتجاوز قدرة المليشيا، وبعد أن رسخت نفسها كحكومة مدنية. حتى لو سمحت إسرائيل بذلك، وهي لن تسمح، فان السلطة الفلسطينية لن تعود للسيطرة على القطاع إذا استمرت حماس بالاحتفاظ بقوتها العسكرية الخاصة بها، لكن حماس لن توافق على التحول إلى مظلة للجمعيات الخيرية. لذلك ما بقي لهذه المنظمة الإسلامية، هو المواصلة، كما في السابق، بدعم من إسرائيل والأموال القطرية: أن تبقي في أيديها السيطرة المدنية والعسكرية داخل حدود القطاع فقط. الوحدة الفلسطينية والمصالحة ستحافظ على مكانها في التصريحات. وبهذا فان مشروع الدولة الفلسطينية (في حدود 1967 أو 1948، هذا لن يغير أي شيء) بعيد عن التحقق.
نتنياهو بدعمه للقطاع ككيان سياسي منفصل لا يأتي بجديد. فهو يواصل سياسة الحكومات الإسرائيلية السابقة. حتى قبل الانفصال أحادي الجانب الذي قام به شارون في 2005، سبق أن عمل اسحق رابين وشمعون بيرس وايهود براك على فصل سكان القطاع عن باقي السكان الفلسطينيين، وواصل إيهود أولمرت نفس الخط بعدهم. مهما صرحوا فانهم بالفعل احبطوا التسوية السياسية القديمة التي كانت ماثلة أمام معظم دول العالم، عندما منحوا الدعم المالي والسياسي لاتفاق أوسلو: أي إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية (بما فيها شرقي القدس) التي احتلت في العام 1967. وبدلا من ذلك خلقت حكومات إسرائيل واقع الجيوب الفلسطينية المعزولة، وساهم الفلسطينيون في خلق سلطة مزدوجة. حماس ونتنياهو يثبتان أنه يمكن الحفاظ على هذا الوضع حتى بدون سفك دماء فظيع.