العالم
ترامب متّهم بتجاهل قدرة الولايات المتحدة على التأثير على السعودية
– شدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على شراكته مع السعودية، معتبرا أنها حليف لا غنى عنه رغم عملية قتل الصحافي جمال خاشقجي المروعة، لكن هناك من يشكك بأن موقفه يتجاهل قدرة واشنطن الهائلة في التأثير على الرياض.
وغض ترامب الثلاثاء النظر عن دور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قتل خاشقجي، متجاهلا التقارير التي أشارت إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) خلصت إلى أن الأمير الذي يعد الحاكم الفعلي للسعودية أمر بالعملية.
وقال ترامب في تصريح يوحي بأن تورط الأمير محمد بمقتل الصحافي السعودي في قنصلية المملكة في اسطنبول هو أمر ليس ذا أهمية كبيرة، “ربما قام بذلك وربما لا”.
لكن ما يهم برأي ترامب هو دور السعودية كدرع واق ضد إيران واستثماراتها التي تبلغ قيمتها عدة مليارات الدولارات في الولايات المتحدة، بما في ذلك صفقات السلاح، إلى جانب ما يعتبر أنه قدرتها في السيطرة على أسعار النفط العالمية.
لكن دعم ترامب القوي للمملكة في وجه الغضب الدولي حيال العملية عزز ما يقوله المسؤولون في الرياض عادة: إن العلاقة الأمريكية-السعودية أكبر من أن تنهار.
وقال الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن حسين إبيش إن “الروابط الهيكلية — الاستخبارات والتعاون في مكافحة الإرهاب والطاقة — هي أكبر بكثير ليس فقط من أن تنهار بل حتى من أن تتعرض للخطر”.
وأضاف “لكن جوانب العلاقة المتعلقة بالمعاملات التجارية كبيع الأسلحة والاستثمارات التي يثمنها ترامب لا يجب أن تتحول إلى حجة لإقامة حلف مع الشيطان وتجاهل مسألة العدالة”.
– “تأثير كبير” –
ويتجاهل موقف ترامب ما يعتبره مركز السياسة الدولية في واشنطن قدرة الولايات المتحدة “على التأثير بشكل كبير على سلوك السعودية”.
وكتب المفاوض الأمريكي السابق في الشرق الأوسط آرون ديفد ميلر في موقع شبكة “سي ان ان” الإلكتروني أن “السعوديين يحتاجون إلى الأسلحة والمعدات الأمريكية أكثر من حاجتنا لبيعها”.
وأضاف “سيكون من الصعب والمكلف للسعوديين تنفيذ تهديداتهم المتكررة بشرائها من دول أخرى إذا لم يحصلوا على ما يريدون من الولايات المتحدة”.
ويشير خبراء إلى أن هناك إمكانية للضغط على الرياض بشكل أكبر مما يفصح عنه ترامب حيث أن قتصادها مرتبط باقتصاد الولايات المتحدة.
وفي مسعى لتنويع اقتصادها المعتمد على النفط، يملك صندوق الاستثمارات العامة السعودي حصصا بقيمة عدة مليارات الدولارات في عدد من الشركات الأمريكية على غرار مجموعة خدمات النقل العملاقة “أوبر” و”ماجيك ليب” للتقنيات المرتبطة بالواقع الافتراضي.
وفي ظل الغياب الكبير للخبرة في مجال الأعمال خارج صناعتها النفطية والبتروكيماوية، أنفقت الرياض ملايين الدولارات على شركات استشارات على غرار “ماكينزي” و”مجموعة بوسطن الاستشارية”.
ويشكك موقع التثبت من الحقائق “بوليتيفاكت” في مزاعم ترامب بأن السعودية وافقت على استثمار 450 مليار دولار — تتضمن صفقات سلاح بقيمة 110 مليار دولار — في الولايات المتحدة.
ويشير الموقع إلى أن لا وجود لعديد من هذه الاستثمارات إلا على الورق.
وساهمت صفقات بيع السلاح الأمريكية إلى السعودية بخلق أقل من 20 ألف وظيفة في الولايات المتحدة في السنة، وهو رقم أقل بكثير من مئات آلاف الوظائف التي يتحدث عنها ترامب، بحسب مركز السياسة الدولية.
– “بإمكاننا شراء العالم” –
ويرجح أن يتجاوز الأمير محمد الأزمة المرتبطة بقتل خاشقجي الذي كان ينشر مقالات رأي في صحيفة “واشنطن بوست” تنتقد ولي العهد. وقد يحكم السعودية لنصف قرن مقبل.
ويبدو أن المملكة اكتسبت جرأة بفضل دعم ترامب.
واعتبر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن الدعوات إلى تحميل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المسؤولية في قضية قتل خاشقجي تشكل “خطا أحمر”.
وقال الجبير في مقابلة مع شبكة “بي بي سي” البريطانية “في المملكة العربية السعودية، حكومتنا خط أحمر. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد هما خط أحمر”. وأشار إلى “أنهما يمثلان كل مواطن سعودي، وكل مواطن سعودي يمثلهما، ولن نقبل أي نقاش يشوّه سمعة ملكنا أو ولي عهدنا”.
وحظي ترامب بدعم كبير في المملكة على موقفه فعنونت صحيفة “عكاظ” السعودية الأربعاء “لكل العالم.. السعودية أولا” مستخدمة شعار ترامب “أمريكا أولا”.
وأشاد المقال بترامب لعدم تصرفه “برعونة” مع المملكة.
وانهالت عبارات الشكر على ترامب مرفقة بأيقونات على شكل قلوب من عشرات الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي والتي يبدو أنها آلية وتابعة للسعودية.
وقال محلل سعودي في الرياض لوكالة فرانس برس تعليقا على بيان ترامب “هناك شعور بأنه بإمكاننا شراء أي شيء، بإمكاننا شراء العالم”.
ويتوقع أن يحضر الأمير محمد قمة مجموعة العشرين هذا الشهر، متجاهلا الضغوط الدولية حيث يتوقع أن يقابل وجها إلى وجه عددا من قادة العالم الذين دانوا الجريمة بشدة.
وقال جون الترمان من مركز الدراسات الاستراتيجية الدولي في واشنطن “أعتقد نوعا ما أن هذا ما يجسد نهج ولي العهد ومفاده – لا، سنتمسك بموقفنا ونعززه- “.
وأضاف “إذا كنتم ستتعاملون مع السعودية فأنتم بصدد التعامل مع ولي العهد”.
لكن يستبعد أن يتبع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي كرر أن أوامر قتل خاشقجي صدرت “من أعلى المستويات” في دوائر صنع القرار السعودي، خطى ترامب.
وينطبق الأمر ذاته على وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
وفي هذا السياق، رأى جيمس دورسي من جامعة “اس راجارتنام” للدراسات الدولية في سنغافورة أن “سي آي ايه” أظهرت من خلال تسريبها لتقييمها بأن الأمير محمد سمح بتنفيذ عملية القتل أنها على استعداد لإزعاج ترامب.
وأضاف أن هذه البادرة تشير كذلك إلى أن “الوكالة لا تعتقد أن استمرار الأمير محمد كملك قادم هو أمر مهم بالنسبة للأمن القومي الأمريكي أو استقرار المملكة”.