أحمد المصري
لا يمكن فهم اعتماد وكالة المخابرات المركزية كمصدر موثوق للمعلومات عند بعض وسائل الإعلام العربية إلا بأنه انفصام ذهني حاد.
لا نتحدث هنا دفاعا عن أحد في قضية المرحوم جمال الخاشقجي، فالقضية صارت كبيرة وسياسية وتجاوزت بعدها الجنائي إلى أبعاد صارت تتوغل في الابتزاز السياسي غير المسبوق ومتعدد الأطراف.
لكن نتحدث من زاوية إعلامية صارت هي أيضا خاضعة للأجندات السياسية فتقوم بالتحشيد والتجييش وتخرج عن إطار دورها الإعلامي المهني.
منذ متى صارت السي آي أيه، مصدرا موثوقا للمعلومات؟
أليست هي نفسها الوكالة التي انتقدها تقرير لمجلس الشيوخ الأمريكي عام 2014، لاتباعها أساليب غير قانونية في استجواب المعتقلين المشتبه بهم في الإرهاب بعد هجمات سبتمبر 2001؟ بل وحسب تقرير الشيوخ فقد وصف تلك الأساليب بالوحشية!!
وزاد التقرير في إضافة رسمية مهمة جداً، بأن “السي آي أيه” ضللت الرأي العام وصانعي القرار بشأن البرنامج الذي قام اثنان من المتعاقدين الخارجيين بتطويره وتشغيله وتقييمه. وتعهد الرئيس الأميركي باراك أوباما بعدها بألا تتكرر تلك الأساليب، مقراً بأنها أضرت بالمصالح الامريكية بالخارج، ولم تخدم الجهود العامة لمحاربة الإرهاب.
أوباما، رئيس الولايات المتحدة آنذاك نفسه اتهم في مقابلة مع شبكة “سي بي أس” أجهزة الاستخبارات الامريكية بأنها “استهانت بقدرات تنظيم داعش في سوريا”، ولنا أن نقدر نحن أبناء ذلك العالم العربي المكلوم معنى تقديرات الوكالة المركزية الخاطئة وما أدت إليه من كوارث ومآسي.
تلك هي الوكالة نفسها التي ألمت بها فضيحة التجسس على كل من على الكوكب، من خلال تورطها قبل سنوات في المراقبة على أجهزة شركة أبل عبر التطبيقات، والتي منها كانت تستخرج معلومات المستخدمين في العالم.
هي ذاتها الوكالة التي قدمت أخطر تضليل معلوماتي في العصر الحديث لإدارة الرئيس جورج بوش الإبن، وزودت وزير خارجيته حينها كولن باول بملف ملفق ومليء بالأكاذيب لتشريع الحرب على العراق وغزوه..وها نحن نرى النتيجة اليوم.
وفي عام 2010 اقرت وكالة الاستخبارات الامريكية «سي آي ايه» نفسها وبكل وقاحة بارتكابها لاخطاء قاتلة في افغانستان وأن تلك الاخطاء كانت السبب الرئيسي وراء تعرضها لأخطر هجوم منذ عام 1983 وهو الهجوم الذي اخترقت فيه القاعدة مقرا أمريكيا للوكالة في افغانستان بهجوم انتحاري فادح.
هي ذاتها الوكالة التي قدمت توصية لإدارة اوباما بالتحالف مع تنظيم الإخوان المسلمين، فكانت النتيجة فوضى غير محسوبة ولا متوقعة وقد انفلت التنظيم من عقاله وقد تحالف مع الغاز القطري والبراغماتية الأردوغانية في أنقرة، صعودا على ظهر السياسة الأمريكية.
ومع كل ذلك، وأكثر مما لا يتسع له مقال، لا يزال بعض الإعلام العربي يعتمد ما تقوله الوكالة في قضية خاشقجي كمعلومات أمنية موثوقة، وهي ليست إلا تضليل سياسي تتبعه الوكالة التي خرجت عن احترافها الأمني منذ زمن طويل، وصارت طرفا سياسيا في الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية.
فمتى نعي الدرس؟