السلايدر الرئيسيشمال أفريقيا
هل تقبل دول شمال إفريقيا باتفاق مع الاتحاد الأوروبي لإقامة مراكز إيواء لاجئين بجنوب المتوسط؟
شوقي عصام
ـ القاهرة ـ من شوقي عصام ـ أزمة اللاجئين في دول الاتحاد الأوروبي، التي يبرز صدامها من فترة إلى أخرى، والتي تضمنت حلولاً جديدة تجتمع عليها دول الاتحاد، من بينها الاتفاق مع دول جنوب المتوسط على تكفل الدول الأوروبية بإنشاء معسكرات إيواء اللاجئين، يتم فيها فرز وتنظيم استقبال اللاجئين وتوزيعهم بشكل عادل على دول الاتحاد الأوروبي، بالطبع مقابل مساعدات ومنح وبرامج تمويل لهذه الدول، وهو الأمر الذي سيكون متوقفاً على مدى الإغراءات أو الضغوط على دول الشمال الإفريقي للقبول بهذه المعسكرات، ومدى موافقة هذه الدول على تنفيذ هذا المقترح، بعد تجربة تركيا، التي تحصل على مساعدات سنوية تقدر بـ 3 مليارات يورو من ألمانيا بمفردها، وهي تجربة تعاني منها الأتحاد الأوروبي في ظل التلاعب التركي.
عرض إقامة معسكرات إيواء للاجئين ليست جديدة، فقد قدم العرض قبل ذلك، ولكن من ألمانيا، أما هذه المرة، فهو حل متفق عليه في الاتحاد الأوروبي، وفي هذا الإطار، خرجت تساؤلات عدة حول مدى قبول مصر وليبيا باتفاق مع دول الاتحاد بقيادة فرنسا وألمانيا حول إنشاء مراكز إيواء للاجئين، من عدمها ، لاسيما أن هذا العرض قدم من ألمانيا في بداية هذا العام، خلال زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى القاهرة، عندما عرضت على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على الملأ، إمكانية قبول مصر بإنشاء هذه المراكز، أو القبول بإنشاء هذه المراكز في ليبيا، وهو الأمر الذي رفضه “السيسي” علناُ أيضاً في مؤتمر صحفي بينهما، ولكن تبقى المخاوف من استغلال دول الاتحاد، لعملية الصراع السياسي في ليبيا، بالاتفاق مع طرف دون الآخرين على إنشاء مراكز إيواء.
وفي هذا السياق، قال مساعد وزير الخارجية المصري الاسبق وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير محمد حجازي، إن الموقف المصري ثابت، سواء أمام العرض الذي قدم قبل ذلك من المستشارة الألمانية خلال زيارتها لمصر، أو ما يتوقع بخصوص عرض يأتي من خلال شريكها في الاتحاد الأوروبي، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، موضحا أن القيادة السياسية ومعها القوات المسلحة، يجزمون بأنه لا مجال لعمل معسكرات مهما قدم من إغراءات مالية.
وأوضح “حجازي” في تصريحات خاصة ، أن الاتفاقات التي تقبلها مصر في إطار مواجهة الهجرة غير الشرعية وتدفق اللاجئين، تدور في اعتناء الدول الأوروبية، بدعم القدرات الوطنية على مواجهة الظاهرة عبر منح أجهزة بتقنيات حديثة وتبادل معلومات، ضخ استثمارات، وإقامة مشروعات تنمية مستدامة، أما الأساليب القصرية فهي لا تؤدي إلى حلول.
وتابع “حجازي”: “هناك تجربة مصرية مع دول بالاتحاد الأوروبي في هذا الصدد، باتفاقات لتعزيز القدرات الوطنية في مواجهة الظاهرة، ونتج عن ذلك، أنه منذ العام الماضي لم يخرج مركب غير شرعي، من السواحل المصرية، في ظل اجراءات للتدقيق والحماية وحرس الحدود في ظل تشريعات بقوانين لمكافحة الهجرة، وتطوير أنظمة المتابعة والمراقبة، وعمليات تبادل للمعلومات، وتبادل الخبرات مع الشركاء الأوروبيين”.
وعن مساعٍ الأوروبيين، التي أثبتت اجتماعات الاتحاد الأوروبي السابقة ، حول إقامة هذه المعسكرات في ليبيا، قال “حجازي” إن ليبيا دولة ذات سيادة في قرارها، ولكن مصر دولة جوار وترفض هذا الأمر، في ظل ما تعاني منه ليبيا، مشيراً إلى أن الاختلاط الأوروبي بأحد الأطراف، في ظل عدم وضوح المسؤولية في ليبيا، قد يؤدي إلى ذلك الأمر، ولكن الدولة المصرية ستبذل مجهوداً لعدم السماح بذلك مع شركائها في ليبيا.
وفي هذا السياق، قال الباحث السياسي الليبي ، إبراهيم بلقاسم، إن حكومة الوفاق الوطني، حاولت علاج مشكلة الهجرة بطريقة سياسية، حيث أعطت فرصة لإيطاليا بقيادة مراكز إيواء للمهاجرين في ليبيا، في ظل وصول اليمين في إيطاليا الذي تقوم سياساته على غلق أوروبا في وجه المهاجرين غير الشرعيين، موضحاً أن طلب إقامة معسكرات إيواء في شمال إفريقيا من جانب أوروبا، مستمر في السر والعلن، وهناك رفض تام من جانب مصر والجزائر وتونس، وكل الأطراف السياسية في ليبيا ترفض هذا الطرح، رغم الخلاف العام بينهما، مشيراً إلى أن القيادة العامة للجيش الليبي، حذرت من وجود أي جهة أجنبية تقوم بمراكز إيواء في مناطق الجنوب.
وأشار “بلقاسم”،في تصريحات خاصة ، إلى أن المسؤولين الليبيين حتى هذه اللحظة، لا يوجد طرف قابل هذه الفكرة، في ظل عدم سماح مصر بأن يكون بجوارها بلد مخترقة الهجين، لأن القاهرة بذلك الأمر، ستتعامل مع دولة عربية غير واضحة بعد أقل من 30 سنة قادمة، ودولة مشوهة مكونة من مهاجرين غير شرعيين، يهددون الأمن القومي العربي والمصري.
ولفت “بلقاسم” إلى أن أوراق اللعبة في هذا الملف من الممكن أن تتحول من لحظة إلى أخرى، لا سيما أن حكومة “الوفاق” جاءت بتراضٍ من الدول الخمس، التي لها مصالح في ليبيا، وهي كل من فرنسا، إيطاليا، الولايات المتحدة، بريطانيا، روسيا، فهم أصحاب مصالح نفطية، وعقود بنية تحتية وتسليح، ولذلك فإن “الوفاق” تعمل على إرضاء المجتمع الدولي، على الرغم من رفض رئيسها فائز السراج لهذا الطرح، موضحاً أنه من أكثر التناقضات في هذا الملف، أن الاتحاد الأوروبي، أطلق العملية “صوفيا” في 2016 بداعي محاربة الهجرة غير الشرعية، لنكتشف أن هذا التحرك ليست له علاقة بتخفيض الأعداد، حيث مرت قوارب الهجرة بجانب السفن الحربية الضخمة التابعة لـ”صوفيا” تجاه أوروبا.
وعلى الصعيد الأوروبي، أكد عضو الأمانة العامة للاندماج بالحزب الاشتراكي الألماني، حسين خضر، أن دول شمال إفريقيا، في ظل طرح اقامة معسكرات لإيواء اللاجئين من جانب الاتحاد الأوروبي، تنظر الى تجارب مريرة، منها ما تعرضت له اليونان وإيطاليا في تسعينيات القرن الماضي، عندما دفعت دول أوروبية أموالاً طائلة للبلدين، نظير استقبال لاجئين من شرق أوروبا، فتحول الأمر إلى كارثة تعاني منها هذه الدول، حتى الآن، على الرغم مما قدم من إغراءات مالية حينئذ.
وأشار “خضر” في تصريحات خاصة ،إلى أن رفض “السيسي” السابق لطرح “ميركل”، كان له أبعاد تتعلق بالنظر الى تجربة لبنان ومشكلتها المزمنة مع اللاجئين منذ سبعينيات القرن الماضي، والتخوف من صناعة لبنان جديدة في شمال إفريقيا، لا سيما أن المخيمات تكون مليئة بالفقر، دون توفير فرص الدراسة أو العمل، فضلاً عن تحويل أبناء تلك المخيمات، على المدى القريب، إلى ميليشيات يتم استخدامها بالداخل.
وأشار “خضر” إلى أن “ميركل” قدمت العرض السابق، الذي تم رفضه، مشيراً إلى أنه في إطار عمله في مجال اللاجئين، فإن الدول الأوروبية تفضل أن تنفق لدول مستضيفة للاجئين، ألف يورو شهرياً عن كل شخص، أفضل من أن تنفق على اللاجئ في أراضيها 10 آلاف يورو في الشهر، وفي النهاية فإن الملف الأمني غير واضح للسلطات، في ظل معاناة الأوروبيين من تسلل متطرفين في سنوات اللجوء الأربع الأخيرة.