وليد شقير
تبدو كل الأمور في المنطقة، من مساعي إحداث تقدم في العملية السياسية في سورية، إلى ما ستؤول إليه عملية تشكيل الحكومة في العراق إلى مصير محادثات السلام في الأزمة اليمنية المرتقبة في السويد الأسبوع المقبل، وصولا إلى معالجة اأزمة تأليف الحكومة الللبنانية التي باتت مرهونة بالوضع الإقليمي… معلقة على نتائج قمة دونالد ترامب وفلاديمير بوتين في الأرجنتين، غدا.
لا يعني هذا بالطبع أن الزعيمين سيبحثان الأزمات كلها، لكن حسابات الفرقاء الإقليميين المعنيين بهذه الأزمات، مرتبطة بالمناخ الذي سينجم عن لقائهما حول أمور أكثر جوهرية في العلاقة بين القوتين العظميين،لا سيما المستجد في مسألة معاهدة الحد من الصواريخ المتوسطة المدى الحاملة للرؤوس النووية التي ستلغيها واشنطن، وتتمسك بها موسكو، والتصعيد المنذر بمواجهة عسكرية بين أوكرانيا وروسيا، ونزع السلاح النووي الكوري الشمالي.
الوقت المتاح لاجتماع الرئيسين سيطول أمام الأجندة المثقلة على طاولة لقائهما الثالث.
قد يتطرقان إلى سبل إطلاق العملية السياسية وفق صيغة جنيف بدل أستانا وسوتشي، في سورية، عندما يبحثان الدور الإيراني في بلاد الشام والمطلب الأميركي بخروج الحرس الثوري والميليشيات التابعة له من باب توافقهما على ضمان أمن إسرائيل وتفاديا لمواجهة إسرائيلية إيرانية انطلاقا من سورية. فالجانب الأميركي كان تلقى ما يشبه الوعد بمحاولة الحد من الدور الإيراني في ميدان الصراع بالواسطة الذي صارته سورية، في قمة هلسنكي في 16 تموز (يوليو) الماضي. لكن الجانب الأميركي خابت مراهنته حيال محاولة بوتين الذي تراجع وأخذ يكرر أن ليست موسكو من يطلب من طهران الانسحاب من سورية بل الحكومة السورية. وفي قمة اسطنبول مع رجب طيب أردوغان والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون اكتفى بوتين بالاعتراف «أني لم أقدر» على تنفيذ ذلك. إلا أن المؤكد أن البداية لإطلاق الحل السياسي السوري بالنسبة إلى واشنطن هي في تحقيق مطلبها انسحاب إيران، في وقت سرعت الأخيرة في تثبيت أقدامها عبر وسائل تتخطى وجودها العسكري، إلى نجاحها النسبي في اختراق النسيج الاجتماعي السوري عبر الترانسفير الديموغرافي في عدد من المناطق في محيط دمشق والجنوب، ووسط سورية وشمالها مثل حلب من خلال توطين إيرانيين وأفغان ولبنانيين تابعين لها، ومن خلال إدخال التشيع في مناطق عدة إضافة إلىى الغزو الفارسي لقطاع التعليم من طريق تأسيس عدد من المدارس التي تدرس باللغة الفارسية، وإنشاء عدد من الجامعات الإيرانية ( 5 جامعات) فروعٍ لها في سورية، عدا عن توقيع اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم ضمن القطاع التعليمي بين طهران ودمشق، للسيطرة على الأجيال الناشئة، عقائديا وسياسيا. يضاف إلى ذلك التقارير التي تتحدث عن إلباس عناصر «الحرس» والميليشيات التابعة له لباس الجيش السوري كغطاء لتواجدهم في المناطق الجنوبية التي كانت موسكو اتفقت مع طهران على انسحابها منها مسافة 80 – 100 كيلومتر عن الحدود مع الجولان المحتل. فطهران تحتاط بهذه الخطوات لخيار انسحابها بالشكل، بحيث تبقى على الأرض السورية بصورة مموهة، ضامنة لنفوذها المتعاظم. قد يتاح لترامب وبوتين أن يتناولا اليمن من زاوية الدور الإيراني أيضا، خصوصا أنه سيكون مدار بحث بين الرئيس الروسي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ومن زاوية مسعى واشنطن مع الدول الغربية إلى استثمار الاندفاعة العسكرية للتحالف العربي المساند للشرعية في الحديدة وغيرها، من أجل الضغط على حلفاء طهران الحوثيين كي يقبلوا بالحل السياسي الذي برهنت طهران أنها تمسك بخيوطه بدليل إفشالها محادثات الكويت سابقا ثم جنيف الشهر الماضي. سبق لبوتين أن تنطح إلى إغراء طهران بلعب دور الوسيط بينها وبين واشنطن، عبر اقتراحه على الأخيرة خفض العقوبات الموجعة ضدها، بالتزامن مع خطوات انكفائها في اليمن وفي سورية، لكن هذه المحاولة لم تلق تجاوبا من الجانب الإيراني. كما سبق أن عرض التوسط على السعودية أيضا. هل يكرر بوتين عرضه الذي كان أقرب إلى المناورة سابقا، على رغم عدم تمكنه من الوفاء به؟
تنعقد قمة الأرجنتين في وقت أعلن الرئيس التركي رجب طيب دوغان عن «وجود مخطط لإعادة رسم المنطقة عبر حرب كبيرة سببت والتوترات، بدءا من سورية وصولا إلى اليمن والعراق وفلسطين«. فهل جاء وقت ترسيم النفوذ الإقليمي أم أن الصراع يحتاج مزيدا من العنف والدماء؟
من المؤكد أن ترامب وبوتين لن يبحثا تفاصيل التعثر الحكومي في كل من العراق ولبنان. إلا أن طهران تنتظر نتيجة استثمار ما ستؤول إليه أمور سورية واليمن بورقة السلطة في البلدين.
قد يحتاج الاقليم الى قمة ثانية بينهما.
الحياة اللندنية