زاهي علاوي
من جديد يعقد مؤتمر الإسلام في ألمانيا برعاية وزير الداخلية هورست زيهوفر. فرغم أن هذا الوزير كان في مرمى سهام الكثيرين في الأشهر الماضية، بعد تصريحاته حول اللاجئين والمسلمين في ألمانيا، إضافة إلى نفي اعتبار الإسلام جزءاً من ألمانيا، لكنه عاد اليوم في محاولة لذر الرماد في العيون وعبر كلمته الافتتاحية للمؤتمر للتأكيد على أن المسلمين جزء من النسيج الألماني، وبالتالي جزء من ألمانيا.
الوزير الألماني حاول التفريق بين الإسلام كديانة لا تتبع للثقافة والتاريخ الألماني، وبين الجالية المسلمة، التي يصل تعدادها لأكثر من أربعة ملايين ونصف المليون شخص، يعيشون منذ أكثر من ثلاثة أجيال في هذا البلد الأوروبي. وهنا ركز زيهوفر على أن المسلمين وليس الإسلام جزء من ألمانيا، وبالتالي لم يجد الكثير من المشاركين في هذا المؤتمر سوى الانتقاد للوزير الألماني معتبرين أن المسلمين جزء من ألمانيا وأن استبعاد دينهم عن هذا التوصيف، يعتبر تناقداً بحد ذاته.
زيهوفر وبعد استغلال واستخدام الإسلام والمسلمين بشكل سلبي في دعايته الانتخابية، سواء في الانتخابات البرلمانية أو كذلك في الانتخابات المحلية لولاية بافاريا، عاد لإظهار التصالح مع هذه الجالية، والتي أصبحت تؤثر في كثير من الميادين على الساحة الألمانية، سواء السياسية أو الاجتماعية.
في المقابل تبقى المشكلة في مؤتمر الإسلام والجالية الإسلامية أنها لا تختلف عن الواقع العربي والإسلامي، والذي يمكن اختصاره بسؤال واحد، ألا وهو “من يمثل الإسلام والمسلمين في ألمانيا؟” هذا السؤال المتكرر والذي يرافق المؤتمر في كل دورة، لا يمكن الإجابة عليه بسهولة، فإلى جانب التقسيم السني الشيعي، هناك اختلاف في الانتماءات الطائفية والأصول الجغرافية لأبناء هذه الجالية، فرغم وجود ما يسمى “المجلس الإسلامي الأعلى“، إلا أن هناك اتحادات وجمعيات تضم تحت مظلتها جمعيات أكثر من تلك التي تنضم تحت لواء المجلس الأعلى.
المشكلة الأخرى، والتي بدأت تبرز منذ عدة سنوات، وهي التقسيم حسب التشدد، فقد خرج ما يطلق عليهم دعاة الإسلام المعتدل، والذي يمكن لأي شخص ينحدر من أصول إسلامية اعتبار نفسه جزء من هذا التوجه، حتى لو لم يكن يطبق الإسلام كما يعرفه الكثيرون. دعاة الاعتدال لهم أيضاً أجنداتهم وتفسيراتهم للإسلام ويعتبرون أنفسهم ممثلين عن هذا الدين والجالية التي تنضوي تحته.
وزير الداخلية، زيهوفر طلب تأسيس إسلام ألماني، إسلام يتوافق مع المنطق والتفكير الألماني، يرفض التعصب والتشدد في هذا البلد الغربي، لكنه لم يحدد ما هو الإسلام المطلوب، ولم يضع الخطوط الحمراء التي يجب اتباعها، كي يتم قبول هذا التوجه لدى المجتمع الألماني، غير المسلم. في المقابل لم يجد أبناء الجالية المسلمة نقاطاً تجمعهم، فقد انتقدت جمعية ديتب Ditib التركية المسلمة، وهي من كبرى الجمعيات الممثلة للمسلمين والمدعومة من الحكومة التركية، انتقدت المؤتمر وتصريحات الوزير الألماني. وبالتالي لا يزال المسلون في ألمانيا بعيدين كل البعد عن إيجاد ممثل يجمع كلمتهم، أو على الأقل يمكن أن يتحدث باسمهم أمام المؤسسات الرسمية في هذا البلد. وهذه الحال لا تختلف عن الحال في الدول العربية والإسلامية، حيث التناحر والخلاف يعم بين معظم الطوائف الإسلامية المختلفة. لكن هذا لا يبرر لألمانيا التعامل بفوقية مع الجالية الإسلامية والتبرير دوماً بعدم وجود من يمثلهم. ومن هنا لا بد من البحث عن القواسم المشتركة والابتعاد عن التشبث بالأسبقية والأحقية بمن يمثل الكل المسلم، أو حتى الغالبية المسلمة، لكن وطالما بقي العالم الإسلامي بعيداً عن التوصل إلى تحديد موعد الصيام والإفطار في رمضان، سيبقى طلب توحيد الجالية المسلمة بعيد المنال. وهذا ما حصل فعلاً في رمضان 2018، عندما أعلن أحد من يعتبر نفسه من أئمة ألمانيا بأن الصياح حسب التقويم الفلكي صحيح، مقتدياً بذلك بما تقوم به تركيا، خرج إمام آخر واتهمه بالترويج لسياسات الإخوان والخروج عن النص الشرعي.
ولذا ستبقى شماعة عدم وجود من يمثل المسلمين قائمة، لأن السلمين أنفسهم لا يريدون التوحد والتوصل إلى قواسم مشتركة.