صحف
“هآرتس”: نتنياهو هو الآخر يؤمن بمحمد إبن سلمان
ـ رام الله ـ يكتب عاموس هرئيل في “هآرتس”، أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قام في بداية الأسبوع بجولة استفزاز وانتصار في العالم العربي. المنشورات في تونس ذكرّت الضيف بتورطه في قتل الصحافي جمال الخاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، ولكن في مصر التي يعتمد اقتصادها على السخاء السعودي – تم استقباله كالملوك وتمت إضاءة الأهرامات من أجله باللون الأخضر. التبرير والتملص الذي يقدمه كبار رجال الإدارة الأمريكية يوضح أنه من ناحية واشنطن فان القضية انتهت. دونالد ترامب المعروف بحبه للإعلام بشكل عام ولـ “واشنطن بوست” التي كتب فيها الخاشقجي بشكل خاص، تقلقه أمور أخرى.
الرئيس الأمريكي في عدة تصريحات كانت ذروتها الرسالة التي ذكرّت بموضوع إنشاء لطالب في نهاية المرحلة الأساسية، شرح اعتباراته: السعودية هامة بسبب الصفقات الأمنية الضخمة مع الصناعة الأمريكية، هي ضرورية لمواصلة النضال ضد إيران، وضرورية لأنها “تساعد إسرائيل”. من صاغ هذه الادعاءات ببلاغة أكبر هو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. في محادثة مع مراسلين إسرائيليين أثناء المؤتمر الذي عقد في بلغاريا في بداية هذا الشهر، قال نتنياهو إن “ما حدث في إسطنبول هو أمر فظيع، يجب التعامل معه بشكل مناسب. ولكن في نفس الوقت أقول بأن من المهم جدا من اجل استقرار المنطقة والعالم أن تبقى السعودية مستقرة. يجب إيجاد طريقة لتحقيق الأهداف، لأنني اعتقد أن المشكلة الكبرى هي من ناحية إيران. يجب علينا التأكد من أن إيران لن تستمر في نشاطاتها المعادية مثلما تفعل في الأسابيع الأخيرة في أوروبا”.
ترامب لا يحتاج إلى إقناع بارز، لكن يمكننا التقدير بحذر ان نتنياهو بذل جهدا كبيرا من اجل التأكد من عدم تخلي واشنطن عن الرياض في محنتها. كما ان توقيت زيارة وفد مسيحي انجيلي للبلاط الملكي السعودي، التي نظمها مواطن إسرائيلي في بداية تشرين الثاني الماضي، لا يبدو صدفة. هذه ليست المرة الأولى – ليس بدون صلة مع الظلم الذي تتحمل بنفسها المسؤولية عنه في المناطق – التي تظهر فيها إسرائيل استعدادها لتجاهل الكثير من الظلم الذي ينفذه أصدقاءها الجدد في الشرق الأوسط.
لقد أوضح تحقيق نشره هذا الأسبوع المحلل العسكري في “واشنطن بوست”، ديفيد ايغنشيوس، إلى أي درجة هو مخيف سلوك النظام السعودي. النظام، كتب ايغنشيوس، يوجد الآن في ذروة فترة بارانويا وحشية، يلاحق خلالها بفظاعة خصومه الحقيقيين والوهميين. لقد عمل طاقم خاص من قبل ولي العهد على اختطاف وتعذيب معارضي النظام ومتهمين بالفساد قبل أكثر من سنة، ومن بينها تورطه في قضية ضلل فيها السلطات الصينية كي تعتقد أن رجل أعمال سعودي هو إرهابي مطلوب في طريقه لتنفيذ عملية في مؤتمر “جي 20”. رجال ولي العهد، يظهرون من خلال التحقيق مثل ثلة زعران ومتخلفين، في الوقت الذي يوصف فيه هو نفسه كشخص إصلاحي ومتسرع، يقود بلاده قريبا جدا من شفا الهاوية.
ايغنشيوس يدعو ادارة ترامب إلى أن تفرض على المملكة وقف العداء الدموي بين الزعماء المختلفين، قبل أن يلحق مزيد من الضرر بالسعودية والعالم. تدخل كهذا لن يحدث كما يبدو. هذا الأسبوع أوضح مستشار الأمن القومي، جون بولتون، بأنه لا يرى أهمية للأصغاء للتسجيلات التركية حول قتل الصحافي في القنصلية، لأنه لا يفهم اللغة العربية (الطريقة التي تنجح فيها تركيا، التي تقوم بسجن صحافيين ومعارضين للنظام وتنكل بهم، في عرض نفسها هنا كصالحة، هي إنجاز بحد ذاته).
منظور إقليمي
ترامب نفسه غارق كما يبدو شخصيا في العلاقات مع السعودية. لقد تفاخر في السابق بأنه باع للسعودية مبان بقيمة عشرات ملايين الدولارات، وصهره كوشنر، صديق لولي العهد والتقى معه قبل أسبوع من بدء موجة الاعتقالات في المملكة في السنة الماضية. في الخلاصة، يبدو أن محمد بن سلمان سيظل في منصبه رغم القضية الفظيعة، هذا هو الانطباع السائد في القدس وواشنطن. وحسب أقوال ايغنشيوس أيضا في أوساط السعوديين الذين تحدث معهم. العملية المقابلة الوحيدة التي بادر إليها الكونغرس الأمريكي هذا الأسبوع، هي إدانة السعودية على دورها في الحرب الأهلية الفظيعة الدائرة في اليمن. الإدانة محرجة للرياض، لكنها لن تبعد ولي العهد عن كرسيه.
المنظور الإقليمي لنتنياهو ما زال يتركز في معظمه على إيران. في محادثات مع نظرائه في الخارج يواصل رئيس الحكومة التحذير من الخطر الماثل من إيران ومن مشروعها النووي المجمد. في مناسبات مختلفة، والمؤتمر في بلغاريا لم يكن استثنائيا، يواصل نتنياهو التذكير بمؤامرات إيرانية أحبطت مؤخرا بمساعدة الاستخبارات الإسرائيلية، ومنها محاولة اغتيال معارضين للنظام الذين لجأوا إلى الدانمارك وفرنسا (السعودية لم تخترع أي شيء).
بالنسبة لنتنياهو فان السعوديين يوفرون مرساة هامة في الراءات تطبيق ألـ 12 نقطة التي طرحها وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، لعزل النظام في طهران، على أمل إسقاطه. رئيس الحكومة يحتاج إلى السعودية أيضا لمواصلة وتحقيق تحسين العلاقات مع دول خليجية أخرى. الزيارة في عُمان كانت المحطة الأولى التي يأمل بمواصلتها في العلاقة مع البحرين.
إسرائيل، مثل أمريكا، قلقة من احتمال أن عملية أقصاء ولي العهد ستؤدي في النهاية إلى سقوط النظام. انهيار نظام القذافي في ليبيا في 2011 أغرق الشرق الأوسط بكميات كبيرة من السلاح الذي تم سلبه من مخازن الديكتاتور. إذا كانت ليبيا هي متجر صغير فان السعودية هي سوبرماركت كبير لأنظمة السلاح المتقدم والقاتل. عندما يكون في الأيدي غير الصحيحة فان هذا السلاح يشكل خطرا كبيرا على إسرائيل.
الجانب المكمل لخطوات رئيس الحكومة يرتبط بتعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية. رئيس تشاد زار البلاد في بداية الأسبوع والآن يأملون تحسين العلاقات مع السودان. إسرائيل تريد أن تبيع للفارقة السلاح والتكنولوجيا، وربما تنجح في تقصير خطوط الطيران إلى أمريكا الجنوبية، “وتخفض بذلك ثمن تذاكر السفر”، فوق اراضي تشاد والسودان. في الخلفية هناك خوف دول شمال أفريقيا من تمدد المنظمة الإرهابية الجهادية بوكو حرام التي بث فيها الهام داعش قوة قتالية زائدة. هذه ليست فقط مشكلة تخص نيجيريا والنيجر، بل أيضا تشاد وبدرجة اقل حتى مصر. لذلك، ثمة مصلحة كبيرة للأفارقة في كل ما يمكن لإسرائيل أن تعلمهم إياه حول محاربة الإرهاب – من المعقول أن رئيس مصر أيضا، عبد الفتاح السيسي، سينظر بإيجابية لتعزيز العلاقات بين إسرائيل وجاراتها.
في هذه الأثناء يكرر ترامب الادعاء بأن خطواته في المنطقة تنبع من الرغبة في أن يفيد مصالح إسرائيل. خلال أسبوع طرح ترامب هذا الادعاء مرتين – تبرير تعامله المتسامح مع السعودية ومضاعفة عدد الجنود الأمريكيين في سوريا، إلى 4 آلاف جندي، خلافا لموقفه المعلن. خط التفكير هذا ربما يقنع عدد من اليهود الطيبين (في هذه الأثناء هم قليلون جدا) من اجل التصويت للجمهوريين في الانتخابات بعد سنتين. ولكن هذه أيضا مقولة ضارة جدا لإسرائيل، لأنها توقظ الأوهام اللاسامية بشأن سيطرة اليهود على السياسة الخارجية الأمريكية. هذه تصريحات ستعود على إسرائيل مثل السهم المرتد.