هيا منير كلداني
لم تكن صديقتي تعرف بأن حياتها ستنقلب رأسا على عقب نحو الأسوأ حين تزوجت.
لم يعرف زوجها سوى العنف اللفظي والجسدي، أو في أحسن الأحوال، الاستهزاء بها والتقليل من شأنها أمام الآخرين وأطفالهما إن خالفت له رأيا أو قرارا.
كنت أستمع لصديقتي لساعات كثيرة امتدت لسنوات وهي تبكي وأنا أحاول إقناعها بأن تترك المنزل وتأخذ فرصة واستراحة ذهنية على الأقل من الشجار المتواصل والذي أدّى إلى حالة رعب وإرهاب لها ولأطفالها الثلاثة، استراحة كي تفكر بجدية ” ماذا بعد، وكيف؟”
أذكر أنني صرخت في وجهها يوما: ماذا تنتظرين؟ اتركي هذا الجحيم وأنقذي نفسك وأطفالك. ألا يؤلمك بكاء أولادك رعبا وهم يرون نوبات العنف المتكررة؟ إذا كان يضربك أمامي أنا- الغريبة، فماذا يفعل عندما يخلو بك؟
وكنت أشير إلى شجار وقع بينهما أمامي بسبب عدم تصويت الزوجة لقريبه في الانتخابات!
ترى لماذا لم تترك صديقتي هذا الزوج؟ هل هو الحب؟ كان جوابها: كلا. كانت تخاف منه، صدقا.
سأقفز عن التفاصيل البشعة التي شهدتها والتي تجعل زواجا غير متكافئ كهذا عبارة عن موت بطيئ بالإضافة عن تداعياته النفسية على الأطفال ومستقبلهم ونجاحهم في بناء علاقات أسرية صحية مع شركائهم في المستقبل في ظل نموذج سيئ لا يقوم على احترام الآخر بل يرهب الآخر حد العنف الجسدي واللفظي. لم يكن هناك أمل لصديقتي بالتخلص من هذا الجحيم والكآبة فتهديده المتواصل لها بانه سياخذ الأولاد منها وسيمنعها من رؤيتهم كان مؤلما ومعطلاً لأية حلول، بالإضافة إلى تهديدات أخرئ تتعلق (وهو يحلف) بتشويه سمعتها، فهو رجل وسمعته لا يضيرها شيء!
إلا أن المعطل الآخر كان غياب دعم أسرتها لها، فأسرتها لا تحبذ الطلاق ولا تؤمن به ولا قدرة مادية لهم لوقف بطش هذا الزوج وفجاجته، فضلا عن تحمل نفقاتها هي والأحفاد.
إذن، هناك عائق مادي، وضعف الدعم الأسري معنويا على الأقل، وخوف من مجتمع جلاد وما سيثيره من شائعات بالتعاون مع الزوج. كل هذا جعل تلك الزوجة هي الحلقة الأضعف والضحية والأهم من ذلك لعدم اكتراث الزوج لأية قوانين قد تحميها وتساعدها.
حاولت مرة أن أطمئنها فقلت: لا تخافي، عليك باللجوء للمحكمة والقضاء والقوانين.
سخرت مني وقالت: أية قوانين؟
هكذا تتراكم قصص مشابهة من جميع طبقات المجتمع وإن اختلفت الأسباب وبدرجات مختلفة، ولكن ما يجمع بينها هو يأس المرأة ودم التكافؤ في طريقة التواصل وعدم احترام الطرف الآخر والخلل في تفعيل القوانين التي من المفترض أن تحمي المرأة وتدعمها.
كل عام والمرأة في بلادنا ليست بخير!
يقول المفكر السوري/ محمد شحرور إنه سمع خطيب المسجد الذي صلى فيه الجمعة الأولى التي تلت نكسة العرب في 67 في دمشق يقول إن سبب الهزيمة هو عدم احتشام النساء في لباسهن. وهو انعكاس لعقل جمعي اعتدنا عليه كلما تهاوت مشاريعنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فهل تحسن العقل الجمعي في بلادنا إزاء المرأة؟ للأسف، لا، بل وازداد شراسة بسبب سطوة الإسلام السياسي على المجتمعات بعد انهيار أو فشل المشاريع السياسية والفكرية الأخرى وعلى رأسها المشروعين الناصري واليساري.
فها نحن الآن نخوض معارك إلكترونية ضد الفرنج على خلفية قضية البوركيني دون أن يرف لنا جفن على حالات الاغتصاب والقمع في سجون الاستبداد. وها نحن نفتح جبهات في الفضاء الأزرق على الفنانة الجميلة ذات الصوت الأجمل نداء شرارة لأنها “تجرأت” على الجمع بين الحجاب والغناء دون أن نلقي بالاً لمئات الحالات من قضايا حرمان المرأة من الميراث عند بعض العشائر على خلفية الخوف من انتقال ملكية الأراضي “للغريب”. وها نحن نستنفر المنابر والساحات والمواقع الإلكترونية ضد إصلاح مناهج التعليم في الأردن دون أن نتوقف عند حرمان الأردنية المتزوجة من أجنبي من منح جنسيتها لأبنائها أسوة بالأردني.
إن النظرة السلبية للمجتمع العربي للمرأة أمر عابر للطوائف والأديان والأقليات التي تعيش في العالم العربي والتي تربط شرف العربي بسلوك العنصر النسوي في عائلته. فهل نسامح المتنبي على بيته:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى، حتى يُراق على جوانبهِ الدمُ؟
الله يسامحك يا أبا الطيب!
كل عام والأنثى في أوطاننا ليست بخير!
* كاتبة أردنية تعيش في أستراليا