أوروباالسلايدر الرئيسي
باريس تعيش يوماً عصيباً.. ماكرون يتفقد ساحة قوس النصر والحكومة تلوح بفرض حالة الطوارئ (صور)
أحمد كيلاني
ـ باريس ـ من أحمد كيلاني ـ عاشت باريس أمس يوماً عصيباً تحول فيه أجمل شواع العالم الشانزليزيه إلى ساحة حرب بين متظاهري “السترات الصفراء” وقوات الأمن، وتصاعدت أعمدة الدخان الكثيفة من ساحة قوس النصر. وبينما أكد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون رفضه لأعمال العنف، لوح وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير بإمكانية فرض حالة الطوارئ بهدف تعزيز الأمن في البلاد.
وفور عودته إلى باريس صباح اليوم، قام الرئيس ماكرون بزيارة إلى ساحة قوس النصر لتفقد الأضرار التي خلفتها الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن.
وساد هدوء حذر ساحة قوس النصر عند مدخل جادة الشانزليزيه ليل أمس بعد أن سيطرت قوات الأمن على المكان بعيد مغادرة نشطاء حركة “السترات الصفراء” الساحة التي شهدت اشتباكات عنيفة أسفرت عن إصابة 110 أشخاص من بينهم 17 عنصراً من قوات الأمن، واعتقال 287 شخصاً بتهم التسبب بأعمال العنف.
وتصاعدت حدة المواجهات بشكل أعنف بكثير من الأسبوع الماضي، وسط حالات من الكر والفر بين المتظاهرين وقوات الأمن، أسفرت أيضاً عن إحراق نحو 30 سيارة وتكسير واجهات محلات زجاجية وإقامة بعض المتاريس، وعمدت قوات الأمن على إطلاق القنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع بشكل مكثف لتفريق المتظاهرين.
وخيّمت سحابة من الدخان الأسود الكثيف فوق ساحة قوس النصر وساحة دار الأوبرا وأحرقت رافعة أمام مقهى “السلام” الفاخر وهتف متظاهرون “إنهضي يا باريس”، وكتب أحد المتظاهرين على قوس النصر “السترات الصفراء ستنتصر”، بينما كتب آخر على دار الأوبرا “ماكرون = لويس السادس عشر”، آخر ملوك فرنسا قبل الثورة.
وردد المتظاهرون شعارات طالبت ماكرون بالرحيل، وإلغاء الزيادات الضريبية على الوقود، ودعت الحكومة إلى التجاوب مع مطالب المتظاهرين.
وأعلنت وزارة الداخلية الفرنسية في بيان لها عن مشاركة نحو 75 ألف شخص في تظاهرات “السترات الصفراء” في مختلف أنحاء فرنسا السبت، بينما قدرت الوزارة مشاركة نحو 5000 شخص في الاحتجاجات التي شهدتها ساحة قوس النصر.
ووسط هذه الأجواء، أشار وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير إلى احتمال فرض حالة الطوارىء تلبية لطلب عدد من النقابات والشرطة.
وقال الوزير الفرنسي لشبكة تلفزيون “بي اف ام” ليل السبت “ندرس كل الوسائل التي ستسمح لنا بفرض مزيد من الإجراءات لضمان الأمن”، مضيفاً “أنا مستعد للنظر في كل شيء لتعزيز ضمان الأمن، ولا محرمات لدي على هذا الصعيد”.
وكانت حالة الطوارىء فرضت بعد الاعتداءات الإرهابية في باريس في 2015، وقبل ذلك فرضت أيضاً بعد الاضطرابات التي شهدتها ضواحي باريس في تشرين الثاني/نوفمبر 2005.
وأوضح كاستانير أن مرتكبي أعمال العنف في باريس السبت هم من “مثيري الانقسام والشغب”، مضيفاً أنه “تم التعرف على حوالى ثلاثة آلاف شخص تجولوا في باريس” وارتكبوا مخالفات “مما جعل تدخل قوات حفظ النظام أصعب”.
وكانت نقابة الشرطة “أليانس” طلبت مساء السبت فرض حالة الطوارىء التي اقترحتها أيضاً نقابة مفوضي الشرطة الوطنية.
ومن العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيرس، أكد ماكرون أنه لن يرضى “أبداً بالعنف” الذي اندلع في باريس، لأنه “لا يمت بصلة إلى التعبير عن غضب مشروع”.
وقال ماكرون في ختام قمة مجموعة العشرين إن “أي قضية لا تبرر مهاجمة قوات الأمن ونهب محال تجارية وتهديد مارة أو صحافيين وتشويه قوس النصر”، مضيفاً أن مرتكبي “أعمال العنف هذه لا يريدون التغيير، لا يريدون أي تحسن، إنهم يريدون الفوضى، إنهم يخونون القضايا التي يدعون خدمتها ويستغلونها، وسيتم تحديد هوياتهم وسيحاسبون على أفعالهم أمام القضاء”.
وأعلن ماكرون عن دعوته إلى “اجتماع وزاري مع الأجهزة المعنية” بعيد عودته إلى باريس اليوم الأحد.
وقال ماكرون “سأحترم الاحتجاج على الدوام، سأستمع إلى المعارضة على الدوام، لكنني لن أرضى أبداً بالعنف”.
ويرى بعض المراقبين أن أعمال العنف الكبيرة التي شهدتها تظاهرات أمس لا تصب في مصلحة المطالب التي تنادي بها حركة “السترات الصفراء”، وأشاروا إلى إلى وجود عناصر متطرفة أخرجت التظاهرات السلمية عن سياقها المخطط له.
ونقلت وكالة “فرانس برس” عن المتظاهر دان لودي الذي يبلغ من العمر 68 عاماً “نحن تحرك سلمي، نحن فقط غير منظّمين”، مضيفاً “هناك دائماً حمقى يأتون للشغب لكنهم لا يجسّدون التحرّك الذي يحظى بتأييد واسع لدى غالبية الفرنسيين”.
بدورها، اعتبرت المتظاهرة شانتال وهي متقاعدة تبلغ 61 عاماً أن على ماكرون “النزول من برجه لكي يفهم أن المشكلة ليست الضريبة فقط بل القدرة الشرائية، أنا مضطرة للاستعانة بمدّخراتي طوال الشهر”.
وتواجه حركة “السترات الصفراء” تحدياً كبيراً بعد دخول بعض العناصر المتطرفة إلى الاحتجاجات التي شوهت حراكهم السلمي، ما قد ينعكس سلباً على صورة الحراك الذي اكتسب دعماً شعبياً كبيراً خلال الأيام القليلة الماضية.
في المقابل، يواجه الرئيس ماكرون أصعب تحد منذ تسلمه مقاليد السلطة، في ظل التدهور الكبير والمتسارع في شعبيته والتي بلغت أدنى مستوياتها، حيث تضاءلت نسبة مؤيديه إلى 26 في المئة فقط حسب آخر استطلاع للرأي.
ويرى محللون سياسيون أنه يتوجب على ماكرون إجراء حوار مع عدد من النقابات والجمعيات وناشطي “السترات الصفراء” واتخاذ بعض الإجراءات الملموسة لامتصاص غضب الشارع الفرنسي والتراجع عن السياسات السابقة التي لم تحظى بموافقة الفرنسيين.
وأوضحوا أن خطاب ماكرون الأخير لم يقنع الفرنسيين ولا أصحاب “السترات الصفراء” بسبب عدم استجابته للمطلب الرئيسي الذي رفعه أصحاب “السترات الصفراء” بضرورة إلغاء الزيادة الضريبية على الوقود.
وأشاروا إلى وجود مزاج شعبي عام ضد سياسات الحكومة الاقتصادية التي تتجاهل الطبقات ذات الدخل المحدود وتزيد من إرهاق الطبقات المتوسطة وتعمل لصالح الفئات الغنية، حيث لم تنجح الحكومة بتغيير هذه الرؤية لدى الفرنسيين.
وثمة توقعات بأن تبادر الحكومة الفرنسية إلى ايجاد مخارج حقيقية تساعد على حل الأزمة خلال الأيام المقبلة خوفاً من اتساع رقعة التظاهرات بعد أن ترددت أنباء عن احتمال مشاركة بعض النقابات العمالية إلى جانب “السترات الصفراء” في الاحتجاجات يوم السبت القادم.