تحقيقات
مدينة المكلا اليمنية تسعى للنهوض بعد هزيمة القاعدة فيها
ـ المكلا ـ يتدرب ضباط من خفر السواحل اليمني على اقتحام قارب بالقرب من ساحل مدينة المكلا في جنوب شرق اليمن، بينما تسعى المدينة التي عانت الحروب إلى النهوض مجددا بمؤسسات الدولة بعد عامين على هزيمة تنظيم القاعدة.
يسود الهدوء في المكلا عاصمة محافظة حضرموت الآن في بلد مزقته الحرب، وتمثل ما يراه الكثيرون صورة لليمن ما بعد الحرب.
وفي حفل أقيم الأسبوع الماضي على شاطىء مليء بالدبابات التي تعود إلى حقبة الاتحاد السوفياتي، سلم التحالف العسكري بقيادة السعودية عشرات الضباط من خفر السواحل اليمنية تأمين ساحل جنوب حضرموت الذي يمتد على طول 350 كيلومتر، وهي منطقة مليئة بمهربي المخدرات والأسلحة.
وقام التحالف أيضا بتقديم زوارق مجهزة بأسلحة وأجهزة اتصالات ورادارات إلى خفر السواحل الذين تلقوا تدريبات من مسؤولين سعوديين وإماراتيين وأمريكيين.
وأكد السفير الأمريكي إلى اليمن ماثيو تولر في الحفل أن “الإجابة الحقيقية على الأزمة الإنسانية تكمن في إنهاء النزاع بطريقة ستعيد مؤسسات الدولة”.
وتابع “لا يمكننا مواصلة رؤية استمرار اليمن في وضع الدولة الفاشلة”.
وكانت مدينة المكلا وقعت تحت سيطرة تنظيم القاعدة بين عامي 2015 و2016، قبل أن يحررها الجيش والميليشيات العسكرية المتحالفة معه في نيسان/أبريل 2016.
وشكل هذا انتصارا نادرا للقوات الموالية للحكومة المدعومة من التحالف التي تخوض منذ عام 2015 قتالا عسكريا مع المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.
واختفت القوانين الصارمة والقيود الاجتماعية المتشددة التي فرضها عناصر التنظيم من شوارع وكورنيش المدينة.
ولكن يعترف مسؤولون، ومنهم تولر أن الظروف التي سهلت سيطرة التنظيم على المدينة، خاصة نقص الخدمات الأساسية والحكم- ما زالت موجودة.
خدمات سيئة
تعاني المدينة التي يقيم فيها قرابة نصف مليون شخص من فقر مدقع. وفي شوارع المدينة، يبحث متسولون في النفايات التي امتلأت بها السلال، بينما طفت مياه الصرف الصحي في مصارف مفتوحة.
ولا تزال آثار الحرب باقية في الأحياء السكنية مع منازل تعرضت للقصف. وعلى الرغم من أن محافظة حضرموت غنية بالنفط، تعاني المكلا من انقطاع متكرر للتيار الكهربائي ونقص في الوقود.
ويؤكد وزير النقل اليمني السابق بدر باسلمه الذي يقيم في المدينة أنه “في المكلا، الأمن جيد، لكن الخدمات سيئة”.
ولا تزال هناك خلايا نائمة تابعة لتنظيم “قاعدة الجهاد في جزيرة العرب”، لكن يؤكد اللواء الركن فرج سالمين البحسني محافظ حضرموت، أنها لا تشكل خطرا كبيرا.
ومن جانبها، تؤكد اليزابيث كيندال وهي خبيرة في شؤون اليمن في جامعة اكسفورد “هناك سلام في المكلا، ولكنه هش”.
وأضافت “لم تعد الجماعات المسلحة قوية وتوارت عن الأنظار، ولكن هذا لا يعني أنها لن تعود لأنها تجذب الشباب اليائس بسبب افتقادهم للفرص”.
ويعتمد الاستقرار الدائم على إعادة البناء والتنمية، لكن يعاني اليمن أيضا من تدهور الاقتصاد بشكل كبير، مع انكماش النمو بنسبة 50% منذ عام 2015، بحسب البنك الدولي. وانهارت العملة المحلية ما جعل اليمنيين غير قادرين على شراء المواد الغذائية ومياه الشرب.
ويقول الوزير باسلمه “مع انخفاض الرواتب وارتفاع معدلات التضخم، تركيز الاشخاص ينصب حول البقاء على قيد الحياة”.
وما زال المطار مغلقا أمام الحركة التجارية ما يؤدي إلى خنق الأعمال التجارية.
وتواجه الحكومة صعوبات في دفع رواتب الموظفين وتعتمد بشدة على السعودية والإمارات للحصول على الدعم المالي.
لا أسلحة
وسيطر التنظيم على المدينة ومناطق أخرى في ساحل حضرموت في 2015، دون أي مقاومة بينما كان التحالف بقيادة السعودية يركز على استهداف الحوثيين.
وعلى رغم التضييق الذي فرضه التنظيم على السكان، الا أن العديد منهم يقولون إن الجهاديين أمّنوا استمرار الخدمات العامة كالمياه النظيفة والكهرباء والوقود بالإضافة إلى اصلاح خدمات الصرف الصحي ودفع الرواتب في وقتها.
ويقول مسؤولون يمنيون إن الجهاديين تراجعوا بسرعة إلى المناطق الجبلية في المحافظة مثلما سيطروا على المدينة بعد نهب ما يصل إلى 270 مليار يمني (100 مليون دولار) من مصارف مدينة المكلا.
ويقول محافظ حضرموت البحسني إن السلطات استعادت مجموعة من وثائق التنظيم بعد أن غادر المدينة، والتي كشفت عن مخططات عن استراتيجيته العسكرية ومصادر دخله وتفاصيل عن مواقع تخزين الأسلحة.
وأشار البحسني الى أنه تم تسليم الوثائق إلى السلطات الإماراتية التي دعمت العملية اليمنية الرئيسية لاستعادة المكلا.
ويؤكد الجنرال عبد الله أبو حاتم من قوات حرس الحدود اليمني أن “سيطرة القاعدة على هذا المكان كانت تفيد الحوثيين”.
ويشير حاتم الى أن سيطرة القاعدة على سواحل حضرموت سهلت تهريب الأسلحة التي غالبا انتهى بها المطاف في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين.
وبعد طرد القاعدة، تحاول المكلا منع المدنيين من حمل الأسلحة- وهو أمر فريد في اليمن.
ويطلب من الزائرين لمدينة المكلا تسليم أسلحتهم على واحد من نقاط التفتيش العديدة المنتشرة والتي تسيطر النساء على بعض منها.
ونصبت لافتة تقول “ممنوع حمل السلاح” عند نقطة تفتيش على مدخل المدينة.
ويقول البحسني “هذه المبادرة ناجحة جدا”. (أ ف ب)