السلايدر الرئيسيتحقيقات

شهاداتٌ عن الشيخ زايد بن سلطان.. وقراءةٌ في دلالات تكريمه في لبنان يوم العيد الوطنيّ الإماراتيّ

جمال دملج

ـ بيروت ـ من جمال دملج ـ لم يكن من المستغرَب على الإطلاق أن يحظى مؤسِّس دولة الإمارات العربيّة المتّحدة الشيخ الراحل زايد بن سلطان آل نهيان بلفتةٍ تكريميّةٍ لبنانيّةٍ صادقةٍ في مناسَبة ذكرى مئويّته الأولى خلال العام الحاليّ، ولا سيّما أنّ الرجل الذي ارتبط اسمه بتاريخ المنطقة العربيّة على مدى أكثرَ من نصفِ قرنٍ من الزمان، بعدما قُدِّر له أن يعمل طيلة حياته بكلِّ كدٍّ وجدٍّ، جامِعًا في شخصيّته كافّة صِفات القيادة الحكيمة، ومدرِكًا لقواعد لعبة التوازنات القبليّة وأصول حلّ النزاعات بين الأطراف المختلفة، سرعان ما أُطلِقَ عليه لقَب “حكيم العرب” إثر تمكُّنه من تحقيق نجاحٍ باهرٍ إبان المحادثات الخاصّة بتسوية النزاع حول “واحة البريمي” الحدوديّة مع كلٍّ من المملكة العربيّة السعوديّة وسلطنة عُمان عام 1974، قبل أن يتسنّى له لاحقًا أن يترك بصمةً من بصماته الإيجابيّة حيثما كانت الضرورات الإنسانيّة تستوجب ذلك على طول خارطة العالم وعرضها، الأمر الذي يفسِّر سرَّ تمسُّك القادة والشعوب لغاية يومنا الراهن، وربّما لأجيالٍ وأجيالٍ قادمةٍ، بتسميته إضافةً إلى اللقَب السابق: “زايد الخير”.

لا شكّ في أنّ نشأة الشيخ الراحل في مدينة العين ومحيطها الصحراويّ القاسي أضفَت على شخصيّته كافّة سمات الانشراح وسِعة الصدر ونفاذ البصيرة وطول البال، وهي السِمات التي ما لبثت أن تجلَّت بوضوحٍ لدى تولّيه مقاليد الحُكم فيها عام 1946، حيث أنّ ندرةَ الماء والمال وقلَّةَ الإمكانيّات لم تُشكِّل حجرَ عثرةٍ أمام خططه الطموحة لتطوير المدينة والاستثمار في مقدِّراتها، ولا سيّما بعدما تمَّ افتتاح أوّل مدرسةٍ هناك حملت اسم “المدرسة النهيانيّة” عام 1959، ناهيك عن إنشاءِ سوقٍ تجاريّةٍ وشبكةِ طرقٍ ومشفىً طبّيٍّ، ليتجسَّد حلمه إثر ذلك شيئًا فشيئًا بالتزامُن مع بدءِ مرحلةِ تعرُّفه على العالم الخارجيّ انطلاقًا من بريطانيا التي زارَها للمرّة الأولى عام 1953، ومنها إلى دولٍ أخرى مثل الولايات المتّحدة الأميركيّة ولبنان والعراق ومصر وسوريا والهند وإيران.

وفي سيرة الشيخ الراحل أيضًا، لا بدَّ من التوقُّف عند يوم السادس من شهر آب (أغسطس) الذي تولّى فيه مقاليد الحُكم في أبو ظبي، حيث بادر إلى وضعِ برنامجٍ ضخمٍ لعمليّة التطوير والإنماء، داعيًا أبناء شعبه للمساهمة بكلّ طاقاتهم فيها، ومفسِحًا المجال أمام الكفاءات الأجنبيّة لدعم هذه المسيرة بالخبرات، الأمر الذي ما لبثت أن ظهرَت نتائجه على التوالي من خلال بناء المدارس والمساكن وتأمين الخدمات الطبّيّة وإنشاء الميناء والمطار وشقّ الطرقات وبناء الجسر الذي يربط بين أبو ظبي واليابسة، ناهيك عن عمليّة التشجير واسعة النطاق لإضفاء المساحات الخضراء الشاسِعة على رمال الصحراء، وهي العمليّة التي استمرَّت بزخمٍ خلال السنوات التالية، ليصِل عدد الأشجار المزروعة في دولة الإمارات بعد الإعلان عن تأسيسها عام 1971 إلى أكثر من خمسينَ مليونِ شجرةٍ في مختلف أنحاء البلاد.

أمّا عن كيفيّة تأسيس دولة الاتّحاد، فإنّ القصّة بدأت عندما اغتنم الشيخ الراحل فرصة إعلان البريطانيّين عن رغبتهم في الانسحاب من منطقة الخليج بعد مئةٍ وخمسينَ عامًا من السيطرة التامّة عليها، حيث قرَّر أن يرسم بحكمته وذكائه المستقبل السياسيّ للمنطقة، فبادر إلى إقناع حاكم دبي وقتذاك الشيخ الراحل راشد بن سعيد آل مكتوم بالانضمام إليه في بناءِ دولةٍ اتّحاديةٍ من تسعِ إماراتٍ هي أبو ظبي ودبي وعجمان والفجيرة ورأس الخيمة والشارقة وأمّ القيوين، إضافةً إلى البحرين وقطر، قبل أن يُعبِّر البحرانيّون والقطريّون عن رغبتهم في الحصول على الاستقلال الكامل، الأمر الذي دفعه إلى مضاعفة جهوده لإقامة الاتّحاد مع الإمارات المتبقيّة، وهي الجهود التي تكلَّلت في نهاية المطاف بالنجاح بمجرَّد الإعلان يوم الثاني من شهر كانون الأوّل (ديسمبر) عام 1971 عن تأسيس دولة الإمارات العربيّة المتّحدة.

وإذا كان سيل الأمثلة على الأدوار البارزة التي لعبها الشيخ الراحل في بناء نهضة الدولة وترسيخ ركائز استقرارها وتوفير الرفاهيّة لشعبها له أوّلٌ وليس له آخِر، تمامًا مثلما هو الحال عليه بالنسبة إلى سيل الأمثلة على المساعي الحميدة التي قُدِّر له أن يبذلها في مجال فضّ النزاعات وتسوية الأزمات وتقريب وجهات النظر بين كافّة الدول العربيّة، فإنّ ما جاء على لسان وزير الداخليّة والبلديّات اللبنانيّ نهاد المشنوق يوم أوّل من أمس الأحد أثناء حفل إزاحة الستار عن نُصب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وإطلاقِ اسمه على شارعٍ ودوّارٍ في منطقة الرملة البيضاء في بيروت، في مناسبة العيد الوطنيّ الإماراتيّ السابع والأربعين، يُعتبَر الكلام الأكثر بلاغةً في التعبير عن سيرةِ رجلٍ لا يزال حاضِرًا في وجدان العالم وكانّه لا يزال حيًّا يُرزَق، وخصوصًا عندما قال الوزير اللبنانيّ ما حرفيّته: “إنّ الشيخ زايد الذي أينما يحلُّ في العالم العربيّ يحلُّ معه الخير، ويحلُّ معه التقدُّم، ويحلُّ معه التطوُّر والإعمار، والدليل الأكبر ما قامت عليه دولة الإمارات العربيّة من وحدةٍ راسخةٍ وثابتةٍ ومستقرّةٍ بين الإمارات السبع، والتي تُعتبر قدوةً في مجال القدرة على التفاهُم والتعاضُد في كلّ المجالات الاقتصاديّة والسياسيّة، والعمرانيّة أيضًا، والأهمّ من كلّ ذلك في المجالات الفكريّة”، الأمر الذي كان السفير الإماراتيّ في لبنان حمد سعيد الشامسي قد أكَّد عليه خلال كلمته في المناسبة عندما قال: “عملَت دولة الإمارات على ترسيخ قيم التسامح والتعدُّديّة الثقافيّة، ونبذ التمييز والكراهيّة، وقبول الآخر، من خلال تبنّي برامجَ وطنيّةٍ بالشراكة مع مختلف الجهات المحلّيّة والإقليميّة والدوليّة.. وتُعتبر دولة الإمارات اليوم نموذجًا وقدوةً تُحتذى في التسامُح وقبول الآخر لاحتضانها أكثر من مئتيْ جنسيّةٍ على أراضيها يعيشون بانسجامٍ ووئامٍ، ويضمن القانون الحقّ للمقيمين في استخدام مرافق الدولة الصحّيّة والتعليميّة والثقافيّة والترفيهيّة أسوةً بمواطنيها بدون أيِّ تمييزٍ”… وحسبي أنّ الوزير المشنوق والسفير الشامسي على حقٍّ في كلِّ كلمةٍ من هذا الكلام… والخير دائمًا من وراء القصد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق