
ـ رام الله ـ من فادي ابو سعدى ـ قال المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، أن رحلة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الاستثنائية، إلى بروكسل، والسفر بعد الظهر للاجتماع بوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو – تعكس محاولة إسرائيلية لاستخدام القناة الدبلوماسية بسرعة، للتعامل مع مشكلة الأمن المتنامية في لبنان. ولو كان الأمر مجرد محادثة للتنسيق تمهيدا لتحرك عسكري فوري، لافترضنا أن نتنياهو كان سيرسل على الأرجح شخصاً من القيادة المهنية (رئيس الموساد، رئيس الاستخبارات العسكرية) إلى اجتماع مع زملائه الأميركيين، والذي ما كانت ستعرف عنه وسائل الإعلام.
لكن رئيس الوزراء يقوم بتفعيل الساعة السياسية هنا. ورحلته توفر تلميحا إلى إيران ولبنان وحزب الله، عبر الأمريكيين (وأيضاً من خلال الفرنسيين) بأن هناك حاجة إلى التعامل مع المشكلة على وجه السرعة قبل أن تفكر إسرائيل باستخدام الوسائل العسكرية.
ومنذ عامين تحذر إسرائيل من إنشاء مصانع أسلحة إيرانية على الأرض اللبنانية. في أيلول، وخلال خطاب ألقاه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، كشف نتنياهو عن أماكن ثلاثة مواقع من هذا القبيل، ادعى أن إيران وحزب الله تعملان فيها على تحسين دقة ترسانة الصواريخ والقذائف التي تحتفظ بها المنظمة اللبنانية. وليس من المستبعد أن إسرائيل تشعر بالقلق إزاء تطورات أخرى ممكنة، مثل إعادة وزن ثقل عمليات حزب الله من سوريا، بعد تضاؤل الحرب الأهلية هناك، إلى جبهة مباشرة مع إسرائيل في جنوب لبنان، والتغييرات في انتشار المنظمة في جنوب لبنان.
التغييرات في لبنان، وإلى حد ما، النشاط الإيراني المتزايد في العراق، هي نتيجة للتطورات في سوريا. روسيا تعمل من أجل تثبيت نظام الأسد واستغلال حادثة إسقاط طائرة استخبارات تابعة لها، بشكل خاطئ، من قبل الدفاعات الجوية السورية، في 17 أيلول، لتقييد كل من إيران وإسرائيل. فهي تضغط على إيران لوقف تهريب الأسلحة إلى لبنان عبر الأراضي السورية، وفي المقابل، تحذر إسرائيل من مواصلة الهجمات واسعة النطاق ضد قوافل التهريب والقواعد الإيرانية في سوريا.
هذه الظروف الجديدة أجبرت إيران على تغيير طريقة عملها. لكن الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، يشد الحبل حتى حافة الهاوية. وتشكل التقارير المتكررة عن الطائرات الإيرانية التي تفرغ أنظمة الأسلحة الدقيقة في بيروت تحديًا جديدًا لإسرائيل.
المعضلة الإسرائيلية مألوفة. خلال الحرب الأهلية، عملت القوات الجوية بحرية تامة في سماء سوريا. وفي وقت لاحق، تم الإبلاغ عن أكثر من 200 هجوم وراء الحدود فقط منذ بداية عام 2017 وحتى أيلول الماضي. لكن حرية العمل في سماء سوريا تقلصت الآن، ولبنان هو نوع مختلف تماماً من المشاكل. وقد هدد حزب الله مراراً وتكراراً باعتبار أي عمل هجومي ضده في لبنان كذريعة للحرب. وفي نهاية الأسبوع الماضي، فقط، قامت المنظمة بنشر شريط فيديو دعائي على الشبكات الاجتماعية، تحذر فيهم أنه سيكون بمقدورها ضرب مواقع البنية التحتية العسكرية الإسرائيلية وقواعدها إذا هاجم الجيش الإسرائيلي لبنان. إن السؤال الذي سيواجه الحكومة والمجلس الوزاري السياسي – الأمني، وكما في السابق، هو هل ستخاطر في المدى القريب (شن هجوم من شانه أن يؤدي إلى رد) من أجل معالجة خطر بعيد (مثل مشروع الأسلحة).
وتصاعد التوترات في الشمال على خلفية التطورات الإقليمية الأخرى: الجهد الأمريكي للحد من الضغوط الاقتصادية على النظام في إيران، والوقوف الأمريكي المتأخر إلى جانب المملكة العربية السعودية بعد مقتل الصحفي خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، والتوتر الخاص في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا في المنطقة، وقرار الولايات المتحدة تعزيز القوات الخاصة التي تساعد الأكراد في شمال شرق سوريا. في لبنان نفسه، اشتدت الأزمة السياسية مؤخراً في ظل التوترات بين رئيس الوزراء الحريري وحزب الله.
تقترب إسرائيل من المبارزة الجديدة مع التهديدات وهي تتمتع بميزة أخرى هامة: الدعم بلا منازع الذي قدمته لها إدارة الرئيس دونالد ترامب، على الأقل حتى الآن. فرئيس الولايات المتحدة يقود، بالتنسيق مع إسرائيل، خطا متشددا ضد إيران. وبما أن ترامب شخص يصعب التنبؤ به، يجب على طهران وبيروت أيضاً أن تأخذان في الاعتبار إمكانية أن تدعم واشنطن القدس حتى لو قررت، وخلافا لنهج نتنياهو الحذر، القيام بإجراء عسكري والمخاطرة بالمواجهة.