السلايدر الرئيسيتحقيقات

انسحاب قطر من أوبك: مفاجأة متوقعة وتحولات عالمية نحو مواجهة حتمية

ـ بروكسل ـ خاص ـ في قرار مفاجيء أعلنت قطر عن نيتها الانسحاب من منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك”، اعتبارا من يناير/ كانون الثاني المقبل.

القرار الذي صرح وزير الطاقة القطري سعد الكعبي أنه يعود إلى أسباب فنية و “استراتيجية” ولا أسباب سياسية تقف خلفه ترك خلفه كثيرا من التساؤلات التي يمكن العثور على أجوبتها في ثنايا العلاقات القطرية – الإيرانية اولا، وحجم الإنتاج القطري من النفط الخام في مجمل سوق النفط العالمي.

قطر التي تعمل على مواجهة المقاطعة الخليجية عليها بكافة السبل، خصوصا أمام مقاطعة شملت إغلاق مجالها الجوي والحدود البحرية والبرية أدركت حجم معاناتها في إغلاق منافذ الاستيراد والتصدير المهمة لها، مما جعل الدوحة تفكر في حزمة مخارج استراتيجية، وهي التي تحدث عنها الوزير القطري بقوله أن التركيز على صناعة الغاز وخططها الاستراتيجية في هذا المجال، هو السبب الرئيس للخروج من “أوبك”، خاصة أن قطر منتج صغير للنفط الخام.

وحسب تقارير منظمة “أوبك”، الصادرة الشهر الماضي، بلغ إنتاج قطر النفطي 609 آلاف برميل يوميا في أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، مقارنة مع 572 ألفا في الشهر السابق له، في دولة تحتل المرتبة 11 من أصل 15 دولة عضو في أوبك، وبفارق مليون برميل يوميا عن أي دولة من العشر الأوائل في المنظمة.

لكن، امام النفط الخام الذي تتراجع أهميته الدولية كمصدر من مصادر الطاقة في العالم، فإن قطر هي واحدة من أكبر وأهم منتجي الغاز الطبيعي والمسال عالميا، لكن قطر تواجه منافسة صعبة وشرسة في الحصول على حصة سوقية تتناسب وإنتاجها الضخم أمام منتجين للغاز مثل روسيا التي تسيطر على القارة الأوروبية كسوق منفرد لها، او شرق آسيا الذي تحاول أستراليا والولايات المتحدة السيطرة عليه.

سعد الشريدة الكعبي، وزير الطاقة القطري في مؤتمر صحفي حول انسحاب قطر من “اوبك”(AFP)

إنتاج قطر الحالي من الغاز يبلغ 77 مليون طن سنويا، مع إعلان سابق لها في تموز/يوليو من عام 2017 بأنها تنوي زيادة هذا الإنتاج بنسبة 30 بالمائة، بحلول 2024.

وكان الغاز القطري واشتعال سوق المنافسة مع باقي عمالقة هذا الإنتاج في العالم قد شكل أحد السيناريوهات المفترضة للحروب التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في السنوات العشر الماضية، خصوصا في الساحة السورية وما تم تداوله من أن قطر (ومن خلفها الشركات العملاقة التي تدير إنتاجها الغازي) أنفقت المليارات لدعم الثورة السورية مستهدفة السيطرة على الساحل السوري لكسر الاحتكار الروسي في القارة الأوروبية، وبالتعاون مع تركيا، ضمن صفقة غاز ضخمة تضمن الدفء المجاني لهضبة الأناضول.

ومع اشتداد تلك المنافسة، قامت قطر بدمج أكبر مؤسستين لديها في جسم واحد جديد مطلع العام الحالي تحت اسم “قطر غاز”.

التحول المعياري والنوعي في العلاقة بين الدوحة وطهران لم يكن وليد تداعيات الأزمة الخليجية بقدر ما كانت الأزمة نفسها ثمرة هذا التحول الذي زحفت نحوه الدوحة بإصرار مصلحي قائم على شراكة في ملكية أحد أكبر حقول الغاز في العالم مع إيران وهو حقل الشمال الذي تبلغ مساحتى 8000 كم مربع تقريبا.

الاتفاق النووي مع إيران عام 2016، كان تاريخ التحول القطري، حين لمست الدوحة حجم سيطرة الغاز على العالم بديلا عن النفط كأحد اهم مصادر الوقود والطاقة، وبحسابات الدوحة (والشركات التي تدير ثروات قطر)، فإن العلاقة مع إيران ضرورة حتمية لإدارة أكبر حقل غاز في العالم مع الشريك الجغرافي، وإدارة الظهر للشريك التاريخي والطبيعي، خصوصا بعد وصول الدوحة إلى قناعة نهائية بخسارتها للسوق الأوروبي امام روسيا في حرب سوريا.

اللافت أن خروج قطر من أوبك، جاء بعد اتهامات إيرانية للمنظمة، الشهر الماضي، بتبعيتها للولايات المتحدة الأمريكية، إذ طالبت الأخيرة في أكثر من مناسبة عبر الرئيس دونالد ترامب، بخفض أسعار النفط.

الخروج القطري من أوبك، لا يعني فقط خلو مقعد من مقاعد العضوية ، بل قد يحمل في تداعياته ما هو اعمق في تحولات النظام العالمي الجديد، الذي تديره شركات عابرة للحدود والقارات والسيادات الوطنية، في سبيل إعادة توزيع السوق العالمي ضمن مناطق محاصصة جغرافية يترتب عليه تحولات إقليمية في التحالفات السياسية تبعا لمصالح العرض والطلب في السوق العالمي.

قطر، حاضن الغاز الطبيعي الأكثر في العالم، هي أيضا الحاضن الطبيعي لتيار الإسلام الراديكالي ممثلا بالإخوان المسلمين، والحليف الاستراتيجي لنظام الملالي الإيراني، وهو ما يعني أيضا ضمن حسابات الاستشراف السياسي وضع علبة من أعواد الثقاب بجانب حقول قابلة للإشتعال الفوري، وهو ما يجعل العالم تحت رحمة صراع قادم بين ليبرالية سوق متوحشة لا تعترف بالأوطان ولا الإنسان، و أيدولوجيا دينية إقصائية هي بدورها لا تعترف بالأوطان والإنسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق