مال و أعمال
البرنامج النووي يكلّف إيران أكثر من 500 مليار دولار
ـ دبي ـ أظهر تقرير صادر عن المنتدى الاستراتيجي العربي في دبي أن إجمالي التكاليف المباشرة وغير المباشرة للبرنامج النووي الإيراني تجاوزت 517 مليار دولار منذ عام 2006 وحتى اليوم.
وقال التقرير ، الذي صدر اليوم الأربعاء بالتعاون مع مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في مؤسسة الأهرام المصرية، إن “التكاليف غير المباشرة للبرنامج النووي الإيراني، والمتمثلة في العقوبات الاقتصادية الدولية وتبعاتها على إيران، بلغت ما يقارب الـ500 مليار دولار. فيما تجاوزت التكلفة المباشرة، التي تشمل إنشاء البنية التحتية والمرافق الخاصة بالبرنامج النووي والتكلفة السنوية لتشغيلها، 50 مليار دولار تقريباً”.
وبيّن التقرير ، الذي جاء تحت عنوان: “التكلفة والتبعات الإقتصادية للبرنامج النووي الإيراني على الدولة والشعب”، أن هذه التكلفة للبرنامج النووي الإيراني تجعله “أحد أكثر المفاعلات النووية في العالم تكلفة على الإطلاق، على الرغم من قدراته التقنية المحدودة”، حيث تبلغ تكلفة المفاعلات الحديثة أقل من نصف هذه المبالغ.
ويعد هذا التقرير واحداً من التقارير والدراسات السنوية الصادرة عن المنتدى الاستراتيجي العربي الذي ينعقد تحت رعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، يوم 12 كانون أول/ ديسمبر الحالي في دبي.
وتناول التقرير بشكل مفصّل تكلفة البنية التحتية وتشغيل مفاعل بوشهر والمرافق المرتبطة به، واستخراج وتخصيب اليورانيوم الخام واستيراده، والتسلسل الزمني لمراحل تطوير المفاعل، كما استعرض كافة مراحل العقوبات الدولية التي فرضت على إيران منذ اكتشاف مرافق نووية سرية فيها في العام .2002
وسلط التقرير الضوء على تصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية حالياً في إيران مع تدهور الأوضاع الإقتصادية على إثر انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي العالمي، في شهر مايو الماضي، وإعلانها فرض عقوبات جديدة على إيران.
وقال : “يهدّد هذا التطور الحرج، في إشارة إلى الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، بتجدد خسائر الإقتصاد الإيراني في العام .2018”
وتابع التقرير: “أدى تردي الأوضاع الاقتصادية في إيران إلى اندلاع الاحتجاجات الشعبية في المدن الإيرانية بصورة متكررة خلال الأعوام الماضية تنديداً بالارتفاع الحاد في التضخم، وزيادة البطالة، والفقر، والفساد”.
كما أدت العقوبات المتتالية على إيران، بحسب التقرير، إلى تراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى إيران، كما ألغت الشركات الأجنبية عقود استثمار جديدة بعشرات المليارات من الدولارات خاصة في قطاع الطاقة، والذي يحتاج إلى ما بين 130 إلى 300 مليار دولار من الاستثمارات الجديدة للحفاظ على إنتاجيته حتى عام .2020
وطبقا للتقرير ، “ونتيجة لتراجع الاستثمار وتراجع النمو، ارتفعت معدلات البطالة في إيران، خاصة بين الشباب الذين لا يجد ثلثهم تقريباً فرص عمل، وهو ما يسهم في تأجيج عدم رضاهم عن الوضع الاقتصادي المحلي”.
وأشار التقرير إلى انهيار قيمة الريال الإيراني نتيجة للعقوبات المتتالية، خاصة حزمة العقوبات الأمريكية الأخيرة، والتي أدت إلى تراجع سعر الدولار الأمريكي في السوق السوداء من 112 ألف ريال في آب/ أغسطس الماضي ، وذلك مقارنة مع 36 ألف ريـال للدولار الواحد في السوق الرسمي مطلع العام ذاته أي قبل العقوبات الأمريكية.
وقال التقرير إنه ونتيجة لذلك، فقد قفز معدل التضخم إلى مستويات قياسية تصل في بعض التقديرات إلى متوسط سنوي نسبته 203 بالمئة بنهاية عام 2018، وتأثرت القطاعات الاقتصادية المختلفة في إيران بالعقوبات المتتالية وتبعاتها، خاصة قطاع النفط الذي تراجع إنتاجه وصادراته، التي يعتمد الاقتصاد الإيراني على عائداتها بصورة كبيرة.
وحسب التقرير ، تراجع الإنتاج الصناعي الإيراني، والذي استهدفته العقوبات بصورة صريحة، خاصة حزمة العقوبات الأمريكية الأخيرة، وذلك بالإضافة إلى تأثر قطاع الزراعة بضعف الميكنة وغياب التقنيات الحديثة بسبب العقوبات، وعجز القطاع الصناعي المحلي عن تقديم البديل، وأدت العقوبات الدولية كذلك إلى تدهور البنية التحتية الإيرانية بسبب تراجع الإيرادات العامة من تصدير النفط، وإحجام الشركات الأجنبية عن الاستثمار في القطاع بسبب العقوبات، وهو ما يضاف إلى تأثير التراجع التقني نتيجة العقوبات وتقييدها لنقل المعرفة والمعدات الحديثة إلى إيران.
وأضاف التقرير أن فعالية العقوبات الأمريكية ستعتمد في نهاية المطاف على استجابة الأطراف الدولية لها، سواء الحكومات أو الشركات، ومن المتوقع أن تستجيب الشركات الأوروبية للعقوبات تجنباً للخسائر المحتملة حال عدم استجابتها، في حين قد تستمر بعض الشركات الآسيوية في أعمالها مع إيران، أو حتى تتوسع فيها إلا إذا قررت الإدارة الأمريكية الضغط على الحكومات الآسيوية باستخدام ملفات ثنائية أخرى.
ولفت التقرير إلى أن “الوصول إلى بيانات ومعلومات رسمية دقيقة عن التكلفة المالية المباشرة للبرنامج النووي الإيراني، أو التكلفة الاقتصادية للعقوبات الدولية على إيران، مهمة صعبة أو غير متاحة بسهولة، خاصة فيما يتعلق بالتكلفة المالية للبرنامج، بل إن هذه البيانات غير متاحة حتى للمسؤولين الإيرانيين أنفسهم، ولا يمكن إلا لعدد محدود جدا من أبرز رجال الدولة الإيرانية الاطلاع عليها.
ونقل التقرير عن البنك الدولي تقديره حاجة إيران إلى خلق مليون فرصة عمل جديدة سنوياً من عام 2015، وذلك فقط للإبقاء على معدلات بطالة في حدود 10 بالمئة ، لكن من الواضح أن الاقتصاد الإيراني لم ينجح في توفير هذا الكم من فرص العمل الجديدة بعد عام 2015، حتى في ظل تخفيف العقوبات الدولية، فقد ارتفع معدل البطالة في عام 2016 إلى 4ر12 بالمئة ، وتراجع قليلاً إلى 8ر11 بالمئة في عام 2016، قبل أن يرتفع مجددا إلى 1ر12 بالمئة في الربع الأول من العام الحالي، وفقاً للبيانات الرسمية الإيرانية، وهو ما قد يعني معدل بطالة فعلي يفوق البيانات الرسمية ببضع درجات.
ويقول التقرير إنه وبصورة إجمالية، بلغ إجمالي خسائر الاقتصاد الإيراني منذ عقوبات 2012 وحتى عام 2016، مع بدء التحسن الاقتصادي في أعقاب الاتفاق النووي ما بين 310 و390 مليار دولار أمريكي، في صورة إنتاج غير متحقق، بسبب عدد من العوامل، في مقدمتها تراجع الصادرات النفطية وتدفقات الاستثمارات الأجنبية، وحجب المعرفة والتقنيات الحديثة، وفقاً للتقرير.
يشار إلى أن المنتدى الاستراتيجي العربي يقدم، منذ عام 2001 استشرافات وتوقعات سنوية دقيقة حول الأحداث الهامة على مدار العام. ويتضمن المنتدى آراء الخبراء، وبيانات موثوقة المصدر وتحليلات متعمقة بهدف تسهيل عملية جمع الخبرات العالمية لاستشراف التحديات والفرص الإقليمية المستقبلية. (د ب أ)