د. عادل عبد الناصر
بعد أن استقرت الأمور في مصر أصبح جمال عبد الناصر هو الحاكم الوحيد في وادي النيل، ومن هنا بدأ في ترتيب الملفات ولم يهتم بنفسه أو أسرته أو قبيلته أو عائلته، وانما اهتم بأمور الوطن العربي والمصري والافريقي والعالم الثالث.
كانت الملفات هي استقلال السودان ثم طرد الاستعمار البريطاني عن مصر ثم تأميم قناة السويس ثم قضية فلسطين ثم تحرير الجزائر ثم دعم الجامعة العربية ثم اكمال القضاء على تحالف الاقطاع ورأس المال إلى آخره من ملفات لا تنتهي بل سببت له الصدام مع القوى الكبري في ذلك الزمان، وهو تحالف بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، لكنه صمم ومضى في الطريق متوكلا على الله، ثم تضامن شعوب العرب والعالم الثالث، وإيمانه أنه على حق.
في الجانب الاعلامي كان دعمه لإنشاء إذاعة صوت العرب لتكون فعلا صوت كل العرب من الخليج إلى المحيط، كما كان تطوير جريدة الأهرام وتولى أستاذ الصحافة العربية محمد حسنين هيكل رئاستها، وترتيب مكتب الرئيس والمخابرات حيث كان رجاله في مكتب الرئاسة هم محمد فايق وسامي شرف وفتحي الديب وعبد المجيد فريد وحسن صبري الخولي وأمين حامد هويدي وشعراوي جمعة.
واعتمد على عبد الحكيم عامر في تطوير الجيش وتسليحه، وكان صديق عمره منذ زمالة الكلية الحربية، كما كانت فكرة تأسيس الحزب الحاكم وهو هيئة التحرير التي تطورت فيما بعد إلى الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي العربي، كما استعان بالمهندس محمود يونس ليكون المستشار العلمي له، وهو أول مدير لهيئة قناة السويس فيما بعد.
وانطلق عبد الناصر في العمل من أجل الأمة العربية ومصر وعودة حقوق شعب فلسطين، وكانت قضية استقلال السودان عن مصر أول الملفات، ويروي العاملون في مكتب الرئيس أنه كان يعمل في من التاسعة صباحا إلى الرابعة فجرا يوميا تقريبا كما يروي الأستاذ سامي شرف سكرتير الرئيس في مذكراته، كما أصبحت شئون رئاسة الجمهورية إدارة متخصصة بالعمل العربي وشئون اللاجئين ومكتب المغرب العربي في مصر.
السودان
إن اتفاقية السودان الموقعة في فبراير1952 بين مصر وبريطانيا كانت تنص على فترة انتقال لثلاث سنوات تنتهي في 1956، وبموجبها يتم عمل انتخابات للبرلمان في ديسمبر 1953 تحت إشراف لجنة دولية، وتكوين لجنة للسودان من ثلاث سودانيين يختارهم الحاكم العام بترشيح حكومة السودان البرلمانية وعضو مصري وآخر بريطاني، وعلى لجنة السودان أن تهيئ الجو الحر المحايد لتقرير المصير.
وفي ديسمبر 1953 عُقدت الانتخابات البرلمانية في السودان تحت إشراف لجنة دولية وفاز الحزب الوطني الاتحادي وهو حزب الأزهري الذي كان ينادي بالوحدة مع مصر، وحصل حزب الأمة المعارض للوحدة مع مصر على نسبة بسيطة في الانتخابات. أما في مجلس الشيوخ بمقاعده الثلاثين فقد فاز الحزب الوطني ب 22 مقعدا وحزب الامة ب 3 مقاعد فقط، وبعد أن كانت هذه الانتخابات لصالح الحزب الذي يدعو للوحدة مع مصر ألقت مصر بثقلها السياسي والإعلامي إلى جانب الحزب الوطني، علي أن تكون الوحدة بين البلدين هي النهاية، خاصة وأن الأزهري قد شكل الوزارة عقب الفوز في الانتخابات.
وفي عام 1954 تم إنهاء خدمة كل الموظفين الرسميين المصريين والبريطانيين من حكومة السودان، ومع ذلك استمر أفراد بريطانيون في خدمة الحكومة السودانية خاصة في مجالي التعليم والري، وفي مارس 1954 كانت العلاقات بين المعارضة والحزب الوطني قد وصلت إلى طريق مسدود، كما تم في نفس الشهر افتتاح الدورة البرلمانية الثانية للسودان، وحضرها مندوب بريطانيا ووفد من مصر بمشاركة صلاح سالم عضو مجلس الثورة المؤيد للوحدة بشكل كبير ومحمد نجيب رئيس المجلس، ولكن الوفد المصري قوبل بمظاهرات عدوانية مدبرة من المعارضة؛ فقد أحضر المهدي زعيم المعارضة أعدادا كبيرة من أفراد القبائل وعمّت المظاهرات المعارضِة للوحدة أرجاء مدينة الخرطوم، ولذا تأجل افتتاح البرلمان إلى يوم 10 مارس1954 وأعلن الحاكم العام حالة الطوارئ، وبسبب هذه الأحداث فتر حماس حكومة الحزب الوطني للوحدة مع مصر ويرجع ذلك إلى انتشار إشاعات سادت السودان تشير إلى أن مصر ترشي السياسين السودانيين لتأييد الوحدة مع مصر عند تقرير المصير، مما جعل الكثيرين من السياسيين السودانيين يخشون الاتصال بصلاح سالم او نجيب.
من الأسباب أيضا انتهازية إسماعيل الأزهري رئيس الحزب الوطني الاتحادي، والذي كان يؤيد مصر فقط عندما تكون هناك حاجة إلى هذا التاييد.
لقد كان للصراع بين ناصر ونجيب انعكاسا على القضية السودانية حيث تمتد أصول نجيب إلى السودان، كما لعبت بريطانيا دورا خسيسا في الوقيعة بين مصر والسودان، ونشرت روح الكراهية بين المصريين والسودانيين، وعندما قام الوزير السوداني محمد نور الدين وزميل له بتأييد الوحدة بادر الأزهري لطردهم من الوزارة في عام 1955.
وفي أغسطس 1955 أصدر البرلمان السوداني قرارا يعلن استقلال السودان بدون إجراء استفتاء، وانتقلت السلطات الدستورية من الحاكم العام إلى لجنة عليا تتكون من خمسة من السودانيين واحد منهم من الجنوب، كما غادر الحاكم العام البريطاني السودان، وقبلها في نوفمبر كانت قد انسحبت القوات المصرية والبريطانية من السودان.