السلايدر الرئيسيشرق أوسط

قضية الأنفاق المزعومة لـ “حزب الله” توحِّد اللبنانيّين.. و”سِحر” نتنياهو ينقلِب عليه!

جمال دملج

– بيروت – من جمال دملج – على رغم أنّ التوقيت الذي اختاره الإسرائيليّون لإثارة مزاعمهم بشأن قضيّة الأنفاق الهجوميّة المنسوبة لـ “حزب الله” في المناطق الحدوديّة الجنوبيّة كان من الممكن أن يكون حرجًا جدًّا بالنسبة للبنانيّين في ظلّ استمرار الأزمات السياسيّة الداخليّة التي يعاني منها البلد، وما يترافَق معها بين الحين والآخر من خضّاتٍ أمنيّةٍ تتغذّى من فضلات الانقسامات الأفقيّة والعموديّة الناجمة عنها، فإنّ مجرَّدَ إجراءِ قراءةٍ متأنّيةٍ لوقائعِ أحداثِ الساعات القليلة الماضية، سواءٌ في لبنان أم في إسرائيل، لا بدَّ من أن تُفضي في المحصّلة النهائيّة إلى ترسيخِ قناعةٍ ذاتِ دلالاتٍ هامّةٍ مؤدّاها أنّ معادلة “الشعب والجيش والمقاومة” القائمة على الساحة اللبنانيّة منذ أيّام التحرير في مطلع الألفيّة الثالثة ولغاية يومنا الراهن، معطوفةً على الالتزام المطلَق بقرار مجلس الأمن الدوليّ رقم 1701 الخاصّ بوقف الأعمال القتاليّة على طرفيْ “الخطّ الأزرق”، ومدعومةً بآليّات “الردع الاستراتيجيّ” التي تمكَّن محور المقاومة من فرضها قبيْل تاريخ إصدار ذلك القرار في أعقاب ما آلت إليه “حرب تمّوز” عام 2006 من نتائجَ ميدانيّةٍ مشرِّفةٍ، هي التي أثبتت جدارتها بحقٍّ في إعطاءِ الجانب اللبنانيّ ما يلزمه من عناصِر القوّة لدحض تلك المزاعم بالحجج والبراهين، وبالتالي، هي التي جرَّدت الجانب الإسرائيليّ من عناصر قوّته التي بناها أصلًا على حملاتٍ إعلاميّةٍ بدَت منذ الوهلة الأولى أنّها تضليليّةٌ لا أكثر ولا أقلّ.

وإذا كان عنصر القوّة الأوّل قد تمثَّل في عدم انجرار “حزب الله” إلى ملعب الردِّ على تلك الحملات الإعلاميّة بأيِّ شكلٍ من الأشكال، مفضِّلًا التزام الصمت التامّ على خلفيّة إيمانه الراسخ بأنّ الغرض الأساسيّ من إطلاقها يرمي بالدرجة الأولى إلى إنقاذ رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو المحاصَر وزوجته داخليًّا بتهمٍ تتعلَّق بالفساد، وكذلك على خلفيّة ثقته الكاملة بأنّ كافّة التطوُّرات المستجدّة في ضوء بدء عمليّات البحث عن الأنفاق المزعومة على الجانب الآخر من الحدود لا تعدو عن كونها مجرَّد “زوبعةٍ في فنجانٍ” أمام آليّات “الردع الاستراتيجيّ” الآنفة الذكر، وهو ما كانت زعيمة المعارَضة تسيبي ليفني قد أكَّدته لاحقًا عندما قالت إنّ تلك التطوُّرات تندرج في إطار تهويل نتنياهو لأغراضٍ سياسيّةٍ، فإنّ عناصر القوّة اللبنانيّة الأخرى سرعان ما تجلَّت في كلٍّ من المجاليْن السياسيّ والعسكريّ على حدٍّ سواء، لتعكسَ في مجملها قدرةً فائقةً على توفير مقوِّمات اللُحمة الداخليّة بسرعةٍ متناهيةٍ في أوقات الشدّة، بعيدًا عن مختلف أنواع الانقسامات والتجاذبات.

ولعلّ أبرز ما كان لافتًا في مجال رصد المواقف السياسيّة في بيروت، إلى جانب حرص رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون على متابعة الموقف عن كثبٍ من خلال أجهزة الدولة المختصّة، سرعان ما تجلّى في فحوى ما جاء على لسان رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي بخصوص المزاعم الإسرائيليّة عندما قال إنّها “لا تستند إلى أيِّ وقائعَ صحيحةٍ على الإطلاق”، مشيرًا في هذا الصدد إلى الاجتماع الثلاثيّ الذي عُقِد البارحة في الناقورة برعاية قوّات الـ “يونيفيل” ومشاركة ضبّاطٍ لبنانيّين وإسرائيليّين، وكاشفًا عن أنّ الجانب الإسرائيليّ لم يُقدِّم أيِّ معلوماتٍ أو إحداثيّاتٍ حول قضيّة الأنفاق المزعومة، وهو ما أكَّده رئيس الوزراء المكلَّف سعد الحريري الذي قال بدوره إنّ الوفد اللبنانيّ في اجتماع الناقورة هو الذي فنَّد تلك المزاعم، تمامًا مثلما فنَّد أيضًا الخروقات المعادية والمتكرِّرة التي تفوق المئة والخمسين خرقًا في الشهر، بحسب إحصاءات السلطات اللبنانيّة التي قرَّرت رفع شكوى إلى مجلس الأمن الدوليّ بهذا الخصوص.

ورأى الرئيس الحريري أنّ التطوُّرات التي تشهدها الحدود الجنوبيّة “يجب ألّا تشكِّل سببًا لأيِّ تصعيدٍ، وهو ما يريده لبنان ويسعى إليه مع كافّة الجهات الدوليّة والصديقة المعنيّة بذلك”، مشدِّدًا على “التزام الحكومة اللبنانيّة بالموجبات الكاملة للقرار 1701 وللتعاون والتنسيق القائميْن بين السلطات اللبنانيّة وقوّات الطوارئ الدوليّة”، ومنوِّهًا بأنّ “الجيش اللبنانيّ هو المعنيّ بتأمين سلامة الحدود وبسط السلطة الشرعيّة على كامل الحدود، بما يتوافق مع مقتضيات الشرعيّة الدوليّة والقرارات المعلنة في هذا الشأن”.

وإذا كان الرئيس الحريري قد أوضح أيضًا أنّ “ما يقوم به الجانب الإسرائيليّ من خلال خرقه المستمرّ للأجواء والمياه الإقليميّة اللبنانيّة يُشكِّل مخالفةً مكشوفةً ومرفوضةً لتلك القواعد، وهو ما فنَّده الجانب اللبنانيّ في الاجتماع الذي عُقد برئاسة قائد قوّات الطوارئ الدوليّة (الجنرال ستيفانو ديل كول) في رأس الناقورة، والذي سيكون محلَّ متابعةٍ من الحكومة اللبنانيّة مع الأطراف المعنيّة في الأمانة العامّة للأمم المتّحدة والدول الأعضاء في مجلس الأمن الدوليّ”، فإنّ هذا التوضيح، معطوفًا على البيان الذي أصدرته قيادة الجيش اللبنانيّ بخصوص جهوزيّتها التامّة لمواجهةِ أيِّ طارئٍ، سرعان ما عكَس تجلّيات عناصر القوّة اللبنانيّة على المستوى العسكريّ، ولا سيّما إذا أضفنا إلى ما تقدَّم ما جاء على لسان العميد الطيّار أمين فرحات الذي حضر اجتماع الناقورة على رأسِ وفدٍ من ضبّاط الجيش اللبنانيّ باعتباره منسِّق الحكومة اللبنانيّة لدى قوّات الأمم المتّحدة العاملة في الجنوب، وخصوصًا عندما اعتبَر أنّ “مزاعم العدوّ المتعلِّقة بوجودِ أنفاقٍ عند الحدود الجنوبيّة هي مجرَّد ادّعاءاتٍ لحينه”، مطالِبًا بمعلوماتٍ دقيقةٍ وإحداثيّاتٍ عن أماكن تلك الأنفاق المزعومة “وذلك ليُبنى على الشيء مقتضاه”، بحسب ما ورَد في البيان الذي صدَر عن قيادة الجيش بهذا الصدد، والذي شدَّد على “عدم قيام العدو بأيِّ أعمالٍ داخل الأراضي اللبنانيّة”، تمامًا مثلما شدَّد الوفد أيضًا على موقف الحكومة اللبنانيّة المتمسِّك بسيادة لبنان على أراضيه ومياهه البحريّة وثرواته النفطيّة”.

أمّا بيان بعثة الـ “يونيفيل”، فقد وصف الاجتماع الثلاثيّ بـ “العاديّ”، وبأنّه “كان من المقرَّر عقده قبل بدء عمليّات الجيش الإسرائيليّ على الجبهة الشماليّة”، وأنّ مناقشاته “شملَت أنشطة الجيش الإسرائيليّ جنوب الخطّ الأزرق للبحث عمّا يُشتبَه في أنّه أنفاق”، بينما شدَّد قائد البعثة الجنرال ستيفانو ديل كول على “الدور الحاسم لآليّات الارتباط والتنسيق التي تضطلع بها (اليونيفيل) لتخفيف حدّة التوتُّرات من خلال التواصُل المستمر”، مشيدًا بكلا الجانبين لاستخدامهما هذه الآليّات، بما في ذلك “المنتدى الثلاثيّ”، على حدّ تعبيره، “لتجنُّب سوء الفهم وضمان الحفاظ على الأمن والاستقرار على طول الخطّ الأزرق وتعزيزه”… وحسبي أنّ قراءة هذه المواقف مجتمِعةً إنْ دلَّت إلى شيءٍ، فهي تدلُّ إلى أنّ كلّ ما أُثير منذ البارحة ولغاية اليوم من ضجّةٍ إعلاميّةٍ إسرائيليّةٍ مفتعَلةٍ حول الأنفاق المزعومة لا يعدو عن كونه مجرَّد “زوبعةٍ في فنجانٍ” تستهدف تشتيت الأنظار عن أزماتٍ داخليّةٍ متلاحِقةٍ تعاني منها الدولة العبريّة يومًا بعد يومٍ… وحسبي أنّ اللبنانيّين الذين نجحوا حتّى الآن بامتيازٍ في مواجهة التداعيات المحتمَلة لتلك الزوبعة، إذا ما قُدِّر لهم أن يحافظوا على لُحمتهم وتماسُكهم، فإنّ التاريخ سيشهَد لهم، عاجلًا أم آجلًا، بأنّهم تمكَّنوا بالفعل من قلْب “سِحر” نتنياهو عليه.. والخير دائمًا من وراء القصد.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق